تربية الطفل إبداعياً منذ السنوات المبكرة من عمره، تعتبر رسالة الروضة والأسرة، بل والمجتمع أيضاً، ومن أجل زيادة قدرة أطفال اليوم ورجال المستقبل على الإسهام النشط في حياة مجتمعهم ومشاركتهم الفعالة في دفعه نحو التطور والتقدم، ينبغي الاستعداد له بكل ما نملك من عقول مبتكرة ومبدعة لمواجهة ما يحمله القرن الحادي والعشرين من تحديات، وما يحتويه من مشكلات لتهيئة الظروف المناسبة للطفل لكي يكون قادراً على التفاعل الكفء مع خصائص هذا القرن. يؤكد أخصائيو التربية وعلم النفس أن التربية الإبداعية للطفل في سن مبكرة تعتبر علاقة يغلب عليها الحب والتسامح والحرية، تتسم بالدفء العاطفي لتحقيق سلوك متوقع، وتفهّم سلوك شخصي بين الأطفال والقائمين على تربيتهم (الوالدين، الأسرة) فالمعلمة المبدعة هي تلك التي تمتلك أدوات التعليم المناسبة والمعززة الفعالة التي تأسر خيال الأطفال وتطلقه، وتشحنه بالأفكار الثرية والمثيرة، وتثري دافعيتهم فيتعلمون وهم في قمة الاستمتاع. نستطلع في التحقيق التالي آراء معلمات رياض الأطفال والاختصاصيين التربويين والنفسيين، ودور الأسرة والمهتمين بمجال الطفولة في تربية الطفل إبداعياً، كما نتعرف إلى أهداف واستراتيجية التربية الإبداعية والمهارات والمفاهيم والاتجاهات المرتبطة بحياة الطفل اليومية، وكل ما يحيط به. تنمية مهارات في البداية يؤكد محمد سالم الظاهري المدير التنفيذي لقطاع العمليات المدرسية بمجلس أبوظبي للتعليم أن المجتمع الإماراتي بدأ يدرك أهمية سنوات التعليم المبكر، مشيراً إلى أنه على مدى العقود الأربعة الماضية انصب الاهتمام الأساسي للدولة على الإنسان وإبداعاته من خلال التعليم عن طريق اللعب، المستمد من أفضل الممارسات ذات المعايير العالمية في تعليم الصغار، التي تنمي لديهم الفضول وحب الاستطلاع وتشجعهم على المبادرة للتعرف إلى العالم المحيط بهم من خلال اكتشافهم له، فضلاً عن تحفيز الطفل على التعبير عن نفسه والتعلم التفاعلي وبناء مهاراته. ويشير الظاهري إلى أن مرحلة رياض الأطفال مهمة في إعداد وتأهيل الطلبة، وأن الأبحاث العالمية أثبتت أن التحضير لرياض الأطفال مهم حتى يكون الطلبة ناجحين ومتفوقين في بقية العلوم في المراحل المتقدمة، كونها حلقة الوصل التي تهيئ الطلبة لتقبل العلوم المختلفة، لافتاً إلى أن رياض الأطفال التابعة لمجلس أبوظبي للتعليم أصبحت محط أنظار التربويين من داخل وخارج الدولة لما تتمتع به من مميزات كأحدث نموذج تربوي لرياض الأطفال يستهدف إعداد طفل ذي شخصية متكاملة يسهم في بناء وطنه تحت إشراف كوادر تربوية مؤهلة وفي بيئة تعليمية جاذبة وبإدارة قيادات تربوية مميزة. ويؤكد الظاهري أن الطالب هو محور العملية التعليمية في خطط وبرامج المجلس، وأن إعداده منذ مرحلة الروضة يتطلب توفير البيئة التعليمية المحفزة حتى تكون دافعاً له لحب العلم والإقبال عليه والارتباط بالمدرسة والتعلق بها وهو ما عمل المجلس على تحقيقه من خلال خطته الإستراتيجية لتطوير كافة مراحل العملية التعليمية استراتيجية التي تستهدف إعداد الطالب المبدع المفكر الذي يمتلك مهارات البحث العلمي ولديه القدرة على حل المسائل والمشكلات واتخاذ القرارات والعمل ضمن الفريق، والتعبير عن رأيه بثقة وموضوعية حتى يكون لدينا خريجون مؤهلون وقادرون على مواجهة تحديات العصر. اهتمام بالإبداع تقول فاطمة البستكي مديرة مركز التعليم المبكر للطفولة بجامعة زايد أن اكتشاف القدرة الإبداعية يعد الخطوة الأولى نحو الاهتمام بالإبداع والمبدعين، والطريق نحو ملاحظة السلوك الإبداعي للطفل، واكتشاف المجال النوعي لإبداعه، وذلك يعتمد على مراقبة مسارات تفكير الأطفال لاكتشاف الكامن لدى المبدعين منهم، مشيرة إلى انه من خلال الأنشطة وتنوعها وتفردها يمكن للمعلمة الكفء الكشف عن الأطفال المبدعين فعلاً، وبالتالي اتخاذ الطرق والأساليب اللازمة لتنمية التفكير الإبداعي لديهم، وهناك بعض الأفعال والأدوات السلوكية التي يدل وجودها على بداية الإبداع عند الأطفال. وتشير إلى أن برامج التعليم المبكر تتبنى تنمية القدرات العقلية من خلال تقنيات تحفز على تشغيل دماغ الطفل، ما يساعد على التعلم إضافة إلى تنمية الروح الاجتماعية والاستقلال الذاتي، كما تغطي تلك البرامج جميع المهارات العقلية والجسدية، من خلال تقنيات تدريب الدماغ لتسريع قوة التعلم، فضلاً عن التدريب على المهارات الاجتماعية والمستقلة، بدءاً من الموسيقى والرياضيات واللغات، ثم الأنشطة البدنية والمهارات الحركية الدقيقة، مع الحرص على مشاركة الآباء والأمهات في بعض الحصص الدراسية. وتؤكد أن مركز التعليم المبكر للطفولة الذي افتتحته جامعة زايد مؤخراً يتبنى منهجاً يوفر للصغار بيئة منشطة لنموهم الذهني والمعرفي والسلوكي والبدني والاجتماعي والعاطفي، مشيرة إلى انه مزود بأرقى التجهيزات والوسائل التربوية والتعليمية المتخصصة لتنمية الصغار، ويحرص على تقديم المناهج الإبداعية التي تطبق أفضل معايير البرامج الدولية التي تستند إلى البحث العلمي لتشجيع الأطفال على الاكتشاف والتعبير عن الذات، كل بحسب مرحلته العمرية. تدريب وتأهيل تؤكد هاجر الحوسني أخصائية نفسية في مجلس أبوظبي للتعليم، أن مهنة معلمة رياض الأطفال في غاية الحساسية، وتحتاج إلى خصائص شخصية، وتدريب وتأهيل معين ودقيق، حيث إنها تشارك مع الأسرة بشكل رئيسي في بناء القاعدة النفسية، والمعرفية الأساسية للطفل، وهنا ينبغي أن تعي كل معلمات رياض الأطفال بأن هناك منعطفات نفسية يمر بها الإنسان في مرحلة طفولته المبكرة، تؤثر في حياته المستقبلية، خاصة وأن الطفل في هذه المرحلة سريع التأثر بما يحيط به، ومن هنا تنبع أهمية هذه المهنة. حرية التعبير وعن إبداع طفل الروضة تقول خاتون حسن اختصاصية اجتماعية في مدرسة مبارك بن محمد، إن الطفل المبدع هو ذلك الطفل الذي لديه القدرة على حرية التعبير لذي يمكنه من اكتشاف المشكلات والمواقف الغامضة ومن إعادة صياغة الخبرة في أنماط جديدة عن طريق تقديم أكبر عدد ممكن من الاستجابات والأنشطة غير المألوفة، التي تتميز بالمرونة والحداثة بالنسبة للطفل نفسه، مما يجعله يعبر عنها بأي شكل من الأشكال والأساليب المختلفة كالتعبير القصصي، الفني، الحركي أو الموسيقي. وأشارت إلى أن كل طفل لديه الاستعداد الإبداعي أو إمكانية الإبداع بدرجة ما، شأنه في ذلك شأن ما يملكه من الخصال النفسية، بل والجسمية الأخرى، والتي توجد بدرجات متفاوتة في مختلف الأطفال، بالتالي فإن أي طفل يمكن أن يكون مبدعاً خلاقاً بدرجة ما، إذا أتيحت له الفرصة المناسبة لتنمية القدرات والمهارات والخصال المرتبطة بالسلوك الإبداعي عموماً. اكتساب معلومات ترى فاطمة العلي - معلمة رياض أطفال أن تنمية مهارات الطفل الفكرية والجسدية على حد سواء، أمر في غاية الأهمية كما أن إضافة النشاطات المتمثلة في الألعاب أو الأناشيد تعمل على قابلية الأطفال في تقبل والتقاط الأشياء بسرعة واكتساب المعلومات، فتكون الروضة بذلك أساساً يمهد لانتقاله إلى المدرسة الابتدائية بشكل سلس، نفسيا ً وعقلياً واجتماعياً، مؤكدة أن اقتناء الآباء للألعاب في المنزل تساعد على تنمية قدرات الطفل وتحرص على سلامته وسعادته نظراً لأهميتها وفائدتها التربوية في مراحل التعليم المبكر للطفل. وأشارت إلى أنه من شأن مراكز التعليم المبكر والحضانات ورياض الأطفال أن تسهم في تحقيق الأهداف التربوية والتعليمية والابداعية للأطفال من خلال اللعب والأنشطة والهوايات التي يقبل عليها الأطفال بحب وشغف. حل المشكلات وحول أهداف التربية الإبداعية للطفل تقول انتصار علي صلاح معلمة اللغة العربية إنها تتمثل في إتاحة الفرص أمام الطفل للإسهام في حل مشكلاته الخاصة بنفسه، بدلاً من أن نقدم له الحلول الجاهزة، مع تدريبه على إدراك المشكلة من جميع جوانبها، وافتراض الحلول، ومحاولة وضعها موضع التنفيذ، وما إلى ذلك، ما ينمي التفكير العلمي، والابتكاري لديه، لتنمية خياله بطريقة سليمة وترك الفرصة له للتجريب والاكتشاف واستطلاع البيئة، وإثارة اهتمامه بالمشكلات المختلفة والإحساس بها والتماس الحلول المبتكرة لها وتنمية قدرته على الملاحظة وتدريبه على الصبر والمثابرة وبذل الجهد والتفكير الناقد الذي يحسن التعليل والتحليل وربط الاسباب بالنتائج، وتشجيع التعلم عن طريق الاكتشاف لا عن طريق الحفظ والتلقين. ترجمة الإبداع وحول دور الأسرة والروضة في التربية الإبداعية للطفل تقول منى الهاشمي - أخصائية تربوية- إن التربية الإبداعية في الطفولة المبكرة مسؤولية المعلمة، وينبغي تدريبها على ترجمة الإبداع إلى ممارسات صفية، عن طريق المعرفة الجديدة، والفهم بنمو الطفل، وخلق البيئة التعليمية المنتجة والمشجعة والمثيرة للإبداع، واستخدام التقنيات المناسبة والشاملة لعملية تفاعل المعلمة والطفل، وتنمية قدراتها على التشخيص الدقيق لقدرات الطفل والبرامج المناسبة له، ببناء أنشطة وتمارين المادة التعليمية بشكل يتناسب مع كل مهارة من مهارات الإبداع، أو التدريب على الإبداع من خلال برامج مستقلة للتدريب على مهارات التفكير التي تنمي الإبداع، واستخدام الاستراتيجيات التعليمية المناسبة، لافتة إلى ان التربية الإبداعية في الطفولة المبكرة تحتاج للتشجيع وإعطاء الحرية للطفل، واستخدام تكنيكات أسئلة مناسبة موجهة له، وتهيئة الظروف، وإتاحة الفرص المناسبة للتفكير المبدع. مناخ أسري يؤكد الاختصاصي الاجتماعي نصر الدين عبدالرحيم أهمية توافر المناخ النفسي للأطفال داخل الأسرة، حيث وجد أن اتجاهات الوالدين الخاطئة تربوياً ونفسياً (التسلط، الحماية الزائدة، الإهمال، إثارة الألم النفسي، التذبذب، التفرقة في معاملة الأبناء) تؤثر سلباً في قدرات الأطفال الإبداعية، كما أن سياسة الرفض والإكراه أو القهر لدى الأطفال، لها علاقة بالإبداع لدى الأطفال، مشيراً إلى ان أسلوب التربية الحضاري غير المحبط، وتوفير المكتبات في البيوت، والاتزان البيئي، أو إعطاء الأطفال الوقت الكافي من أجل اكتشاف المعلومات بأنفسهم، وتوفير الحياة الطبيعية، والتسهيلات البيئية، جميعها تصقل مواهبهم، وتنمي قدراتهم الإبداعية. ويقول مصطفى الجريدلي اختصاصي غرف مصادر التعلم بمدرسة الصقور إن البيئة الإبداعية، سواء داخل حجرة النشاط، أو في البيت، لا تُعلم الطفل بالضرورة ما يفكر فيه، ولكنها تساعده على كيفية التفكير، وتزويده بالدافع لكي يصبح باحثاً صغيراً من خلال عملية القراءة وخبرات الحياة، كما تثير انتباهه، ولا تعرقل اكتشافاته، وتساعده على تطوير وتنمية مهاراته، وتطبيقها في الحاضر والمستقبل، لافتاً إلى ان مسؤولية المعلم والأسرة في توفير المناخ الإبداعي هي خلق بيئة تشجع على الاكتشاف والبحث.
مشاركة :