تعكس قصة أندرو مالكينسون، الذي لايزال مسجوناً منذ ما يزيد على 17 عاماً، مثالاً للظلم الذي يحيق بالإنسان بسبب جرم لم يقترفه، وتمثل حالته إجراءات عدالة عمياء، تحكم بشواهد وقرائن ودلائل بعيدة كل البعد عن واقع الجرم، وبشهادة شهود لم يتم تمحيصها على الوجه المطلوب. عندما ألقت الشرطة القبض على أندرو مالكينسون بتهمة اغتصاب أم تبلغ من العمر 33 عاماً في يوليو 2003، ظل مُصراً على أقواله بأنه ليس من ارتكب الجريمة. كانت المرأة تسير على جانب طريق سريع أثناء عودتها الى منزلها في الساعات الأولى من الصباح، عندما هاجمها شخص غريب. أخبر مالكينسون، البالغ من العمر 37 عاماً في ذلك الوقت، الشرطة بأن اختبارات الحمض النووي ستثبت براءته، وكان يعتقد أنه سيتم إطلاق سراحه بسرعة، وبدلاً من ذلك حُكم عليه بالسجن المؤبد. وبعد 17 عاماً من ذلك، ظهرت أخيراً الأدلة التي كان مالكينسون ينتظرها عندما تم إطلاق سراحه بموجب إفراج مشروط، بعد أن أمضى معظم العقدين الماضيين وهو يصر على براءته. وتثير قصة إدانة مالكينسون بتهمة الاغتصاب والأدلة التي قد تبرئ ساحته في النهاية تساؤلات، حول تعامل الشرطة مع الاعتداءات الوحشية، وما قد يثبت أنه خطأ صادم للعدالة. إصراره على أنه بريء أبقاه في السجن لأكثر من عقد من الزمن، لكنه أخيراً حصل على الإفراج المشروط، على أساس حسن السلوك أوائل الشهر الماضي. لا دليل ولم يكن هناك أي دليل جنائي يربط مالكينسون بمسرح الجريمة. فقد اختارته الضحية، وهي أم لطفلين، في استعراض شخصي بالفيديو، وقالت للمحكمة إنها «متأكدة بنسبة 100٪» من أن مالكينسون هو من هاجمها، على الرغم من أن أوصافه لا تتطابق مع وصفها الأصلي للمغتصب. ويشير تحليل الحمض النووي الجديد للعينات المأخوذة من الضحية وملابسها وقت الاعتداء إلى أن رجلاً آخر، لم يتم التعرف اليه بعد، ربما يكون هو المسؤول. الحمض النووي الذكري الذي تم تحديده حديثاً لا يتطابق مع مالكينسون. جاء هذا الاختراق في قضيته بعد أن تناولتها مؤسسة الاستئناف، وهي مؤسسة خيرية وقانونية تحقق في أخطاء العدالة. وبالإضافة إلى أدلة الحمض النووي، وجد محققو الاستئناف أيضاً أن شاهدين رئيسين تم تقديمهما على أنهما صادقان، أثناء المحاكمة، كانا متورطين في السابق في أحكام جنائية تتعلق بخيانة الأمانة. ليلة الواقعة في 18 يوليو 2003، كانت الضحية قد تناولت الخمر لساعات عدة قبل أن تتشاجر مع صديقها، وتغادر منزل والديه في أثيرتون، بمانشستر الكبرى، وفي نحو الساعة 2.30 صباحاً قررت الذهاب إلى منزلها في كيرسلي، على بعد ستة أميال، وفي الساعة 4.26 صباحاً أرسلت رسالة نصية إلى صديقها تقول فيها إن رجلاً هددها وصرخ فيها «تعالي معي داخل الدغل، لدي مسدس مصوب على رأسك». وأخبرت أنه هددها بعد ذلك وأمسكها من الخلف، وأمسك بخناقها، وضغط بإبهاميه على رقبتها، تذكرت أنها خدشت وجهه قبل أن تفقد الوعي. وفي ما بعد زحفت نحو الطريق وهي مضرجة بدمائها في محاولة للاستنجاد بالسيارات، كانت عظمتا وجنتيها مكسورتين، وإحدى عينيها منتفخة، بحيث لم تستطع فتحها. لم تستطع أن تتذكر ما إذا كانت قد تعرضت للاغتصاب أم لا، لكن الفحص الطبي أكد ذلك. المشتبه فيه سيئ الحظ نشأ مالكينسون في غريمسبي، وترك المدرسة وهو في سن الـ16 ليعمل على الأرصفة. التقى بفتاة في التاسعة عشرة وأنجب منها ولداً. كان عمره 24 عاماً عندما انهارت علاقته مع صديقته، وسافر الى خارج بريطانيا ليستقر في هولندا. في عام 2003 عاد إلى بريطانيا بعد قضائه هناك 10 سنوات. أسلوب الحياة التي كان يعيشها جعل من السهل على الادعاء الاعتقاد بأنه شخص وحيد ومتشرد. آخر شريك جاد لمالكينسون قبل دخوله السجن كانت امرأة هولندية تدعى كارين شوتيميكر. ظلا سوياً لمدة أربع سنوات حتى عام 1999. تحدثت من هولندا ووصفته بأنه رجل «هادئ جداً، لطيف، وودود» و «بسيط». لقد أحبا السفر معاً وتقاسما حب إيقاعات موسيقى الريغي. تبلغ شويتميكر الآن من العمر 53 عاماً، ولاتزال صديقة لمالكينسون، وكانت دائماً مقتنعة ببراءته. لم يسبق أن أدين مالكينسون بأي جرائم عنف من قبل. وكانت إحدى هفواته هي أنه كسر لوحاً زجاجياً عندما كان مراهقاً، ودفع غرامة مالية بسببه، وارتكب جنحة بشأن جواز سفره عندما سافر الى تايلاند عام 2001. رسالة من السجن كتب مالكينسون رسالة من السجن، الشهر الماضي، انه في مساء 18 يوليو 2003، وهي ليلة الاغتصاب، اجتاحت البلاد موجة حر شديدة، وكان قد أنهى للتو عمله كحارس أمن في مركز تسوّق اليسمير بمنطقة والكدين، وأنه «بعد انتهاء نوبتي أردت فقط الجلوس أمام التلفاز ثم النوم، وهو ما فعلته». وكان في هذه الليلة مع أحد زملائه والذي كان نائماً في الطابق العلوي من السرير. كانا يعرفان بعضهما بعضاً منذ أسابيع قليلة فقط. أخبر الزميل المحكمة أنه لا يتذكر الكثير عن تلك الليلة. قال إنه لا يستطيع التأكد ما إذا كان مالكينسون هناك طوال الليل، لأنه كان نائماً في ذلك الوقت. كان المنزل على بعد نحو ميل واحد من الطريق السريع، حيث تم العثور على الضحية في الصباح. إجراءات خاطئة للتعرف إلى المتهم عند سماع وصف المهاجم، قال اثنان من رجال الشرطة إنهما تذكّرا فجأة مالكينسون. فقبل شهر من ذلك، أوقفا دراجة نارية على الطرق الوعرة كان يستقلها مالكينسون وبها إحدى المخالفات وأخذا بياناته. وبعد ستة أيام من الاغتصاب، اتصل مالكينسون بالشرطة بشأن مسألة مختلفة تماماً. كان قد اختلف مع عائلة يقيم معها من قبل، وقال إنه تعرض للتهديد. لاحظ محاموه في الاستئناف أن تقديم شكوى إلى الشرطة يدل على أنه شخص يلتزم بالقانون. في ذلك المساء، فكر مالكينسون في العودة إلى هولندا، لكنه انتهى به الأمر بالسفر إلى غريمسبي لرؤية والدته. وبحلول ذلك الوقت، كانت الشرطة تبحث عنه في ما يتعلق بالاغتصاب. وفي 2 أغسطس تم اعتقاله. بعد إلقاء القبض عليه، تم إحضار الضحية والشاهد المفترض لمشاهدة شريط فيديو عرضته الشرطة أمامهما في وقت متأخر من الليل. تم نقلهما - الضحية والشاهد - إلى هناك معاً، وهو انتهاك لإجراءات طابور التعرف الى المتهم. كانت الشاهدة امرأة قالت إنها رأت رجلاً يطابق وصفه وصف المهاجم أثناء وجودها في السيارة مع شريكها في الساعة 4.30 صباحاً، وهو الوقت الذي يفترض أن الاعتداء قد حدث خلاله. اختارت الضحية مالكينسون، لكن الشاهد اختار في البداية رجلاً آخر. وبعد أن غادرت الغرفة مع ضابط شرطة غيرت رأيها واختارت مالكينسون بدلاً من ذلك. لم يتم استدعاء شريك الشاهد الذي كان يقود السيارة للتعرف الى المهاجم إلا بعد ستة أشهر. والذي اختار مالكينسون. كتب مالكينسون من سجنه: «في البداية اعتقدت أنه سيتم إخلاء سبيلي بسرعة، لم أتخيل أبداً أن يتم التعرف إليّ بالخطأ من قبل المشتكي، لكن عندما تم اتهامي، شعرت وكأن الأرض انشقت وبلعتني». تم اتهامه ومثل أمام المحكمة في عام 2004. وفي تلخيصه للحكم أشار قاضي المحكمة، مايكل هينشيل، إلى أنه تم تقديم العديد من الأسماء إلى الشرطة أثناء التحقيق، وأن بعضها «لم يتم تعقّبه أبداً، بمن في ذلك واحد كان قد أدين سابقاً بالاغتصاب». واستغرقت هيئة المحلفين في «كراون كورت»، في مانشستر، يومين للتداول، وأدانت مالكينسون بأغلبية 10 إلى 2 بتهمتي الاغتصاب والخنق بقصد الاغتصاب. أخبر مالكينسون، (37 عاماً) في ذلك الوقت، الشرطة بأن اختبارات الحمض النووي ستثبت براءته، وكان يعتقد أنه سيتم إطلاق سراحه بسرعة، وبدلاً من ذلك حُكم عليه بالسجن المؤبد. تناقضات في إفادات الضحية أخبرت الضحية الشرطة أن آخر شيء تتذكره كان «خدشاً عميقاً» أحدثته بيدها اليسرى في الخد الأيمن للمهاجم، قبل فترة وجيزة من فقدانها الوعي. وعندما ذهب مالكينسون للعمل في اليوم التالي لم تكن به أي خدوش. ووصفت الضحية المهاجم بأن طوله نحو خمس أقدام وثماني بوصات، أي بوصتان أطول من نفسها. ويبلغ طول مالكينسون خمس أقدام و11 بوصة. وقالت إن المغتصب كان يتحدث لهجة بولتون المحلية مع «لكنة من شيء آخر»، لكن مالكينسون نشأ في غريمسبي، على بعد نحو 100 ميل على الساحل الشرقي، وقضى العقد السابق في الخارج. المهاجم الذي قيل إنه كان يرتدي ملابس أنيقة، خلع قميصه أثناء الهجوم. وعندما قدمت الضحية وصفاً له قالت إنه ليس لديه شعر صدر. كما أنها لم تذكر الوشم. ومع ذلك، كان لدى مالكينسون شعر صدر ووشوم بارزة على ساعديه. ولم يتم العثور على أي من الملابس التي وصفتها الضحية في عمليات تفتيش لممتلكات مالكينسون، والذي كان يرتدي عادة السراويل القصيرة والقمصان القطنية. هل كان الشهود مخبرين بالشرطة؟ خلال المحاكمة، أوضح القاضي أن قضية الادعاء برمتها معلقة على شهادة الشهود، وأكد أن الشهود كانوا أمناء. ومع ذلك، فإن الأدلة التي كشف عنها الاستئناف بعد تهديد شرطة مانشستر الكبرى باتخاذ إجراء قانوني، تظهر أن الزوجين اللذين ادّعيا أنهما تمكنّا من التعرف الى مالكينسون في شارع مظلم في الساعات الأولى كان لهما سجلات جنائية طويلة لم يتم إبلاغ هيئة المحلفين بها. وكان لدى الزوجين 16 إدانة في 38 جريمة. وهناك المزيد من التحقيقات في سجلات الشرطة كشفها الفريق القانوني لمالكينسون تتمثل في أن الزوجين تقدما ليزعما أنهما شهود، بعد ساعات من بدء الشرطة في الاتصال بمصادرها للمساعدة في القضية. ولم تناقش المحكمة احتمال أن يكون الشهود مخبرين للشرطة حريصين على المساعدة. وحاول مالكينسون مرات عدة إلغاء الإدانة، ونظرت محكمة الاستئناف في دعواه، لكنها رفضتها. اختراق الحمض النووي طلب محامو مالكينسون إجراء اختبارات جنائية جديدة على مستندات القضية لمعرفة ما إذا كان هناك حمض نووي من المشتبه فيهم المحتملين الآخرين، لكنهم شعروا بالإحباط من قبل الشرطة، التي اعترفت بأن عناصر الأدلة الرئيسة، بما في ذلك سترة الضحية، وحمالة الصدر، والمفروشات قد «تمت إزالتها»، بمعنى آخر تم تدمير الأدلة. ومع ذلك، تم إجراء اختبارات جديدة على عينات الحمض النووي من قصاصات أظافر الضحية من يدها اليسرى، اليد التي استخدمتها لخدش مهاجمها. كما تم العثور على الحمض النووي في عينات مأخوذة من رقبتها وقت الهجوم. ولم تتطابق أي من هذه العينات مع مالكينسون. وتم العثور بالفعل على عينة من الحمض النووي لذكر مجهول الهوية على الجزء العلوي من سترتها في عام 2003، وهذا لا يتطابق مع مالكينسون أيضاً. ورفضت لجنة مراجعة القضايا الجنائية قضية مالكينسون مرتين. ولكن الآن مع ظهور أدلة الحمض النووي الجديدة والشكوك بشأن الشهود، فإنه مستعد لتقديم طلب جديد لإعادة قضيته إلى محكمة الاستئناف. ومع ذلك، خرج مالكينسون، الأسبوع قبل الماضي، من سجن نورث سي كامب في لينكولنشاير، لكنه لايزال مداناً بهذه الجريمة الجنسية، وسيتم الإفراج عنه بشروط صارمة، ويجب أن ينام في نزل بكفالة، وأن يسجل الدخول كل وقت غداء. وللمرة الأولى منذ 17 عاماً قضى عيد الميلاد مع والدته تريشيا. كانت تكتب له كل أسبوع ويتحدثان عبر الهاتف، قالت: «كل يوم أعيش كابوساً حياً لأنني مازلت لا أصدق أن هذا قد حدث له. إنني أقضي هذه العقوبة مع أندرو». وقالت المحامية التي أسست مؤسسة ابيل، إميلي بولتون، والتي تمثل مالكينسون: «نطلب من الشرطة المساعدة في إلغاء هذه الإدانة، وذلك لأن الشخص الخطأ في السجن بسبب هذا الاغتصاب، بينما الشخص الذي فعل ذلك حر طليق». تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news ShareطباعةفيسبوكتويترلينكدينPin InterestWhats App
مشاركة :