اختتمت قمة العلا للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية (قمة السلطان قابوس والشيخ صباح) الحادية والأربعين التي عقدت في الخامس من شهر يناير 2021 ببيان شامل ضم (117) بندا سلط الضوء على حزمة من القضايا والانشغالات الخليجية والعربية والعالمية، الثلاثة الأولى منها تعبر عن وقفة وفاء وعرفان لثلاثة من قادة دول الخليج العربي الذين رحلوا إلى عليين تاركين بصمات ومآثر خالدة في مسيرة وتاريخ دولهم خاصة ومنطقة الخليج العربي عامة ستذكرهم الأجيال بكل تقدير واعتزاز وإكرام، كل من المغفور له بإذن الله تعالى، صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيـد بن تيمور سلطان عمان السابق، والمغفور له بإذن الله تعالى، حضرة صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت السابق، والمغفور له بإذن الله تعالى صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، رئيس وزراء مملكة البحرين السابق، سائلين الله أن يتغمدهم بواسع رحمته ورضوانه، ويسكنهم أعلى فراديس الجنة لما قدموه من خدمات جليلة لشعوبهم ولدورهم الكبير في تعزيز مسيرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فهم من الرعيل الأول الذي سعى جاهدا لبناء المجلس وتحقيق أهدافه وخدمة قضايا الأمة العربية والإنسانية جمعاء. وتناولت البنود الأخرى ترحيب المجلس بصاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق سـلطــان عـمـان، وبصاحب السمو الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت, لانضمامهما إلى عضوية المجلس الأعلى لمجلس التعاون الخليجي، وتقديم التهاني لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء بالمملكة العربية السعودية، على توليه رئاسة اجتماع المجلس الأعلى في دورته الـحادية والأربعين، معربًا عن تقديره لما تضمنته كلمته الافتتاحية من حرص واهتمام على تفعيل مسيرة التعاون بين دول المجلس في كافة المجالات، فيما عبّر المجلس الأعلى عن بالغ تقديره للجهود الكبيرة التي بذلها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الإمارات العربية المتحدة، خلال فترة رئاسة الإمارات للدورة الأربعين للمجلس الأعلى، وما تحقق من خطوات وإنجازات مهمة، وهنأ المجلس صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك مملكة البحرين المفدى، على استلام مملكة البحرين رئاسة الدورة الحادية والأربعين، متمنيًا لها التوفيق في تعزيز مسيرة مجلس التعاون في كافة المجالات. كما رحب المجلس بتولي صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد منصب رئيس مجلس الوزراء في مملكة البحرين، متمنيًا له التوفيق والسداد في أداء مهامه.وشدد المجلس الأعلى في البيان الختامي على حرصه على قوة وتماسك مجلس التعاون الخليجي، ووحدة الصف بين أعضائه، ومرحبا بالتوقيع على «بيان العلا» الذي يهدف إلى تعزيز وحدة الصف والتماسك بين دول مجلس التعاون وعودة العمل الخليجي المشترك إلى مساره الطبيعي، والحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة. ولا ريب ان هذا هو العنصر الاهم في قدرة المجلس على مواجهة مختلف التحديات، وتنمية وتفعيل عناصر القوة لديها، مذكرا بما يربط بينها من «علاقات خاصة وسمات مشتركة أساسها العقيدة الإسلامية والثقافة العربية، والمصير المشترك ووحدة الهدف التي تجمع بين شعوبها، ورغبتها في تحقيق المزيد من التنسيق والتكامل والترابط بينها في جميع الميادين من خلال المسيرة الخيرة لمجلس التعاون، بما يحقق تطلعات مواطني دول المجلس»، في تحقيق الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية عبر ما يؤدي إليه تماسك مجلس التعاون من اتساع في فرص العمل والتوظيف والتجارة وتمويل المشروعات واتساع السوق أمام منتجاتها وبالتالي ارتفاع احتمالية نجاحها، حيث ستكون العوامل المساعدة على نجاحها في ظل منظومة المجلس اكبر بكثير من العوامل المتاحة على صعيد كل دولة منفردة، الأمر الذي يجعل من تعزيز دور المجلس مطلبا شعبيا ملحا. كما أعرب المجلس الأعلى في الوقت نفسه عن التأكيد «على وقوف دوله صفًا واحدًا في مواجهة أي تهديد تتعرض له أي من دول المجلس». وهذه إشارة قوية ورادعة لأية قوة إقليمية أو منظمة إرهابية تخطط للقيام بعمل عدائي ضد أي من دوله، بأنها ستواجه دول المجلس بأجمعها بما تمتلك من إمكانات وقدرات على الردع والمواجهة. وقد أشار البيان إلى «أهمية حشد وتكثيف جهود دول المجلس الجماعية في كافة المجالات، واستمرارية وتيرة العمل وانعقاد الاجتماعات افتراضيا، في حال تعذر عقدها حضوريا، لكافة اللجان العاملة في إطار مجلس التعاون بمختلف مستوياتها»، حيث يؤدي ذلك إلى الحفاظ على جذوة العمل واستمرار المتابعة لتنفيذ القرارات والتشاور المتواصل لمواجهة الصعوبات التنفيذية وإيجاد الحلول الناجعة لها. وأبدى المجلس الأعلى ارتياحه لما تم إحرازه من تقدم في تنفيذ رؤية خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، لتعزيز وتفعيل العمل الخليجي المشترك، التي أقرها المجلس الأعلى في دورته السادسة والثلاثين في ديسمبر 2015م. وقد كلف «الهيئات والمجالس واللجان الوزارية والفنية، والأمانة العامة وكافة أجهزة المجلس، بمضاعفة الجهود لاستكمال ما تبقى من خطوات، وفق جدول زمني محدد، بما في ذلك استكمال مقومات الوحدة الاقتصادية في إطار مجلس التعاون، والمنظومتين الدفاعية والأمنية المشتركة، وبلورة سياسة خارجية موحدة وفاعلة للمجلس تحفظ مصالحه ومكتسباته وتُجنّبه الصراعات الإقليمية والدولية، وتلبي تطلعات مواطنيه وطموحاتهم»، إن هذه التوصيات الطموحة إذا ما احكم تنفيذها ستؤدي بعون الله إلى انتعاش العديد من القطاعات والفروع الاقتصادية التي تقف مشكلات السيادة والحدود عائقا أمام تنميتها، فهي يمكن أن تؤدي إلى استثمار الموقع البحري لدوله عبر انعاش وتطوير الصناعات البحرية بالشكل الذي يجعل منها وسيلة نقل ودفاع وصيد وسياحة ورياضة وترفيه أساسية لمواطنيه، يتنقلون عبر بحاره وممراته ودوله ومدنه البحرية، بأمن ويسر، دون أن تعيقهم دوريات خفر السواحل أو غيرها، كما يمكن أن تقود إلى بناء أسطول بحري تجاري كفؤ، يخفض من تكاليف النقل ويعمق التجارة البينية ويزيدها ازدهارا، ويسهم في توفير الأمن الغذائي من خلال الاستغلال الأمثل للموارد السمكية، كما يدفع إلى إنشاء قوات بحرية موحدة فاعلة قادرة على تأمين الشواطئ والممرات البحرية لدول المجلس وبما يقلل من النفقات التي تصرف سنويا في سباق التسلح بين دوله منفردة، ويعزز من القوات الخليجية المشتركة، ولأجل أن تصبح قرارات المجلس واقعا معاشا فقد أوصى المجلس الأعلى «على ضرورة تنفيذ كافة القرارات والاتفاقيات التي يُصدرها، والمبرمة في إطار مجلس التعاون، وفق جداولها الزمنية المحددة، والالتزام بمضامينها، لما لها من أهمية في حماية أمن الدول الأعضاء وصون استقرارها وتأمين سلامتها ومصالح مواطنيها، وإيجاد بيئة اقتصادية واجتماعية مستقرة تعزز من رفاه مواطني دول المجلس». ونحن نتطلع إلى تنفيذ هذه القرارات الجريئة والهامة في المرحلة الراهنة، نؤكد أنها الخيار الوحيد، والرد الحضاري الشامل الآمن لدول مجلس التعاون الخليجي لمواجهة التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية فتحية لقادة دول المجلس الذين أثبتوا أنهم فرسان المرحلة ورهان الأمة، وحكمائها.{ أكاديمي وخبير اقتصادي
مشاركة :