عقلية المثقف التابع

  • 1/20/2021
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

ابتلينا بعدد كبير من المثقفين التابعين، وهم مجموعة من المتعلمين واسعي الاطلاع ولكنهم لا يملكون مشروعا ولا رؤية، إنما يتعلقون بأفضل ما أنتجه وروّجه الغرب بالذات نظامهم السياسي، والوصول إليه هو أقصى طموحهم.  لا يدركون واقعهم ولا تاريخهم ولا ما يتناسب معهم ولا كيف يطورون ما يتناسب معهم حتى وان كان ممكن ان يكون أفضل من ما أنتجه الغرب بالنسبة للمنطقة، يختلفون عن مثقفين من أمثال د. محمد جابر الانصاري الذي كان مفكرا يقدم مشاريع ورؤى تتناسب مع واقعنا وثقافتنا وتاريخنا، يبحث وينظر في ما تقدمه الحضارات والثقافات الأخرى، ويأخذ منه ما يتناسب معنا، ولكن ينطلق دائما من وعي واعتزاز بحضارتنا وتاريخنا وثقافتنا، وبناء عليه يقدم افكاره ومشاريعه، أما المثقف التابع فلا يملك سوى إعادة تدوير أفكار ومشاريع الغير. نجح الغرب في الترويج لأفكارهم ومشاريعهم وبالذات نموذجهم السياسي الذي يخدم ويتماشى مع مصالحهم وواقعهم، ولكن المثقف العربي التابع لا يتوقف ويرى كيف تم بناء هذا النموذج وما هي التجارب التي اوصلتهم إليه، وكيف استفاد الغرب من نظام عالمي كان يخدم المستعمر ومازال الى اليوم وحتى بعد انتهاء الاستعمار المباشر والامبراطوريات القديمة، فمازال يخدم مصالحهم بالدرجة الاولى، فهل لدى المثقف التابع إنتاج يسهم بتطوير نظام عالمي او حتى نظام سياسي بديل؟ لذلك لم أستغرب عندما تعرى وظهرت عيوب النموذج الغربي في الفترة الاخيرة كان المثقف العربي التابع اول من تبرع بتغطية عورة وعيوب النموذج الغربي، رمى الأغطية وهو يشيح بوجهه ونظره لكي لا يرى ما تكشف، فهو لا يستطيع تحمل المنظر، وبغض النظر عن الحقائق إلا انه اختار التبرير واختار أن يقول إن النموذج الديمقراطي الغربي انتصر على الفوضى الطارئة والدخيلة عليه!  لكي لا يفسر كلامي على انه ذم او تشفٍ بالنموذج الغربي والذي هو دون شك احد أنجح النماذج، ولكنه كغيره من النماذج فيه من الإيجابيات والسلبيات التي تتناسب مع مجتمعاتهم ومرحلتهم التاريخية، فالنظام السياسي الامريكي والغربي كان يعاني الكثير، ليس لأنه سيئ لكنه كحال اي شيء يجب ان يتطور للأفضل أو الأسوأ، وهذا ما مهد لفوز بوش الابن وكان ذلك بداية الكوارث بحجمها الحالي بما فيها غزو العراق وسياسات «من معنا في كل شي فهو صديقنا ومن ليس معنا فهو عدو»، وهذا بدوره مهد للمصيبة الأوبامية الكبرى التي اتجهت لأقصى المثالية اليسارية البعيدة عن الواقع وانتهجت نهجا مغايرا تماما لما عُرف عن السياسة الخارجية الامريكية وبما جلبته من ويلات ودمار بالذات في الشرق الأوسط، ولن أنسى انه أول رئيس أمريكي يلف العالم في نهاية ولايته ولا يستقبله أحد في المطارات (السعودية، الصين، الفلبين ...الخ)، وهذا أيضا مهد لقدوم شخص من خارج المؤسسة السياسية (ترامب) بعد أن بلغ السيل الزبى بالنسبة للمجتمع الامريكي من فساد أو عجز وفشل الطبقة السياسية والنظام السياسي.  ودون شك كل هذه التراكمات وطبيعة النظام السياسي الذي يتغنى به المثقف التابع تسببت في انقسام كبير جدا، وبعد ان تنقشع الغيوم ستتضح الرؤية لمن يريد ان يرى الصورة الحقيقة وستتعقد الأمور بشكل أكبر وعلى أكثر من صعيد (اقتصادي - تكنولوجي - سياسي - اجتماعي - وحتى دولي)، وقتها لا عزاء للمثقفين العرب التابعين والذين يرددون خلف الإعلام الغربي المنحاز أقوالا مثل: متى سنصبح مثلهم؟ متى ستكون عندنا ديمقراطية مثلهم؟ هذه التبعية الخالية من التفكير والتفكر لن تصنع مجتمعًا متقدمًا يسهم بدوره في الحضارة البشرية، إنما هي إعادة تدوير لأفكار ونماذج الاخرين والتي وجدت لتخدمهم وتناسبهم، إنما الثقة بالنفس والاعتزاز بما نملكه والبناء والتحديث المستمر عليه هو الطريق الصحيح للمساهمة مع بقية شعوب وحضارات العالم عبر تقديم نموذجنا الذي نفتخر فيه وأثبت نجاحه في مواجهة العديد من التحديات والأزمات، وما جائحة الكورونا إلا واحدة منها.

مشاركة :