شدد مرصد الأزهر على ضرورة تجفيف منابع تمويل تنظيم "داعش" الإرهابي، وذلك مع توالي الضربات الأمنية الموجهة لمعاقل وعناصر تنظيم "داعش" الإرهابي، بات التنظيم الإرهابي يعاني من نقص واضح في عناصره المتطرفة، وموارده المالية التي كانت تساعده على تنفيذ هجماته الدموية بشكل متسلسل في أكثر من مكان في آن واحد. وأشار المرصد في بيان له إلى انه مع سقوط معاقل التنظيم الرئيسية في سوريا والعراق تفاقمت خسائره على الأرض وهو ما حدّ من نشاطه الإرهابي، رغم حرصه على تصدير صورة القوة والتكامل والاحترافية، في كل إصدارته وكذلك عملياته الإرهابية منذ ظهوره على الساحة العالمية عام 2014.وتابع المرصد:" لاشك أن هذه المنهجية كانت خادعة لكثير ممن تَمَّ استقطابهم لصفوف التنظيم الإرهابي في بداية ظهوره، كما كان لها بالغ الأثر في استدراج العديد من الشباب الأوروبيين؛ ليسافروا من بلدانهم الأصلية إلى مناطق النزاع في سوريا والعراق، باعتبارهما أرض "الخلافة" المزعومة كما صورهما التنظيم الإرهابي دومًا في إصداراته". وأضاف:" اعتمد تنظيم "داعش" الإرهابي في تمويل عملياته الدموية وخططه الخبيثة في بداية ظهوره بشكل رئيس على سلب ثروات البلدان ونهبها من البترول وغيره، باعتباره أهم روافد التمويل".وتابع: لا يتوقف الأمر عند هذا الحدِّ؛ إذ إنَّ تنظيم "داعش" الإرهابي ما زالت له العديد من الطرق والأساليب الأخرى للتمويل بعد سقوط معاقله -كما أشرنا- في سوريا والعراق، حيث أفاد بعض الخبراء في مجال مكافحة التطرف في إسبانيا أن الخلايا الإرهابية تعمل دائمًا في الظلام، وغالبًا ما تعتمد نظام "الحوالة" عبر وسطاء غير البنوك لنقل الأموال بين أفرادها، سواء كانت مبالغ مالية كبيرة أو صغيرة، وهو أسلوب ينتهجه المتطرفون لخداع الأجهزة الأمنية. ووفقًا للمرصد فقد أفادت مفوضية المعلومات العامة (CGI) التابعة للشرطة الوطنية الإسبانية أنها قد تمكَّنت من إيقاف العديد من الطرق التي وفَّرت الأموال لـ "داعش" من إسبانيا، وكذلك تزويد المتطرفين برؤوس الأموال في سوريا والعراق، وكانت آخر عملية خلال شهر نوفمبر 2020، عندما اعتُقل شخصان كانا يعملان مصرفيين لصالح التنظيم الإرهابي داخل إسبانيا، باستخدام نظام "الحوالة" المصرفية، حيث كانا يحصلان على تلك النقود بهدف تمويل أنشطتهما، وكذلك إرسال أموال من أنصار التنظيم الإرهابي من داخل إسبانيا إلى سوريا وأجزاء أخرى من أوروبا. وأكد أنه من الواضح أن التنظيم الإرهابي يحاول أن يتكيّف دائمًا مع الظروف التي تُلمُّ به، مع البحث عن آليات تقليدية أو مبتكرة لنقل الأموال، شريطة أن تكون بعيدة - قدر الإمكان- عن الرقابة الأمنية. وخلال العام ونصف العام الماضيين، نفَّذت هيئة المعلومات العامة في إسبانيا ثلاث عمليات أخرى مماثلة، اعتُقل من خلالها ثلاثةُ أشخاصٍ آخرين متهمين بأنهم جزء من "مكتب التحويلات" التابع لتنظيم "داعش" الإرهابي في أوروبا، وهم الآن قابعون في السجن المؤقت. جدير بالذكر أن نظام "الحوالة" هو نظام موثوق وتقليدي منذ سنوات في العديد من دول العالم، ولهذا السبب وثق المتطرفون في هذين الشخصين كـ "مصرفيين لداعش". ويؤكد الخبراء أن الخلايا الإرهابية تستخدم شبكة من الوسطاء لتحويل الأموال إلى الدول الأوروبية مقابل عمولات اقتصادية، لتصل في النهاية إلى المتلقي النهائي الذي يتعرّف على كل الأطراف المشاركة في الصفقة. كما أن شبكة الوسطاء تلك تهدف بكل الطرق إلى تسهيل عملية نقل رؤوس الأموال من المؤيدين للتنظيم من خلال طرق متعددة، وفي أوقاتٍ أخرى كانوا أكثر حذرًا من خلال استخدام القنوات المشفرة لضمان عدم الكشف عن هويتهم، وهدفهم الدائم هو إعادة تنظيم الهياكل الإرهابية الضعيفة لـ"داعش".ومن خلال هذه المعلومات يستقرئ مرصد الأزهر لمكافحة التطرف خطورة التنظيمات المتطرفة، وعلى رأسها تنظيم "داعش" الإرهابي، وكيفية تحورها لمواكبة المتغيرات، وبحثها عن الحلول والبدائل الخفية لتزويد الأنشطة المتطرفة بالمال. ويؤكد المرصد أن إدراك هذه الحقيقة والعمل انطلاقًا منها يعد الخطوة الأولى والنواة في عملية المكافحة ضد أي تنظيم إرهابي؛ خاصة أن استغلال القطاع الخاص وسهولة تحويل الأموال فيه بصفة عامة لصالح التنظيمات المتطرفة، أمر يستدعي وضع تشريعات رادعة ورقابة واعية تتصدى لمخططات هذه العناصر، منعًا لإمداد تلك التنظيمات بما يساعدها على تنفيذ مخططاتها الدموية، وتهديد أمن المجتمعات واستقرارها. كما يشدد المرصد على أن تجفيف منابع تمويل الإرهاب، وبخاصة تنظيم "داعش" الإرهابي، هو أهم خطوة لتضييق الخناق على أنشطتهم الإرهابية المدمرة، إذ يُعدُّ التمويل العامل الرئيس في عملها. لذا يرى المرصد أن توطيد التعاون الدولي المشترك فيما يخص مراقبة حركة الأموال وأهدافها، والاستعانة بالقطاع الخاص في تحديد الجهات الممولة والوسطاء المتورطين في دعم التنظيمات المتطرفة، يُسهِّل عملية تجفيف مصادر تمويل التنظيمات الإرهابية. ويجدد المرصد في الوقت ذاته تأكيده على أن مواجهة التطرف بصوره المختلفة تقوم على المكافحة الأمنية والفكرية معًا، فكلاهما يمهد الطريق للآخر لتحقيق الهدف الأسمى، وهو القضاء على ظاهرة التطرف العنيف ومنع انتشارها بين المجتمعات لتحقيق الأمن والاستقرار وترسيخ السلام.
مشاركة :