بمبادرة كريمة من حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه، تحتفي مملكة البحرين في الرابع عشر من يناير بيومها الدبلوماسي تقديرًا لعطاء كوادرها الوطنية المخلصة في وزارة الخارجية، رجالاً ونساءً، واعتزازًا بموافقها التاريخية المشرفة لأكثر من نصف قرن في ترسيخ قيم التسامح والتعايش بين الشعوب والثقافات والأديان، وتسوية النزاعات بالطرق الدبلوماسية، والالتزام بمبادئ الشرعية الدولية. ويشكل الاحتفاء بيوم الدبلوماسية البحرينية مناسبة وطنية غالية تجدد من خلالها مملكة البحرين فخرها بسجلها العريق في إقامة العلاقات الدولية على أساس احترام سيادة الدول وحُسن الجوار وترسيخ الأمن والسلام الإقليمي والدولي، كنهج ثابت في سياستها الخارجية منذ إنشاء دائرة الشؤون الخارجية عام 1969، واستكمال تأسيس وزارة الخارجية عام 1971، وعضويتها الفاعلة في منظمة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، وغيرها من أطر ومجالات العمل السياسي المؤسسي. وقد جاءت الكلمة السامية لجلالة الملك المفدى بهذه المناسبة الوطنية مؤكدة “المبادئ والقيم الإنسانية النبيلة التي تؤمن بها المملكة وتتبناها، ممثلة في التسامح والتعايش والتآخي والاحترام المتبادل، والتزامًا بالمواثيق والقوانين الدولية، وإسهامًا منها في تعزيز الأمن والسلم والاستقرار العالمي لخير وصالح شعوب العالم أجمع”، مثمنًا جلالته نجاح المملكة “بسياستها الخارجية المتزنة والمرنة، ودبلوماسيتها النشطة والفاعلة، وحضورها الدولي المؤثر من تبوؤ مكانة دولية رفيعة في المجتمع الدولي، منطلقة من تاريخها الحضاري العريق، ونهجها العصري المواكب للحداثة والتطور، وفكر أبنائها وعطائهم المتميز في مختلف مجالات الإبداع والابتكار”. هذه القيم الرفيعة والمبادئ الإنسانية العظيمة تضمنها الميثاق الوطني وأكدها دستور مملكة البحرين في ظل تمسك الشعب بالإسلام عقيدة وشريعة ومنهاجًا، وانتمائه إلى الأمة العربية المجيدة، وارتباطه بمجلس التعاون الخليجي ارتباطًا حاضرًا ومصيريًا، وسعيه إلى كل ما يحقق العدل والخير والسلام لكل بني الإنسان، بنص المادة (6) من الدستور على أن “تصون الدولة التراث العربي والإسلامي، وتسهم في ركب الحضارة الإنسانية، وتعمل على تقوية الروابط بين البلاد الإسلامية، وتحقيق آمال الأمة العربية في الوحدة والتقدم”، والمادة (30): “السلام هدف الدولة، وسلامة الوطن جزء من سلامة الوطن العربي الكبير، والدفاع عنه واجب مقدس على كل مواطن”. وبفضل النهج الدبلوماسي الحكيم لصاحب الجلالة الملك المفدى، وبدعم من الحكومة الموقرة برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله، استطاعت مملكة البحرين في إطار الشراكة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وقوتها الناعمة للإعلام الوطني والثقافة والمجتمع المدني، أن تقدم للعالم أجمع أنموذجًا رائدًا في ترسيخ السلام، وتوطيد أواصر الأخوة الخليجية والعمل العربي المشترك والتضامن الإسلامي وخدمة الإنسانية، حيث واصلت مملكة البحرين التزامها بنهجها الدبلوماسي المتزن وسياساتها المرنة والحاسمة ما مكنها من معالجة أصعب التحديات والإسهام في حل العديد من الأزمات والمشاركة الفاعلة في تسوية المنازعات الإقليمية والدولية بالطرق السلمية والدبلوماسية، وتفاعلها البناء مع قضايا أمتها العربية والإسلامية، وحرصها على تحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة، والتزامها بتقوية علاقاتها الدولية في إطار احترامها الدائم للقوانين والأعراف والمواثيق الدولية. ووضعت المملكة في مقدمة أولوياتها تعزيز مسيرة التعاون والترابط والتكامل بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في جميع المجالات، وصولاً إلى وحدتها، كأحد أهم الأهداف السامية التي نص عليها النظام الأساسي للمجلس لعام 1981، مؤكدة اعتزازها بتوليها رئاسة مجلس التعاون في دورته الحالية بقيادة جلالة الملك، وحرصها على وحدة الصف الخليجي، ولم الشمل وتوحيد الكلمة، وتدعيم نتائج “قمة السلطان قابوس والشيخ صباح” في دورتها الحادية والأربعين، و”بيان العُلا” في 5 يناير 2021، بشأن تعزيز أواصر الود والتآخي بين الشعوب، بما يحقق الازدهار والتنمية لدول المجلس ويحفظ أمنها واستقرارها، وتنفيذ رؤية خادم الحرمين الشريفين بشأن استكمال متطلبات الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة، وتحقيق المواطنة الاقتصادية الكاملة، بما في ذلك منح مواطني دول المجلس الحرية في العمل والتنقل والاستثمار والمساواة في التعليم والرعاية الصحية، وبناء شبكة سكة الحديد الخليجية، ومنظومة الأمن الغذائي والمائي، وتشجيع المشاريع المشتركة، وصولاً إلى الوحدة الاقتصادية بحلول عام 2025، وبلورة سياسية خارجية موحدة، وتطوير المنظومتين الدفاعية والأمنية المشتركة، وتعزيز التكامل العسكري الخليجي في ظل قيادة عسكرية موحدة، انطلاقًا من اتفاقية الدفاع المشترك، ومبدأ الأمن الجماعي لدول المجلس. واعتزازًا بحقيقة انتمائها العربي، وبكون شعبها الأبّي جزءًا لا يتجزأ من الأمة العربية، وأن إقليمها جزء من الوطن العربي الكبير، أكدت مملكة البحرين حرصها الدائم على أمن واستقرار الدول العربية، ووحدتها وسيادة أراضيها، بما في ذلك دعم الشرعية في اليمن، ورفض التدخلات الأجنبية في الشؤون الداخلية للدول العربية، ومطالبة إيران بوقف تدخلاتها العدوانية في الشؤون العربية، وعدم دعم وتمويل وتسليح الميليشيات الطائفية والتنظيمات الإرهابية أو تزويدها بالصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار لاستهداف المدنيين لاسيما في المملكة العربية السعودية، والتوقف عن تهديد خطوط الملاحة الدولية والاقتصاد العالمي، والتعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والالتزام بمبادئ القانون الدولي وقواعد حُسن الجوار. وفي إطار رؤيتها الثاقبة لإحلال السلام العادل والشامل في منطقة الشرق الأوسط، جاء توقيع المملكة على إعلان تأييد السلام مع دولة إسرائيل في 15 سبتمبر 2020، ضمن حرصها على تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي، كخيار استراتيجي وفقًا للمبادرة العربية ومقررات الشرعية الدولية، بما يحفظ الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الشقيق في إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وتجنيب المنطقة العربية ويلات عقود من الحروب والأزمات. وعلى الساحة الدولية، واصلت مملكة البحرين سياستها الخارجية الحكيمة في انفتاحها على العالم الخارجي، بما ينشد تحقيق المصلحة الوطنية، ودعم القضايا الخليجية والعربية والإسلامية، وتعزيز عرى المحبة والصداقة والتفاهم بين الشعوب والأمم، وبناء شبكة قوية من التحالفات والشراكات الدولية القائمة على أسس احترام سيادة الدول وحسن الجوار، من خلال وجود 28 سفارة بحرينية موزعة على مختلف قارات العام، وبعثتين في نيويورك وجنيف، وأربع قنصليات في جدة والنجف ومومباي وكراتشي، وسعيها إلى زيادة عدد السفارات والقنصليات في مختلف دول العالم، وحضورها الفاعل في المنظمات الإقليمية والدولية، وتعزيز شراكتها الاستراتيجية مع 16 وكالة أممية بموجب الاتفاقية الإطارية للسنوات (2018-2022)، وإبراز إنجازاتها التنموية والحقوقية على الساحة العالمية في ظل انضمامها لأكثر من 30 اتفاقية حقوقية دولية. وإدراكًا لأهمية الحوار والتسامح والتضامن الإنساني والتعايش السلمي بين الأمم والحضارات، اتخذت مملكة البحرين بقيادة جلالة الملك المفدى مبادرات عالمية رائدة بتنظيم مؤتمرات للحوار الإسلامي المسيحي عام 2002، والتقريب بين المذاهب الإسلامية عام 2003، وحوار الحضارات والثقافات عام 2014، وقمة الأمن الإقليمي “حوار المنامة” منذ عام 2004، والمؤتمر الدولي لمكافحة تمويل الإرهاب عام 2014، فضلاً عن إنشاء ”مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي”، وتخصيص “كرسي الملك حمد للحوار بين الأديان والتعايش السلمي” في جامعة لاسابينزا الإيطالية، وإطلاق “إعلان مملكة البحرين” كوثيقة عالمية لتعزيز الحريات الدينية، وتعزيز دور المؤسسة الملكية للأعمال الإنسانية في تقديم المساعدات التنموية والإغاثية للشعوب المنكوبة. وفي يوم الدبلوماسية البحرينية، تؤكد مملكة البحرين اعتزازها بعطاء المرأة في المجال الدبلوماسي منذ عام 1972، وتقلدها مناصب رفيعة بتعيينها سفيرة منذ عام 1999، ووكيلة لوزارة الخارجية وشغلها 32% من المناصب الدبلوماسية، و15% من عدد السفراء، و29% من المناصب القيادية بوزارة الخارجية، وتوليها الإدارة التنفيذية لأكاديمية محمد بن مبارك للدراسات الدبلوماسية بدرجة وكيل وزارة مساعد، إلى جانب تمثيلها 64% من منتسبي الأكاديمية في سياق منظومة داعمة لتعزيز مشاركة المرأة في العمل الدبلوماسي بالتنسيق مع المجلس الأعلى للمرأة، وتعزيز مكانتها المرموقة بعد رئاستها لمنظمة المرأة العربية وتوليها رئاسة الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2006 كأول عربية ومسلمة وثالث امرأة في العالم. وبفضل الرؤية الملكية السامية في دعم السلام وخدمة الإنسانية، اكتسبت مملكة البحرين احترام المجتمع الدولي بانتخابها عضوًا في مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة لثلاث دورات، ونائبًا لرئيس اللجنة الاستشارية لمجلس حقوق الإنسان، وعضوية لجنة حقوق الطفل بالأمم المتحدة، ورئاسة لجنة حقوق الإنسان العربية “لجنة الميثاق” عام 2017، واستحقاق جلالة الملك لجائزة منظمة التعايش بين الأديان والحضارات بواشنطن في سبتمبر 2014، وجائزتي ”الإنجاز مدى الحياة” من منظمة (C3)، و”صموئيل زويمر” من الكنيسة الإصلاحية في أمريكا عام 2016، واختيار المملكة مقرًا للمركز الإقليمي لتكنولوجيا المعلومات والاتصال، والمركز الإقليمي العربي للتراث العالمي بالشراكة مع اليونسكو، وسط احتفاء عالمي بجوائزها الدولية لخدمة الإنسانية وتمكين المرأة والشباب وتشجيع استخدامات تكنولوجيات المعلومات والاتصال في مجال التعليم. إن مملكة البحرين بفضل السياسة الحكيمة لصاحب الجلالة الملك المفدى وحكومته الموقرة برئاسة صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، وإذ تحتفي بيوم الدبلوماسية الوطني، لتؤكد تمسكها بقيمها السامية وتاريخها الحضاري العريق ومبادئها الرصينة في تحقيق المصلحة العليا للوطن والمواطنين، وتعزيز الوحدة الخليجية، ومناصرة الحقوق العربية والإسلامية، وتدعيم الشراكة الدولية على قواعد راسخة من الانفتاح والاعتدال واحترام المواثيق الدولية، وتدعيم الحوار بين الحضارات والثقافات، ومكافحة التطرف والإرهاب، ودعم التنمية المستدامة في المنطقة والعالم، ولتبقى المملكة كما أكد جلالة الملك المفدى “منارة حضارية تشع برسائل السلام والتقارب والوئام لخير وصلاح البشرية جمعاء”.
مشاركة :