مشاهد / حارة اليهود | ثقافة

  • 9/1/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

اهتمامي بالمسلسل بدأ بمجرد علمي، بأنه يتم تصوير مسلسل عنوانه «حارة اليهود». تداعى لذهني ما قرأته عن حارة اليهود في مصر، عندما كانت موجودة، ولم أكن مستريحا طوال القراءات لفكرة أن يهود مصر كانوا يعيشون في حارة مغلقة عليهم. رأيت أن الأمر يوشك أن يكون جيتو يعزلهم عن المجتمع المصري. والمصريون ليسوا هكذا. فهم أهل السماحة وخفة الظل والترحيب بالغرباء. إيضاح لا بد أن أقوله أنني أُفَرِّق بين اليهود كأصحاب ديانة سماوية وبين الكيان الاستعماري الذي اسمه: إسرائيل. فقصته مُرَّة ما زالت تُشكل حلقات من الإحساس بالخيبة والهوان في النفس منذ أن تمكّن الصهاينة من احتلال فلسطين وطرد شعبها واستعمار أرضها وإقامة دولة على أنقاض وطن عربي كان اسمه: فلسطين. زاد اهتمامي عندما همست لي إحدى الصحافيات الشابات بكلام قالت إنه سر. ولا يجب أن أعلنه. وإن أعلنته وكان هذا خطأ. لا يصح أن أقول إنها هي التي قالته لي. قالت الصحافية الشابة إنها عرفت من صُنَّاع مسلسل: حارة اليهود، أن بطل العمل، وهو ضابط مصري يسافر إلى حرب فلسطين سنة 1948 أن المقصود بالضابط شخص جمال عبد الناصر. ولأن الأحداث ستؤدي إلى أن الفتاة اليهودية سترفض حب الضابط المصري. فإن ذلك كان أحد مبررات نشأة واستمرار الصراع العربي-الإسرائيلي بالصورة التي رأيناها. ودخول المنطقة إلى حروب: 1948، 1956، 1967، 1973، وغير ذلك من العدوانات التي قام بها العدو الإسرائيلي ضد الفلسطينيين أصحاب الحق في الأرض والمكان وضد الأشقاء العرب في سورية ولبنان. استهولت الأمر. وبدأ اهتمامي بالمسلسل... وبعد عرض حلقته الأولى وعلى خلفية هذا الكلام سارعت بالهجوم على المسلسل. وكان هذا خطأ اعتذرت عنه لاحقا. فكما كانت لديَّ شجاعة الهجوم على المسلسل. كانت عندي أيضا شجاعة الاعتراف بأن هذا كان خطأ. لأنه من المستحيل أن تحكم على عمل بعد عرض حلقة واحدة منه. خصوصا إن كانت عدد حلقاته يزيد على الثلاثين. ضاعف من تشابك الموقف وتعقيداته أنني أعرف صُنَّاع العمل. كاتب القصة والسيناريو والحوار والمنتج والمخرج وأحد أبطال العمل. كلهم ينتمون إلى آل العدل. والعدل جروب- لمن لا يعرف- واحدة من أهم الشركات التي تقوم بإنتاج الدراما التلفزيونية بدأب ومثابرة. وبخطة موضوعة بدقة وعناية. تسعي إلى النجاح الجماهيري. لكنها لا تهمل المستوي الفني. ويكفي أنها قدمت هذا العام أهم ثلاثة مسلسلات عرضت في رمضان الماضي. وهي: حارة اليهود، تحت السيطرة، بين السرايات. ما أصعب أن تتابع عرض مسلسل في وقت ثابت كل يوم مع انشغالات الحياة وتداخل المواعيد وظروف الدنيا. ولكني حاولت الحفاظ على ذلك من أجل أن أصل لنهاية العمل حتى أرى من أين بدأ وإلى أين انتهي. خصوصا أنه يدور حول قضية عمرنا. بل ربما أهم قضية تعرَّض لها جيلنا. وستبقى آثارها للأجيال القادمة إلى ما شاء الله. ألا وهي: الصراع العربي-الإسرائيلي. لن أُشخصِن الأمور... لأن تلك محنة بلادنا. فكل شيء نحوله إلى قضايا شخصية. لكني أقول أيضا إنني قضيت في القوات المسلحة 9 سنوات من عمري. من ديسمبر 1965 حتى أكتوبر 1974. وعاصرت صدمة يونيو ويقظة أكتوبر. كان العدو في المرتين واحداً. هو العدو الإسرائيلي. وهذا يجعله يحتل في وجداني وكياني مساحة لا بأس بها. لا يمكن تجاهلها مهما حاولت ذلك. أعترف أنني لم ولن أحاول تجاهل ماذا يعني العدو الإسرائيلي بالنسبة لي؟ ولمن لم يشاهد المسلسل أقول إنه يتعرض لحقبة تاريخية شديدة الأهمية من تاريخنا المعاصر. فأحداثه تدور بين عامي 1948 و1954. وهي السنوات الحاسمة التي أدت لضياع فلسطين وقيام ثورة 23 يوليو 1952. وتغيير الحياة في مصر التي أدت بدورها لتغيير الحياة في الوطن العربي والعالم الإسلامي والعالم الثالث. ما الذي يمكن أن يربط بين حرب فلسطين وثورة يوليو؟ إنه شخص جمال عبد الناصر الذي كان ضابطا من ضباط القوات المسلحة الذين شاركوا في حرب فلسطين. وعادوا من الحرب بعد أن جرى ما جرى وحدث ما حدث. ولن أعيد روايته لأنها مأساة متكاملة الأركان. لكن المهم أن ما جرى في فلسطين كان البذرة الأولى التي أدت لثورة يوليو. لديَّ الشجاعة أن أقول إنه لولا ما جرى في فلسطين ما كنا قد وصلنا ليوليو 1952. أعرف أن التاريخ لا يجري في حتميات بهذه الطريقة. وأن كل حدث تاريخي تتداخل ظروف ومبررات كثيرة تؤدي إليه. ومن الصعب القول إن الحدث الفلاني أدى إلى الحدث العلاني. لكني أرى أن حرب فلسطين وما جرى فيها من مفاسد النظام الملكي في مصر هي التي أدت- مع ظروف أخرى كثيرة- إلى ثورة 23 يوليو 1952. تدور أحداث المسلسل في حارة اليهود، وربما كانت تلك ميزة ونقطة ضعف المسلسل، فأن تحصر أحداثك في مكان وحيد، فذلك يعطيك فرصا درامية نادرة. لكن ديكور الحارة الذي تم تصوير المسلسل فيه كان ديكورا باردا ولم يعطِ الإحساس بأنه مكان طبيعي. نشاهد في الديكور تاجر كبير. لكننا لا نرى من يشترون منه أو يفاصلونه في الثمن. أو يترددون عليه. محل مفتوح نبدأ من اللافتة المعلقة عليه لننزل إلى صورة من الخارج للمحل، لكننا لا نعرف ماذا يبيع؟ ومن الذي يشتري منه؟ أيضا نجد محلا لبيع «الطرشي». وهو جزء من الأحياء الشعبية المصرية. لكن على مدى حلقات المسلسل كله لم نشاهد مشتريا واحدا جاء يشتري «طرشي» أو يتحدث حتى مع صانع وبائع الطرشي. في الحارة مقهى لا يجلس عليه إلا أهل الحارة... ومن يفعل هذا لا يعرف طبيعة الحياة في الحارة المصرية. فالمقهى مكان مفتوح لكل من يجلس عليه. أو يلجأ إليه. أو يحاول قضاء الوقت فيه. غريبا أو كان من أهالي المنطقة. نحن لم نشاهد سوى أهالي الحارة يجلسون على المقهى. يستمعون للراديو. ويقرأون الصحف. وقد لاحظت أنهم لا يقرأون الصحف صباحا. لكن في أي وقت من أوقات الليل والنهار. مع أن المصري يحرص على قراءة الصحف في الصباح. القصة الإنسانية التي جمعت حولها أحداث المسلسل هي قصة حب ليلى اليهودية ابنة هارون التاجر مع علي ضابط القوات المسلحة المسلم. ثم يسافر على إلى فلسطين ليشارك في حرب فلسطين. ويعود مهزوما ثم نراه مع زملائه يتحدثون عن خلع الملك والثورة على الأحزاب وتغيير الحياة في مصر. ونستكمل.

مشاركة :