--> خلص تقرير أعده مركز السياسات البترولية والتوقعات الاستراتيجية (CPSS)، إلى أن طفرة الغاز الصخري هي مجرد أوهام، إذ لا يزال التعامل مع النفط والغاز غير التقليدي يواجه مصاعب تقنية، تجعل تكلفة انتاجه عالية جداً مقارنة مع نظيرة التقليدي، بالرغم من ان كمياته الاحتياطية كبيرة، إلا أن كفاءة انتاجه متدنية جدا، قد تصل الى خمسة في المائة على أحسن تقدير تكنولوجي من كميات الصخور المستخرجة منها، بينما النفط التقليدي (العربي) قد تصل كفاءة انتاجه الخمسة وسبعون في المائة (75 في المائة) من الكميات المستخرجة من باطن الأرض، التي تكون في العادة مخلوطة بالماء ومخلفات أخرى. وأشار التقرير إلى أن الغاز الصخري يحتاج الى استثمارات ضخمة، قد تتأثر بارتفاع وهبوط أسعار النفط التقليدي، الذي يجب ألا يقل عن 90 دولارا امريكيا، حتى تكون هناك جدوى اقتصادية لهذا النوع من الاستثمار في انتاج الصخري، نظراً لأن التعامل مع النفط والغاز غير التقليدي يواجه مصاعب تقنية اخرى، تجعل تكلفة الانتاج للبرميل الواحد بين 80 إلى 85 دولارا، وهو ما يجعل جدواه الاقتصادية ضعيفة جدا في مقابل برميل تقليدي تبلغ كلفة انتاجه بين 3 و 6 دولارات فقط، كما هي الحال في السعودية. وتابع التقرير: الصخري أو الغير التقليدي، لا يمكنه منافسة النفط التقليدي المتميز بكلفتة القليلة والأسهل استخراجا والأقل ضررا للبيئة، وينطبق الامر على الغاز الذي سبق النفط في تطور صناعته ونتائجه، ومن الطبيعي أن وصول سعر برميل النفط الى مستوى الـ 100 دولار، واستقراره عند هذا المستوى لمدة طويلة نسبياً، بالإضافة الى ارتفاع اسعار الغاز ووصولها الى حدود 12 دولارا في الولايات المتحدة الأمريكية، أدى كما أشار التقرير الى البحث في بدائل أقل كلفة وبدائل منخفضة السعر عن البترول التقليدي، وهو انتاج الزيت والغاز الصخري ولو كان بتكلفة بين 80 إلى 85 دولارا لإنتاج للبرميل الواحد، ولكن من المستبعد جداً مقارعة البترول الخام الذي يبلغ تكلفة انتاجه في السعودية مثلاً ثلاث إلى ستة دولارات لإنتاج البرميل الواحد، مما يعني أن انخفاض سعر البترول الى سبعين دولارا للبرميل الواحد في الاسواق العالمية، سيؤثر حتماً في انتاج الزيت الصخري، بل ربما يلغي جدواه الاقتصادية، وهذا يضعنا أمام حقيقة مهمة ويجب الانتباه اليها، وهي أن إنتاج الزيت الصخري وتسويقه في الأسواق العالميه سينعكس ايجاباً على اسعار البترول التقليدي، حيث إن تسويق الزيت غير التقليدي سيعتبر رافداً إيجابياً لمستوى أسعار البترول للدول المصدرة للنفط بشكل عام، وبالخصوص لمنظمة أوبك، ويصب في مصلحتها نظراً لتكلفة انتاج الزيت الصخري العالية، والتي ستجعل منه، عند اقتحامه للأسواق النفطية، عامل استقرار لأسعار النفط، حيث إنه سيشكل حداً ادنى لأسعار البترول لا تقل عن تكلفة انتاج الزيت الصخري، أي انه سيكون عاملاً مساعداً على استقرار اسعار النفط عند اكثر من تكلفة انتاجه، والتي بطبيعة الحال لن تنخفض اسعار البترول عن 80 دولاراً على أقل تقدير، إذا ما قدر للزيت الصخري الاستمرارية في الإنتاج. واختتم التقرير بأن إنتاج الزيت الصخري وتسويقه في الأسواق العالمية لن يشكل تحدياً على أوبك، او على سياسات المملكة العربية السعودية البترولية، بل على العكس فإن التحدي الحقيقي هو ذاته الذي يواجهه الزيت الصخري، وحتى لو تطورت الإمكانيات لإنتاجه وتخفيض تكلفته، لأن أضرار استخراجه وتكلفته البيئية على المياه الجوفية والزراعية وعلى صحة الإنسان والحيوان كبيرة جداً، وربما أكبر من تلك المخاطر الذي يتسببها المفاعلات النووية لاستخراج الطاقة، والتي كانت اي المفاعلات النووية في السبعينيات من القرن المنصرم، كانت تعتبر ثورة في الطاقة، وبديلاً رخيصاً للبترول، ولكن مخاطره وكوارثه التي بانت للعلن كانت عالية جداً، بدءاً بحادث انفجار محطة توليد نووية في جزيرة ثري مايل في مقاطعة دوفين، بنسلفانيا قرب هاريسبرج، الولايات المتحدة في السبعينيات من القرن المنصرم، مروراً بأكبر كارثة نووية شهدها العالم في الثمانينيات من القرن المنصرم عام 1986، وهي كارثة مفاعل تشيرنوبيل النووي التي وقعت في الاتحاد السوفييتي سابقاً، وفي هذا القرن كارثة فوكوشيما داياتشي FukushimaDaiichi في اليابان منذ ما يقارب السنتين (2011م). وتأسيسا على البيانات والحقائق وتحليلاتها، فإن تقرير مركز السياسات البترولية والتوقعات الاستراتيجية لعام 2013 يؤكد على أن إنتاج النفط والغاز الصخري والتحول السريع المفاجئ في مجال الطاقة، هو طفرة أكثر من كونها ثورة، وسيكون تأثيرها على الأسواق البتروليه محدودا في بعض النواحي وربما إيجابية في نواح أخرى كما يذكره التقرير. وتوقع التقرير الصادر من مركز السياسات البترولية والتوقعات الاستراتيجية (CPSS)، أن موضوع النفط والغاز الصخري وطفرة انتاجه في أميركا الشمالية لعام 2013م، نظراً لتبوؤ هذا الموضوع صدارة الأحداث العالميه وخصوصاً شؤون الطاقة لهذا العام. وبين التقرير أن حزمة من التطورات والتحولات شهدها العالم خلال عام 2013م، وشكلت جميعها علي نحو لافت منعطفات مفصلية في القضايا والملفات المتعلقة بها، وبين أن هذه التحولات كانت نتائج حتمية لتأثيرات وارتدادات الأزمة المالية العالمية لعام 2008م، وعلى وجه الخصوص الزيادة الهائلة والمتصاعدة في الديون الأمريكية والعجز في ميزان المدفوعات الامريكي، وخصوصاً تكلفة الطاقة، نظراً لأن الولايات المتحدة أكبر مستهلك للنفط في العالم، والذي يبلغ استهلاك الطاقة للفرد الواحد حوالي الثمانية أطنان (7.8 طن) مكافئ نفطي في السنة، مقارنة على سبيل المثال بحوالي أربعة اطنان (4.2 طن) فقط في ألمانيا. ويأتي أكثر من الستين في المائة (حوالي 62%) من هذه الطاقة من النفط والغاز الطبيعي الذي يستورد جزء كبير منه، بينما يأتي ما تبقى من الطاقة من الفحم والطاقة النووية والطاقة المتجددة. هذه المعطيات شكلت بمجموعها نوعاً من الضغوط على صناع القرار الأمريكيين؛ للعمل على إيجاد مخرج من تلك الأزمات المالية المتراكمة، ومحاولة تخفيض فاتورة واردات الطاقة، والتي تشكل الطريق الأمثل لتخفيض او حتى التخلص من العجز المالي الامريكي. وبالتالي سعى صناع القرار الأمريكيون في هذا الاتجاه، من خلال المرونة والتساهل تجاه حماية البيئة وقوانينها الصارمة، وذلك بإبطال او رفع بعض القيود والقوانين الصارمة لحماية البيئة، والتي كانت بلا شك عائقاً للاستكشافات في سواحل واعماق البحار الأمريكية، وسعى المشرعون الأمريكيون بتوفر مناخ تنظيمي في امريكا لأول مرة وتسهيلات ضريبية، لتشجيع الاستثمارات في التنقيب عن البترول في تلك المناطق، وانتشرت الشركات البترولية المنقبة عن النفط في السواحل وأعماق البحار الأمريكية، ولكن سرعان ما ذبلت وتيرة تلك المساعي التنقيبية في هذا الاتجاه، واحدثت ردودا عكسية على المستوى السياسي والقومي الامريكي، وذلك بعد الكارثة البيئية التي نجمت عن تسرب نفطي هائل في خليج المكسيك عام 2010م، من أحد الآبار النفطية المكتشفة على عمق 1500 متر تحت الماء وانفجار وغرق المنصة البحرية لاستخراج النفط. ويعتبر هذا الحدث أكبر تسرب نفطي في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، وفي الحقيقة كانت كارثة بيئية بجميع المقاييس الى درجة أن الرئيس الأمريكي، أوباما في تصريح له لموقع بوليتيكو الإلكتروني أنه قارنها بهجمات 11 سبتمبر. هذه الحادثة جعلت تلك الطريقة التقليدية في الخروج من مأزق الطاقة ذات مخاطر جمة وغير مقبولة البتة للرأي العام، مما حدا بصناع القرار الأمريكيين بالتنصل من تلك المسئوليات تجاه ما حدث من كوارث، لم يحسب لها حساب ولم يتوقعها أحد. ولكن ومن ناحية أخرى قدموا التسهيلات والمزيد من الدعم التنظيمي تجاه التنقيب عن الزيت والغاز الصخري الذي رأوا منه أنه قد يحقق نهضة أمريكية في مجال الطاقة خلال زمن وجيز، خصوصاً من خلال تطبيقات تكنولوجيات الحفر الجديدة، مثل الحفر الأفقي والتكسير الهيدروليكي وتسارع وتيراتها وتأثيراتها في الأسواق العالمية... كل تلك السلسلة من الأحداث وردود الأفعال شكلت فعلياً طفرة هائلة في انتاج النفط والغاز الصخري في أميركا الشمالية، وكانت محور اهتمام شؤون الطاقلة العالمية، وبالاخص السياسة البترولية خلال هذا العام، مع أن الأكثر مدعاة للتأمل هو التصريحات الإعلامية المتضاربة والمبالغ فيها احياناً، عن حدوث طفرة في إنتاج النفط الصخري في أميركا الشمالية، وما ذكرته التقارير من أرقام كبيرة لاحتياطيات هذا النوع من النفط، بينما هو في الحقيقة، وكما يذكر التقرير بالتفصيل، اقل من تلك الأهمية بكثير، نظراً لارتفاع كلفة استخراج برميل من هذا النوع، والتي تزيد على نظيره التقليدي اضعافاً مضاعفة مادياً، وتكلفة بيئية باهظة، ولكنها غير محسوسة على المدى القريب، وبالتالي تنتفي امكانية وجود جدوى اقتصادية ومقبولة بيئياً من استخراج النفط والغاز الصخريين بصفة استمرارية.
مشاركة :