هيمنت التقلبات السعرية على النفط الخام، حيث ارتفعت عقب انخفاض سابق، ولكنها بعدت قليلا عن أعلى مستوى في 11 شهرا، الذي سجلته في تعاملات سابقة، وتتلقى الأسعار دعمها الرئيس من تقلص المخزونات الأمريكية ومن تأثيرات القرار السعودي بخفض طوعي من حصتها يبلغ مليون برميل يوميا على مدار شهري فبراير ومارس المقبلين. ويقاوم المكاسب السعرية تباطؤ الطلب العالمي على النفط الخام جراء الانتشار السريع للسلالة الجديدة من وباء كورونا واتساع رقعة الإغلاق الاقتصادي الشامل في عديد من دول العالم بخاصة في الولايات المتحدة وأوروبا كما تم تسجيل عودة الإصابات مجددا إلى الصين، ما أثار القلق على فرص تعافي الاقتصاد العالمي في العام الجاري. ويقول لـ"الاقتصادية" مختصون ومحللون نفطيون إن التفاهمات الأخيرة بين السعودية وروسيا ساعدت كثيرا على الحفاظ على تماسك منظومة الشراكة والتعاون بين المنتجين، خاصة بعد حدوث تباين في مواقف المنتجين في الاجتماع الأخير حول مدى ملاءمة العودة إلى زيادة الإنتاج، وقد فضلت السعودية تحمل العبء الأكبر بتخفيضات طوعية، بينما وافقت على زيادات محدودة لكل من روسيا وكازاخستان، وتثبيت إنتاج بقية المنتجين عند مستوى يناير الجاري. وفي هذا الإطار، يقول مفيد ماندرا، نائب رئيس شركة "إل إم إف" النمساوية للطاقة إن التقلبات السعرية لا تزال تهيمن على مسار أسعار النفط الخام، ولكنها نجحت بالفعل في دعم العوامل المحفزة والإيجابية في تسجيل أعلى مستوى في 11 شهرا في وقت سابق بفعل القرار السعودي وخطة التحفيز الأمريكية وانتشار اللقاحات الجديدة ضد فيروس كورونا. وأوضح أن الشراكة السعودية الروسية تزداد قوة وتتغلب على صعوبات دولية واسعة، لافتا إلى قول وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في مؤتمر صحافي مع نظيره الروسي سيرجي لافروف أن تعاون السعودية مع روسيا داخل "أوبك+" ساعد على استقرار أسواق الخام، حيث تتطلع السعودية إلى مزيد من التعاون مع موسكو، وهو ما يعزز جهود تحقيق استقرار السوق. ويرى فيتوريو موسازي مدير العلاقات الدولية في شركة "سنام" الإيطالية للطاقة إن تحالف "أوبك+" نجح في امتصاص صدمات الطلب، التى تفاقمت أخيرا مع تزايد الإصابات بالسلالة الجديدة وانتشار حالة الإغلاق العام، مشيرا إلى أن المكاسب السعرية مفيدة للمنتجين وتساعد على تعزيز قدراتهم المالية، ولكن في وقت تثير المكاسب قلق منتجي "أوبك+" من احتمال نشاط الإنتاج المنافس من النفط الصخري الأمريكي. وأوضح أنه في شهري فبراير ومارس يأمل كثيرون في استعادة التوازن بين العرض والطلب، خاصة مع انتشار اللقاحات وبدء توزيعها على نطاق واسع، لافتا إلى أن هذين الشهرين سيسمح لروسيا وكازاخستان بزيادات طفيفة، بينما أعلنت السعودية أنها ستفرض خفضا طوعيا أحاديا قدره مليون برميل يوميا أقل من حصتها، بينما ستحافظ جميع الدول الأخرى على مستويات إنتاجها في يناير عادا أن هذه الجهود الجماعية ستمكن من تحقيق أهداف استعادة الاستقرار. ويضيف ردولف هوبر، الباحث في شؤون الطاقة، ومدير أحد المواقع المتخصصة أن الخفض السعودي له تأثير كبير في السوق، وقاد إلى مكاسب سعرية قياسية هي الأعلى في 11 شهرا، حتى مستوى 57 دولارا للبرميل، وهو الأمر الذي عدته روسيا هدية العام الجديد، لافتا إلى أن تزامن التخفيضات مع تعافي الطلب سيكون لها تأثير جيد في تسريع التعافي الاقتصادي في الربع الأول من العام. وأوضح أن قوة الدولار الأمريكي تؤثر سلبا في أسعار النفط الخام، وفقا للعلاقة العكسية بينهما، وهبطت بالأسعار من ذروتها عند أعلى مستوى في 11 شهرا، مشيرا إلى أن اتفاقية "أوبك+" الجديدة تقيد الحصص خلال الربع الأول، وهو الربع الأصعب بسبب ذروة أزمة جائحة كورونا، مشيرا إلى أن الاجتماع التالي للمجموعة في 4 مارس المقبل سيحدد مستويات إمدادات أبريل وسط آمال قوية في تعافي الطلب بشكل قوي خلال الربع الأول. وبدورها، تقول ويني أكيللو، المحللة الأمريكية في شركة "أفريكان إنجنيرينج" الدولية إن تجدد الإصابات في الصين أثار قلقا إضافيا على تعافي الطلب، إذ إن القيود السعودية على الإنتاج جاءت في إطار الاستعداد المسبق لمواجهة حالة تعثر الطلب في هذه الفترة المتقلبة، لافتة إلى أن "أرامكو السعودية" أرسلت إشارة قوية إلى السوق برفع أسعار البيع الرسمية للسوق الآسيوية لشهر فبراير 2021. وأوضحت أن السعودية بالتعاون مع بقية المنتجين في "أوبك+" تسعى حثيثا لتوازن السوق، وتعزيز ميزانيات الدول المنتجة ودعم الاستثمارات من خلال الحفاظ على مستوى أسعار مرتفعة حتى لو تطلب الأمر مزيدا من التضحيات في الحصص السوقية وفي خفض الإنتاج. ومن ناحية أخرى، وفيما يخص الأسعار، شهدت أسعار النفط تقلبات سعرية متلاحقة، حيث ارتفعت بعدما تراجعت في وقت سابق بالسوق الأوروبية الخميس، وسجلت خسائر لليوم الثاني على التوالي لتبتعد عن أعلى مستوى في 11 شهرا مع استمرار عمليات التصحيح، وجني الأرباح، إضافة إلى تجدد المخاوف حيال مستويات الطلب العالمي، خاصة بعد ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا في الصين. ويكبح الخسارة انخفاض مخزونات الخام في الولايات المتحدة، بجانب الآمال المنعقدة على خطة الرئيس الأمريكي المنتخب "جو بايدن" لدعم أكبر اقتصاد مستهلك للوقود في العالم. وتراجع الخام الأمريكي نحو 0.6 في المائة، إلى مستوى 52.53 دولار، من مستوى الافتتاح عند 52.82 دولار، وسجل أعلى مستوى عند 53.26 دولار، وانخفض خام برنت 0.7 في المائة، إلى مستوى 55.60 دولار، للبرميل من مستوى الافتتاح عند 55.97 دولار، وسجل أعلى مستوى عند 56.42 دولار. وعند تسوية الأربعاء فقد الخام الأمريكي 0.8 في المائة، بفعل عمليات تصحيح وجني أرباح، بعدما سجل في وقت سابق من التعاملات أعلى مستوى في 11 شهرا عند 53.90 دولار للبرميل، وانخفضت العقود الآجلة لخام برنت 1.2في المائة، بعدما سجلت سابقا مستوى 57.40 دولار، الأعلى منذ شباط (فبراير) 2020. وفي الصين "ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم" قفزت حالات الإصابة الجديدة بفيروس كورونا لأعلى مستوى في أكثر من عشرة أشهر مع تضاعف الإصابات في مقاطعة "هيلونججيانج" الشمالية الشرقية ثلاث مرات تقريبا. وفي الإطار نفسه، أعلنت الحكومات في جميع أنحاء أوروبا الأربعاء عمليات إغلاق أكثر صرامة للحد من تفشي السلالة الجديدة لفيروس كورونا "سريعة الانتشار"، التي تم اكتشافها لأول مرة في بريطانيا. وأعلنت وكالة الطاقة الأمريكية الأربعاء انخفاض المخزونات التجارية في البلاد بنحو 3.2 مليون برميل خلال الأسبوع المنتهي في 8 كانون الثاني (يناير)، في خامس انخفاض أسبوعي على التوالي، طبقا لتوقعات معظم خبراء الطاقة. وعلى حسب تلك البيانات انخفض إجمالي المخزونات التجارية في الولايات المتحدة إلى نحو 482.18 مليون برميل، الذي يعد أدنى مستوى منذ الأسبوع المنتهي في 27 آذار (مارس) 2020، في علامة إيجابية لمستويات الطلب المحلي في أكبر مستهلك للنفط في العالم. وتترقب أسواق الطاقة عن كثب خطة الإغاثة الضخمة من فيروس كورونا في الولايات المتحدة. وارتفعت سلة خام "أوبك" وسجل سعرها 55.81 دولار، للبرميل الأربعاء مقابل 55.41 دولار، للبرميل في اليوم السابق. وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" الخميس إن سعر السلة، التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق سادس ارتفاع له على التوالي، وأن السلة كسبت نحو دولارين، مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي، الذي سجلت فيه 53.29 دولار للبرميل.
مشاركة :