كما هي الحال مع الرؤساء الثمانية السابقين للولايات المتحدة، كان الشرق الأوسط الكبير يهيمن على الكثير من السياسة الخارجية للرئيس، دونالد ترامب. وعلى الرغم من الحديث عن إنهاء «الحروب الأبدية»، والتحول إلى آسيا، إلا أن المصالح الوطنية الأساسية أعادت الولايات المتحدة مراراً إلى المنطقة. ومن نواحٍ عدة اختلفت أولويات ترامب في الشرق الأوسط قليلاً عن أولويات أسلافه: القضاء على أسلحة الدمار الشامل، ودعم شركاء الولايات المتحدة، ومحاربة الإرهاب، وتسهيل تصدير النفط، لكن من نواحٍ أخرى، فإن إدارته - التي عملتُ فيها مبعوثاً لكل من سورية والتحالف لمواجهة تنظيم «داعش» - حققت تحولاً ملحوظاً في نموذج نهج الولايات المتحدة تجاه المنطقة. وتابع كل من الرئيسين الأميركيين السابقين، جورج بوش الابن، وباراك أوباما، حملات تحويلية في الشرق الأوسط، بناءً على الاعتقاد الخاطئ بأن الولايات المتحدة، من خلال اختراقها سياسياً وعسكرياً لدول هناك، يمكنها معالجة الأسباب الكامنة وراء الإرهاب، وعدم الاستقرار الإقليمي الدائم. وعلى الرغم من صعوبة توقع آراء سياسة ترامب الحقيقية، إلا أن إدارته اتخذت مساراً مختلفاً، وكانت النتائج واضحة. ومن خلال الإبقاء على الأهداف الأميركية محدودة، والاستجابة للتهديدات الإقليمية الوشيكة، والعمل بشكل أساسي من خلال شركاء على الأرض، تجنب ترامب المزالق التي واجهها أسلافه، بينما كان لايزال يدفع بالمصالح الأميركية. وعلى الرغم من كل الحقد الحزبي في النقاشات حول السياسة الخارجية، اليوم، يجب على هذا النموذج الجديد أن يستمر في تحديد السياسة الأميركية، وهو يوفر الخيار الأفضل لاحتواء التحديات في الشرق الأوسط، وإعطاء الأولوية للتحديات الجيوسياسية في أماكن أخرى. استراتيجية جديدة تُصدر معظم الإدارات الجديدة استراتيجيات للأمن القومي، ثم يتم وضعها على الرف بسرعة، لكن وثيقة عام 2017، التي صاغها البيت الأبيض، قدمت مخططاً جديداً لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، واتبعته إدارة ترامب عموماً. وبشكل عام دعت الاستراتيجية إلى تحويل التركيز مما يسمى «الحروب التي لا نهاية لها»، إلى منافسة القوى العظمى، والصين وروسيا في المقام الأول، وبالنسبة للشرق الأوسط، كان هذا المبدأ الأول يعني تجنب التورط في القضايا المحلية، مع الاستمرار في التصدي للمخاطر الإقليمية، وعملياً كان هذا بمثابة احتواء لكل من إيران وروسيا، مع ردع التهديدات الإرهابية الخطيرة. وكان المبدأ التالي، المتمثل في العمل جنباً إلى جنب مع الحلفاء والشركاء في المنطقة، بدلاً من اتخاذ إجراءات أحادية الجانب عادة، أكثر تعقيداً. وقد كانت وسيلة وليست غاية، وبناءً على هذا الهدف، سعى ترامب إلى إنهاء المشاركة المركزية للولايات المتحدة في حملة مكافحة «داعش» بعد سقوط الرقة عاصمة التنظيم في سورية، عام 2017، وخفض مستويات القوات الأميركية في أفغانستان، وتسليم المهمتين إلى حلفاء محليين. وأراد مستشارو الرئيس العسكريون أن تظل الولايات المتحدة ملتزمة، بينما سعى القادة المدنيون الآخرون إلى دمج القوات الأميركية في سورية والعراق، في جهود ترامب الأوسع لاحتواء إيران. وكان جزء كبير من الصراع الداخلي للإدارة نتيجة هذه الأهداف المتنافسة: الانسحاب، وإعطاء الأولوية لمكافحة الإرهاب، أو التركيز على كل من الإرهابيين وإيران. وفي النهاية، تم الاتفاق على حل وسط معقول، انسحاب كبير للقوات، مع تكريس القوات المتبقية لمكافحة الإرهاب، فقط، والمهام التي تركز على إيران، وكجزء من هذا المبدأ الثاني أوضح ترامب، أيضاً، أنه سيدعم الأعمال العسكرية الإسرائيلية والتركية، ضد إيران وروسيا، في سورية، وسيعتمد بشكل أساسي على دول الخليج، والأردن والعراق، وإسرائيل، للوقوف في وجه طهران، وستكمل الولايات المتحدة، بدورها، هذه الجهود عسكرياً، عند الضرورة، من خلال بيع الأسلحة واستهداف الإرهابيين، أو معاقبة الرئيس السوري، بشار الأسد، على استخدام الأسلحة الكيماوية. ومع ذلك، كانت الإدارة حذرة، بشكل عام، من استخدام القوة العسكرية، خصوصاً عندما لا يكون هناك ضحايا أميركيون، لكن عندما قررت التدخل استهدفت القوات الأميركية الأسد والجماعات الإرهابية، والمرتزقة الروس، والميليشيات المدعومة من إيران. التحدي الإيراني وضعت مهمة احتواء إيران النموذج الجديد لإدارة ترامب على المحك، واعتقد الرئيس أن الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، الذي توسطت فيه إدارة أوباما، كان صفقة سيئة، وكانت مدته محدودة، واشتكى الحلفاء الإقليميون فشله في معالجة سلوك إيران المزعزع للاستقرار. وفي النهاية، بعد السعي للحصول على شروط أكثر صرامة، لمدة 18 شهراً، انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاقية، وعلى الرغم من أن طهران ردت بزيادة نشاط التخصيب بشكل سريع، إلا أنها لم تترك الاتفاقية بالكامل، ومع ذلك فإن السياسة اللاحقة للإدارة لم تكن تغيير النظام، على الرغم من أن بعض صانعي السياسة كانوا ينظرون إلى هذا الاحتمال. وبدلاً من ذلك، تم تصميم حملة «الضغط الأقصى»، التي أطلقها ترامب، لإجبار إيران على التفاوض، بشأن صفقة أوسع، تشمل أنشطتها النووية، وبرنامجها الصاروخي وسلوكها الإقليمي. وكان للسياسة الأميركية تأثير حقيقي في كل من الاقتصاد الإيراني، ومغامراتها الإقليمية، ومع استمرار طهران في تهريب النفط والغاز إلى خارج البلاد بأسعار مخفضة، إلا أن العقوبات حدّت من المساعدة المالية، التي يمكن أن تقدمها لحلفائها في العراق ولبنان وسورية. ولم تكن الصين ولا روسيا على استعداد لإنقاذ إيران، ولم يكن بمقدور الأوروبيين فعل الكثير للرد، على الرغم من معارضتهم، وعلى الرغم من أن معارضي الإدارة جادلوا بأن إيران لن تقدم تنازلات كبيرة أبداً، إلا أن مطالب ترامب تختلف قليلاً عن مطالب إدارة أوباما المبكرة، وفي كلتا الحالتين كانت المواقف التفاوضية الأولية متطرفة. وأراد ترامب، مثل أوباما، التفاوض على صفقة، لكن مع اختلاف جوهري، إذ كانت الأولوية المركزية لترامب، هي ردع المغامرة الإقليمية لإيران، والحد من قدراتها النووية قدر الإمكان، بغض النظر عن القيود الدبلوماسية. وإذا كانت الصفقة ممكنة ضمن هذه المعايير فلتكن، وعلى عكس إدارة أوباما، التي أعطت الأولوية للتوصل إلى اتفاق، رأى ترامب في إيران تهديداً شاملاً، وأخضع جميع السياسات، بما في ذلك الملف النووي، لهذا الواقع. وبالتالي فقد قلب الأمور، إما لفرض شروط مواتية، أو إذا لم يكن كذلك، فإنه يضعف إيران بشكل كبير، ولم يصدر الحكم بعد بشأن ما إذا كانت السياسة ناجحة، وسيقرر الوقت وعملية صنع القرار في إدارة جو بايدن، ما إذا كان «الضغط الأقصى» يفتح الباب أمام تسوية مستقبلية، أو يدفع إيران إلى الاقتراب من اختراق نووي، بعيداً عن أي تسوية تفاوضية. سورية والعراق نظم ترامب حملة العقوبات في محاولة لمواجهة توسع إيران الإقليمي، خصوصاً في سورية والعراق، وفي السابق ورثت إدارته سياسة مشوشة من أوباما، وهي سياسة انتقدها حتى مستشارو الأخير لاحقاً، إذ إن جزءاً منها كان يركز على الإطاحة بالأسد عبر معارضة مسلحة، وجزء يسعى إلى تسوية سياسية بوساطة الأمم المتحدة، وجزء آخر يهزم «داعش». وبحلول أواخر عام 2017، كانت إدارة ترامب قد طورت سياستها الخاصة تجاه سورية، مرة أخرى، على أساس مبادئ مواجهة التهديدات الإقليمية أثناء العمل مع الحلفاء والشركاء، وترتكز هذه السياسة على إخراج إيران، وهزيمة «داعش» بشكل دائم، وحل الصراع المدني في البلاد. وبحلول عام 2020، كانت الولايات المتحدة قد بنت تحالفاً مرناً، حتى في الوقت الذي سعت لتقليل التزامها المباشر. وعملت تركيا وعناصر المعارضة المسلحة في سورية، مع الولايات المتحدة لحرمان الأسد من نصر عسكري حاسم، كما أدت الضربات الإسرائيلية المدعومة من الولايات المتحدة على أهداف إيرانية في سورية، إلى الحد من الخيارات العسكرية للنظام. وفي غضون ذلك، قادت واشنطن تحالفاً دبلوماسياً دولياً كبيراً، من أجل دعم الجهود السياسية للأمم المتحدة لحل الصراع، وعزل دمشق دبلوماسياً، وتدمير اقتصاد البلاد من خلال العقوبات. وما لا يثير الدهشة أن السياسة الأميركية وضعت واشنطن على خلاف مع موسكو، التي رأت أن سورية هي المكان الرئيس لإعادة الانخراط دبلوماسياً وعسكرياً، في الشرق الأوسط. وتماشياً مع هدفها المتمثل في مواجهة التهديدات الإقليمية، ردت الولايات المتحدة مراراً على النشاط العسكري الروسي، والمرتزقة في شمال شرق سورية، وساعدت تركيا على صد التوغلات السورية الروسية المشتركة في شمال غرب البلاد. نموذج للمستقبل على مدى السنوات الأربع الماضية، حققت إدارة ترامب نجاحين رئيسين، في الشرق الأوسط، هما: الاتفاقات بين إسرائيل ودول عربية، وتدمير «داعش» في العراق وسورية. كما نجحت في مواجهة التوسع الروسي الإضافي في سورية وأماكن أخرى، واستيعاب التهديد الإيراني الدائم والمتعدد الأوجه، للاستقرار الإقليمي، وحشْد تحالف لمواجهة سلوك طهران الخبيث. وعلى الرغم من أن ترامب لم يجد حلاً للتحدي النووي الإيراني، فإن أوباما لم يفعل ذلك أيضاً، وكانت حدود الاتفاقية النووية الأصلية على التخصيب الإيراني غير المقيد، قد تلاشت بسرعة خلال ما يزيد قليلاً على خمس سنوات، ووفقاً لمعايير الشرق الأوسط الأخيرة، كل هذا معاً، هو نتيجة سياسية جيدة، وتمكن ترامب من تقليل الالتزامات والنفقات الأميركية المباشرة، كل ذلك أثناء العمل بشكل وثيق مع الحلفاء الإقليميين. ومع ذلك، قد يكون من الصعب على الإدارة المقبلة الحفاظ على هذا النهج، مع إعادة التركيز على الاتفاق النووي الإيراني، وفي الوقت الحالي يريد العديد من الحلفاء الإقليميين استمرار الضغط الأميركي على اقتصاد إيران وسلوكها في المنطقة، أكثر من عودة فورية للاتفاق. • كان للسياسة الأميركية تأثير حقيقي في كل من الاقتصاد الإيراني، ومغامرات طهران الإقليمية، وعلى الرغم من استمرارها في تهريب النفط والغاز بأسعار مخفضة، إلا أن العقوبات حدّت من المساعدة المالية، التي يمكن أن تقدمها لحلفائها في العراق ولبنان وسورية. • على مدى السنوات الأربع الماضية، حققت إدارة ترامب نجاحين رئيسين في الشرق الأوسط، هما: الاتفاقات بين إسرائيل ودول عربية، وتدمير «داعش»، في العراق وسورية. جيمس جيفري - مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز ويلسون. عمل مسؤولاً في «الخارجية» الأميركية في سبع إدارات أميركية. تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news ShareطباعةفيسبوكتويترلينكدينPin InterestWhats App
مشاركة :