المثقف البحريني.. وواقع التأثير في حراك المجتمع

  • 1/27/2021
  • 01:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

المتأمل يلاحظ جليًّا أن الساحة البحرينية شهدت، وعلى امتداد سنوات وعقود، العديد من التحولات الاجتماعية والثقافية بشكل عام، وكان للفرد البحريني كلمته وبصمته، كما كان للظروف المحيطة تفاصيلها وخصائصها. وبكل تأكيد، يُحسب لمملكة البحرين حفاظها على تراثها الممتد إلى فترات زمنية طويلة تعود لتاريخ قرون مضت. التراث الذي مثّل علامة فارقة في التعريف بعادات وتقاليد أهل البحرين. هذا التراث والإرث الذي يعتبر جزءًا من ثقافة واسعة يختزنها المواطن البحريني بمختلف فئاته ومستوياته. وبالطبع، هناك العديد من التعريفات للثقافة، ولو أخذنا التعريف بالثقافة بحسب العالم البريطاني الأنثروبولوجي إدوارد تايلور «هي ذلك الكل المركب الذي يشمل المعرفة والعقائد والفن والأخلاق والقانون، وكل القدرات والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان بوصفه عضوًا في المجتمع». وفي دلالة وتعزيز لذلك التعريف، أذكر هذه الفقرة التي أعجبني مضمونها للدكتور فهد حسين من كتاب «المثقف وأفق الانعتاق» ص 55 يقول فيها: «ولذلك على من يدعي الوعي والثقافة، ويرى أنه صاحب مشروع ثقافي اجتماعي، يسهم في خدمة المجتمع وتطوره، عليه أن يراجع ما يؤمن به من فكر، وما لديه من رؤى تجاه قضايا المجتمع أو بعضها، على ألا يعتقد أن ما يؤمن به يمكن أن يعالج ظواهر المجتمع، وقضايا الإنسان وسلوكياته». في تقسيم المثقفللوهلة الأولى، قد تبدو الصورة ملتبسة حين نقسم المثقف إلى عدة أقسام، فقد يقول البعض أن ليس هناك فرق بين ذلك الشخص الذي يجلس في سردابه ويلتهم مجموعة من الكتب، وبين الجالس في بيته مع عائلته ويقرأ الكتب كذلك. فكلاهما يندرج تحت مسمى مثقف.لكن الواقع، يقول بأن المثقف يجب أن يكون فاعلاً في مجتمعه، ليعطي لمسة التأثير التي اكتسبها من معارفه المتعددة، وهذا هو الفرق بين المؤثر الذي ينحصر في سلوكه وذاته وربما عائلته، وبين المؤثر الذي تستفيد منه شريحة كبيرة من المجتمع. ففعل الثقافة أصبح واسعًا في تعاطيه مع الأشياء، مع المشاريع الأدبية والتعليمية والخيرية والاجتماعية وكل ما من شأنه الارتقاء بالإنسان إلى درجاتٍ متقدمة. كذلك، فالتطوع يعتبر جزءًا من منظومة هذه الثقافات لما له من مردود وافر على المجتمع وبنائه. إذا، لم تقتصر الثقافة على أولئك الكتاب الذين يصدرون مؤلفاتهم بين حين وآخر، فهؤلاء يساهمون بجزء من «كعكة» الثقافة، خصوصًا إذا كانت أطروحاتهم ومؤلفاتهم تحرك وتهتم بالقضايا الإنسانية أكثر من كونها تتحدث عن أمور ليست لها صلة مباشرة في تكوين ذائقة الفرد والجماعة.في ثراء الحراك المؤسسيوبالنظر إلى الاتجاهات، في تشكيل وتفعيل النشاطات/المناشط والأدوار الثقافية، فهناك العديد من الجماعات والكيانات المهتمة بالشأن الثقافي في البحرين، ابتداءً من القرية على مستوى المؤسسات الدينية والهيئات الرسمية والأهلية، والأندية والمراكز الشبابية التي تمثل عاملاً مشتركًا في القرية والمدينة في آن.وإلى نطاق أوسع، توجد المسارح الأهلية والمراكز الثقافية تلك التابعة للمكتبات العامة أو تلك العائدة لاسماء مؤسسيها كمركز كانو الثقافي، وأندية الخطابة باللغتين العربية والإنجليزية. وكذلك هناك نواة الحركة الثقافية في البحرين «أسرة الأدباء والكتاب» التي مثلت ركيزة مهمة وثقلا كبيرا منذ تأسيسها في عام 1969 وشعارها «الكلمة من أجل الإنسان» في دلالة واضحة لأهمية الإنسان في هذا المجتمع.وحال استقراء هذه الهياكل الثقافية المشبعة بالروح والثراء المعرفي في اتجاهاتها المختلفة، لا بد وأن تكون هناك سمات تميز كل مشروع عن آخر. فالملاحظ، أن الهيئات والمراكز القروية تأخذ طابعًا محافظًا في طرح المواضيع؛ نظرًا لطبيعتها والتزامها الديني. أما المشاغل الثقافية الموجودة في المدينة والتي تتعدى حدود القرية تأخذ طابعًا منفتحًا متحررًا بعض الشيء من القيود، ويتسم جو المدينة بكونه أقرب إلى المشاركة والشراكة الرسمية بما يتواكب مع المؤسسات الرسمية الممثلة لمملكة البحرين كهيئة البحرين للثقافة والآثار. وليس أدل مثال على ذلك من مهرجان ربيع الثقافة الذي يقام كل عام على مستوى دولي.وبالرغم من هذه المفارقة، فإن ثقافة القروي لم تمنع من إقامة العديد من البرامج التي تثري المجتمع بالفائدة، في ظل وجود مؤسسات رسمية كالجمعيات الخيرية والأندية والمراكز الثقافية والرياضية، لتتعدد أشكال ممارسة وتفعيل الثقافة من خلال المحاضرات والندوات بأنواعها والأمسيات الشعرية وورش العمل وغيرها. فيما مثقف المدينة يواصل مسيرة العطاء بدوره، عبر الوصول إلى شريحة أكبر وأشمل من المثقفين بغض النظر عما إذا كانوا من قرية أم مدينة. وهذا هو الحاصل في الفترة الأخيرة، فقد زالت هذه التقسيمات وتحولت إلى صورة أكثر شمولية. ومن هنا، نصل إلى أن الثقافة أشمل من كونها محصورة في نطاق معين، بل يجب أن يتسع الأفق الأرحب للانفتاح على تجارب الآخرين بما يتوافق مع قناعات وميول كل إنسان، في محاولة لجسر هذه الهوة والانطلاق نحو تمكين أكبر قدر ممكن من شرائح الشباب ليهضموا ويتفهموا هذه التوليفة. في الحديث عن الهويةيقول الكاتب أمين معلوف في كتابه الهويات القاتلة ص 192: «إن كلاً منا مؤتمن على إرثين: الأول «عمودي» يأتيه من أسلافه وتقاليد شعوبه وطائفته الدينية، والثاني «أفقي» يأتيه من عصره ومعاصريه».ما أجمل أن تكون لكل منا هويته الثقافية، التي قد تتشابه أو تتقاطع مع الآخر في أحيان، أو قد تختلف في أحيان أخرى. ما دامت ترجمة المثقف الفاعل حاضرة وتأتي بثمارها، في بسط النفوذ المؤثر في مفاصل المجتمع، بما يعطي نتائج باهرة في عقل وسلوك المتلقي. يقول معلوف أيضًا، على سبيل المثال لا الحصر ص 32: «أملك بفضل كل من انتماءاتي، كل منها على حدة، صلة قربى بعدد هائل من بني جنسي، وأتمتع، بفضل المعايير كلها مجتمعة، بهويتي الخاصة التي لا تتطابق مع أية هوية أخرى». في اعتقادي، ليس المطلوب أن نقول بأن المثقف القروي أفضل وأقوى من مثقف المدينة، أو العكس. فقد أصبحنا أقرب من السابق في فهم الأدوار والاتجاهات، في ظل الانتشار الواسع لمواقع التواصل الاجتماعي التي صارت تقربنا أكثر من المشهد. خصوصًا أنه صار من الصعب جدًا في الوقت الراهن القول بوجود فارق بين القرية والمدينة فأصبحت جميع المناطق متشابهة وتتوافر فيها جميع المتطلبات والمستلزمات. وإن الانتصار الحقيقي يكمن في تحقيق الأهداف التي تحملها الثقافة على عاتقها في خدمة الإنسانية والبشرية، وتوظيف الإمكانات للارتقاء بالنواقص وأماكن الضعف التي تعتري الجسد الثقافي وبني الإنسان، وذلك عبر المشروعات والأنشطة والبرامج والفعاليات التي تصب في خدمة تلك الأهداف. وبكل تأكيد فإن الحديث في هذا الموضوع قد يأخذ جوانب أخرى لم يتسع المجال لذكرها، ربما تكون لنا وقفة أخرى.

مشاركة :