لقد اثبتت ازمة جائحة كورونا (كوفيد-19) خطورة تكامل الاسواق الخليجية مع الاسواق العالمية بالوقت الذي لم تحقق مستويات مرضية من التكامل فيما بينها، الامر الذي كاد يعرض أمنها الغذائي والصحي للخطر، وحملها كلفا اضافية اثناء تصاعد تداعيات الجائحة وإحكام الاغلاق الاقتصادي والحدودي بين دول العالم. فقد اثرت الجائحة وتداعياتها على الامن الاقتصادي على المستويين الكلي (اقتصاد الدولة والقطاعات)، وعلى مستوى الاقتصاد الجزئي (الافراد، والشركات)، وعلى الامن الاجتماعي (القطاع العائلي ومنظمات المجتمع المدني)، وخاصة ان جائحة كورونا ترافقت مع انخفاض اسعار النفط، المورد الرئيسي لدول المجلس، من جانب، ومن جانب آخر ادت ايضا إلى مزيد من الانخفاض في اسعاره، بسبب انخفاض الطلب عليه من قبل اغلب الدول المستوردة بسبب الكساد الذي نجم عن جائحة كورونا. وحيث ان جائحة كورونا ازمة صحية واقتصادية واجتماعية كبيرة وبالغة التعقيد، ومن النوع الذي لا بد ان يقود بعد انحساره إلى إحداث متغيرات اقتصادية واجتماعية وتشريعية عديدة على مستوى العالم تستهدف الوقاية من تداعياته، ومنع تكرار تحديات وأزمات مشابهة له في المستقبل، فلا بد من سياسات اقتصادية جديدة ان لم تكن استراتيجيات وطنية وإقليمية شاملة، تعتمدها دول مجلس التعاون الخليجي في مرحلة ما بعد كورونا لتعزيز الامن الاقتصادي والصحي والاجتماعي، لذا فقد أكد إعلان العلا الصادر عن الدورة الحادية والأربعين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية أن مواجهة الجائحة ومعالجة تداعياتها تتطلب تعزيز العمل الخليجي المشترك وعلى وجه الخصوص «التنفيذ الكامل والدقيق لرؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية، التي أقرها المجلس الأعلى في دورته (36) في ديسمبر 2015، وفق جدول زمني محدد ومتابعة دقيقة، بما في ذلك استكمال مقومات الوحدة الاقتصادية والمنظومتين الدفاعية والأمنية المشتركة وبلورة سياسية خارجية موحدة». وتفعيل دور «المركز الخليجي للوقاية من الأمراض ومكافحتها» الذي تم تأسيسه في هذه القمة، وتمكينه بشكل سريع من تنسيق العمل الخليجي المشترك لمواجهة جائحة كورونا وغيرها من الأوبئة، فضلا عن تأكيده على اهمية بناء منظومة خليجية للأمن الغذائي والمائي، وتشجيع المشاريع المشتركة، وتوطين الاستثمار الخليجي. وحيث ان المملكة العربية السعودية قد قطعت شوطا متقدما في مجال تعزيز امنها الاقتصادي والصحي عبر الاستفادة القصوى من تنوعها الاقتصادي ومقوماتها البيئية والاجتماعية، وموقعها الدولي الناهض والذي عكسته قيادتها لمجموعة العشرين، فإنها تدعو جميع دول مجلس التعاون الخليجي «للاستفادة مما تم تطويره من أدوات متقدمة للتعاون في إطار مجموعة العشرين، في جميع المجالات، بما في ذلك تحفيز الاقتصاد، وإشراك قطاع الأعمال ومؤسسات المجتمع المدني وتمكين المرأة والشباب بشكل أكبر في التنمية الاقتصادية، وتشجيع المبادرات المتعلقة بالاقتصاد الرقمي، وتكليف الأمانة العامة للمجلس بالمتابعة ووضع الخطط والبرامج لتنفيذ ذلك بالتعاون مع بيوت الخبرة المتخصصة»، فضلا عن استمرار الخطوات التي قامت بها دول المجلس ومجموعة العشرين برئاسة المملكة العربية السعودية لمواجهة الجائحة وتخفيف آثارها محليًا وإقليميًا ودوليًا، بما في ذلك مساعدة الدول الأقل نموًا في المجالات الصحية والاقتصادية. وحيث ان دول المجلس جزء فاعل ومهم من الامة العربية، وإن جمهورية مصر العربية بما تمثله من ثقل ومكانة عربية ودولية تمثل احد أهم اركان تعزيز الامن العربي فقد دعيت للتوقيع على بيان العُلا، توثيقا للعلاقات الأخوية التي تربطها بدول المجلس، وتأكيدا لما نص عليه النظام الأساسي للمجلس من اهداف قومية، حيث أكد أن التنسيق والتعاون والتكامل بين دول المجلس إنما يخدم الأهداف السامية للأمة العربية.ولم يفت بيان العلا التأكيد على اهمية ودور المواطنين في اي قرار أو إنجاز يمكن ان تحققه دول المجلس، ولا سيما انهم يترقبون ويعقدون الأمل بأن يعيد «بيان العُلا» الذي تم التوصل إليه في هذه القمة، العمل المشترك إلى مساره الطبيعي، وتعزيز أواصر اللحمة والود والتآخي بين شعوب المنطقة، وفتح افاق جديدة من التواصل بين الاشقاء، لذا فإن قادة دول مجلس التعاون حريصون على تعزيز مكتسبات المجلس، وتحقيق تطلعات المواطن الخليجي، وتذليل كافة العقبات التي تعترض مسيرة العمل الخليجي المشترك. إن بيان العلا يؤكد اهمية «تعزيز التكامل العسكري بين دول المجلس تحت إشراف مجلس الدفاع المشترك واللجنة العسكرية العليا والقيادة العسكرية الموحدة لمجلس التعاون، لمواجهة التحديات المستجدة، انطلاقًا من اتفاقية الدفاع المشترك، ومبدأ الأمن الجماعي لدول المجلس» باعتباره الخيار الامثل لدول المجلس لمواجهة تلكم التحديات المصيرية، وخاصة ان دول المجلس تمتلك بمجموعها حزمة من المقومات البشرية والجيوسياسية والاقتصادية والاستراتيجية التي يمكن توظيفها للتصدي لتلكم التحديات، وفي الوقت نفسه إنجاز عملية تنموية على الصعد الديمقراطية والتشريعية والاقتصادية، ترتقي بمكانتها وامكانياتها وتحقق لشعوبها موقعا مميزا على الخريطة الدولية، لذا فقد دعا بيان العلا إلى «تعزيز الدور الإقليمي والدولي للمجلس من خلال توحيد المواقف السياسية وتطوير الشراكات الاستراتيجية بين مجلس التعاون والدول والمجموعات والمنظمات الإقليمية والدولية بما يخدم المصالح المشتركة»، وذلك لا يمكن ان يعطي اكله ان لم تكن دول المجلس موحدة في سياستها الخارجية وملتزمة بنهج سياسي وخطاب اعلامي موحد. حفظ الله دول المجلس قيادة وشعوبا وأرضا إنه نعم الحافظ ونعم المعين. { أكاديمي وخبير اقتصادي
مشاركة :