محمد لطفي يكتب: العزومة.. هزيمة حلوة المذاق

  • 1/15/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

"إلى القابضين على جمر الأحلام"، بهذه الكلمات ختم الكاتب طه سويدي إهداء روايته الأولى "العزومة"، التي صدرت مؤخرا عن دار المصري للنشر والتوزيع، وشاركت في معرض القاهرة الدولي للكتاب الماضي، لتكون أفضل جملة مفتاحية تعبر عما جاء بصفحات الرواية التي تجاوزت الـ180.تتناول الرواية قصة يونس الفار، ذلك الممثل المغمور الذي يجسد قضية جيل من المهزومين والمحبطين، يجرب حظه في عالم "التشخيص" فلا تؤدي كل تجاربه إلا إلى مزيد من الظلال بدلا من الأضواء، ينتقل إلى عالم الكتابة وسرد القصص فلا يحصد إلا مزيد من الظلال القاتمة لروحه الشفافة، يحلق نحو الأحلام فيسقط منكسرا على واقع أليم، يكابد الخيال فلا يحقق إلا واقعية مقيتة لأحواله التي لا تسر ولا يمكنه من تحقيق النجومية التي يطمح لها في عالم الكتابة، إلا أنه يظل قابضا على الجمر.هذا "الفار" الذي يلخص اسمه حالته طوال أحداث الرواية، لأنه يظل ضحية الأشخاص الذين تعامل معهم طوال حياته، ولا يجد إلا الهرب طريقا له أمام كل ما يواجهه من أزمات متتالية لا تنتهي ولا تتوقف، مما يدفعه إلى الاختفاء بشكل مريب يدفع الراوي إلى التعاطف معه بعدما كان يفر منه طوال أحداث العمل. يجدل سويدي ما بين ما يحكيه الراوي من وقائع وأحداث يقصها بسلاسة عن واقع الممثلين المهزومين أمثال "يونس"، وبين قصص من العالم الآخر التي يحكيها "يونس" في قصصه التي نقرأها من ملفه الذي تركه لصديقه قبل اختفائه، وينقلنا الكاتب نقلات محسوبة لا تفلت منه "الحدوتة" ولا تدفع القارئ للتوهان بين ما هو العالمين المختلفين لأنهما في حقيقة الأمر متكاملين وكل منهما يضيف جزءا ناقصا للصورة.تتنوع عوالم الرواية ما بين الحب والصراع والطموح والهزيمة والأمل والإحباط والفانتازيا والواقعية، فقد استخدم الكاتب "سيرة الولد الممل" كما يلقب "الفار" نفسه في يومياته تكئة لنصه لتتحمل حالات الحياة باختلاف لحظاتها ومفارقاتها وألاعيبها، هكذا يتم تجاوز البنية العميقة للحكي من دلالات الوجود الفردي المأزوم إلى ما هو أعمق منها على مستوى الشعور الجمعي. يقع الراوي تحت ضغط شديد عندما يفقد عمله وتنهي شركته تعاقدها معه بشكل نهائي، ويغريه صديقه عاطف بأن يصنع من هلاهيل يونس القصصية بدلا وفساتينا روائية يتقدموا بها لإحدى المسابقات التي ستحل مشاكلهما المادية، إلا أن مبادئه وضميره يؤنبانه بأن يكون عمله الإبداعي الأول مكتوبا بيد أخرى، رغم أن يونس تنازل له عن ملكية هذه القصص واليوميات، واقترح صديقه عليه أن يأخذ القصص ويترك له اليوميات، ويروي سويدي وقائع الصراع النفسي التي تطحن الراوي الذي يجد نفسه بين دوافع كثيرة متلاطمة، حيث الفضول يكايد السلامة والطمع يصرع الأمانة والتطلع يكبل الخوف والطموح يراقب من بعيد .يبدو سويدي مهموما بتقنيات الكتابة، وإبراز مهاراته الفنية أكثر من التركيز على صنع وابتكار أحداث ومواقف العمل، وهي مغامرة محسوبة لأنها تمت بإجادة لافتة، وحمل الأسلوب السلس الرقيق "سويدي" على أن ينجز مهمته على أكمل وجه، مدفوعا بالغواية الكامنة في جمال الأسلوب الأدبي، وهي مغامرة اكتمل نصفها الآخر باختيار موضوع مطروق وليس جديد، تم التناول والتعرض له من أكثر عمل سابق، ومن هنا يعتقد الكاتب أن تفرده يكمن في طريقة عرضه للموضوع، ولقدرته على أن يدفع القاريء في الوقوع أسير جمال السرد وبساطته، حتى ولو كان يعالج قضية ممثل مغمور يبحث عن فرصة ي ثبت من خلالها نفسه فلا يجد إلا مسرح الهواة الذي يمكن أن تنفق من خلاله عمرك كله ولا تصل إلى شيء يذكر، لقد راهن الكاتب على أن يصل للكاتب من خلال شخصية متكررة نجدها ونلمسها ونعرفها ونقابلها كل يوم في حياتنا العادية، أن يعبر بأسلوبه عنها وعن همومها وعن قدرة هذه الشخصية "الفار" في أن يتصرف بأسلوبه الخاص وعالمه الشخصي فيصير بطلا نبحث خلال صفحات الرواية عن مصيره ونتعاطف معه ويشغلنا نهايته وما أفضى إليه ."الحلم باهظ الثمن يا يونس، ولكن من ذاق ال يسلو".. وهناك خيط رفيع بين الصبر والتناسي، هكذا يرى "سويدي" الذي قرر أن يكف عن البحث حول البطل الهارب ويبدأ في كتابة روايته التي استعرضنا أبرز ملامحها خلال السطور الماضية، وهي جملة ختامية يمكن أن تلخص كل ما دار على صفحات الرواية وما شهدناه من أحداث . و"العزومة" هي ثاني أعمال الطبيب الكاتب طه سويدي الأدبية بعد المجموعة القصصية "اختيارات" والتي صدرت في القاهرة عام 2016. للكاتب أعمال قصصية منشورة بموقعي الكتابة ومصريات، حاز "سويدي" على جائزة مسابقة قصص على الهواء المقدمة برعاية مجلة العربي الكويتي، وإذاعة مونت كارلو الدولية خلال العام الماضي.

مشاركة :