الوظيفة الوجودية

  • 8/29/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

حين ننظر إلى الشيء مجردا من «وظيفته الوجودية» -تلك التي أهّلته طبيعته للقيام بها في الحياة-، حين ننظر بهذا التجريد، لا يصبح الشيء هو نفسه.. بل لا يصبح شيئا لأنه بلا معنى. ويمكن أن تتضح هذه الصورة ذات الجذر الفلسفي بضرب الأمثلة. تصور أن الماء تخلّى عن وظيفته الوجودية وهي أنه يجعل كل شيء حيا.. ألا تتصور فورا أن كل شيء أصبح حجرا؟ بلى وبدون شك.. بل إن الحجر نفسه لا يخلو من الماء. تصور أن القمر كف عن الإضاءة.. تُرى ماذا يصنع الشعراء بأشواقهم وسهادهم وأسحارهم وتشبيهاتهم وتغنّيهم بـ «يا ليل يا عين»؟! والأهم من هذا كله.. ماذا تصنع فيروز وماذا ستقدم لحبيبها الذي «بده القمر»؟ يقولون: وظيفة الفيلسوف هي البحث عن الحقيقة لكل شيء وكشفها.. وأهمها حقيقة الحياة وكُنه «الوجود والعدم»، فلو جاء فيلسوف وساق الشمس والقمر شاهدين على أن حقيقة الأشياء هي كذا وكذا.. تُرى ماذا يصنع الفلاسفة القادمون إلى الساحة؟ يقول التاريخ الفلسفي: إن سقراط رأى رؤيا مؤدّاها أن الفلسفة في آخر الزمان سوف تتشظى إلى علوم لا نهاية لتناسلها، وتتحول الفلسفة إلى «نقد» وعلينا أن ننتظر لنعرف هل يبقى فلاسفة أم لا؟ وظيفة الجسر -أيتها السيدات والسادة- هي تسهيل العبور من ضفة إلى أخرى.. فإذا عجز الجسر عن أداء ذلك مثل جسر الملك فهد.. تُرى ماذا نسمي هذا الجسر؟ وظيفة الشعر هي إضفاء السحر على العالم، هي أن «يخلق للناس عيونا» وأن يضع قلبا لمن ليس له قلب يخفق بالحب والسلام.. فتصوّر أن الشعر غيّر عينيه وثكل قلبه وراح يضع القبح حتى على البحر.. تُرى ماذا نصنع باللغة؟ هل تكفي هذه الأمثلة لإقناعك بأن أي شيء أعدته الطبيعة للقيام بوظيفة محددة ثم يتخلّى عنها يصبح بلا معنى؛ أب بلا حياة؟! لا، هذه الأمثلة لا تكفي، لأن وظائف الأشياء المذكورة ذات طاقة محدودة.. وهناك شيء واحد يمتاز بعدة طاقات ويؤدي وظائف مختلفة وهو الإنسان... فهل باستطاعتك أن تحصر الطاقة الإنسانية في وظيفة واحدة حتى نستطيع الحكم عليه إن لم يقم بها؟ نعم أستطيع، فوظيفة الإنسان هي أن يجعل الحياة العامة أشد اخضرارا وأكثر ثمرا وأن يزرع بين الناس الألفة، أي أن يكون سراجا منيرا.. كلٌّ حسب قدرته وطاقته على الإضاءة.. وكلٌّ في ميدانه.. فإذا تخلّى عن هذا أصبح مجرد تمثال مهما كان يملك من قدرات.

مشاركة :