مطالبات للمثقفين بالتحرر من الكسل العقلي

  • 4/17/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة: عيد عبد الحليمالتفكير في مفهوم المثقف ودوره في المجتمع ما زال قائماً حتى الآن في ظل التحولات الصعبة التي يمر بها واقعنا المعاصر، في محاولة للخروج من الأزمات الطاحنة والمشكلات الصعبة التي نواجهها، ففي ظل هذه الفوضى فإننا نبحث عن صوت للعقل يقودنا للمستقبل، وهذه المحاولة لا بد أن يكون للمثقف دور فيها.. دور يرسم خريطة للمستقبل. الواقع الراهن يتطلب هذا الدور الفاعل من قبل المثقفين، شرط أن يشكلوا جبهة قوية تتصدى لكل أشكال التطرف الفكري، والدعوة إلى الدولة المدنية التي تعمل على تأكيد حقوق المواطنة وحرية الفكر والتعبير، لأن ما أفقد المثقفين دورهم في فترات سابقة هو حالات التشرذم والذاتية والميل إلى الفردية، والخروج من إطار العمل الجماعي. هناك دعوات كثيرة تطالب المثقفين بدور أكبر في الحراك الاجتماعي خاصة بعد ثورات الربيع العربي التي وصل بعضها إلى طريق مسدود وأصبحت هناك حاجة ملحة لصوت العقل الذي يمثله أدباء ومفكرو الأمة بعد الفشل المتتالي على المستوى السياسي والاقتصادي في بعض بلدان هذه الثورات، وبعضها الآخر تحول الوضع فيها إلى حروب طائفية وصراعات عرقية، بما يمثل حالة من الفوضى العارمة المحفوفة بالخطر الدائم.يرى الشاعر ماجد يوسف أن هناك اتجاهاً لتعريف المثقف وهو أن المثقف بشكل عام يقف دائما على يسار الواقع، وكلمة اليسار لا تعني هنا أي مفهوم سياسي، فمثلاً طه حسين في أزمة الشعر الجاهلي لم يكن يرمي للصدام مع السياسة وإنما لتأكيد أفكاره، وعبر تاريخ الثقافة كله كان المثقف يقف على يسار الأفكار التقليدية الرجعية، هو ناقد لها وشاجب لها. المثقف إذن دوره هو النقد، المثقف الحقيقي العضوي بطبيعته ناقد لمجتمعه باستمرار، في محاولة للبحث عن الأرقى والأفضل.ولا يجوز لهذا الدور النقدي أن يغيب، حتى في أحسن أحوال المجتمع، فالمجتمعات الأوروبية قطعت مساحات كبيرة نحو الديمقراطية، وبرغم ذلك فإن المثقفين في هذه البلدان يخرجون باستمرار مصنفاتهم النقدية التي تعالج واقع مجتمعاتهم، ولولا ذلك ما ظهرت الأفكار التقدمية في الفكر والأدب، وفي البحث عن موضوعات جديدة.هناك تقدم تكنولوجي وصحافة حرة، هناك باستمرار ما يستوجب النقد، لأن هذا هو صلب دور المثقف لو لم يفعل ذلك لا يكون مثقفاً، والإبداع الجيد يمتلئ بهذا النقد، وإن لم يظهر بشكل مباشر، المبدع الحقيقي صوت لقضايا واقعه، لا يستطيع أن ينفصل عن اللحظة الراهنة.ويتساءل يوسف قائلاً: لماذا ماتت الحياة الفكرية بعد رحيل عدد من المثقفين الكبار مثل زكي نجيب محمود ومحمود أمين العالم وغيرهما؟ ويجيب: لأننا لم يعد عندنا المثقف المناوئ للكسل العقلي ولمؤسسات فكرية لا تريد أن تغير فكرتها المناوئة لكل ما يقف ضد الجماهير، المفكرون في الخمسينيات والستينيات كانوا مشاركين في حركة الواقع، زكي نجيب محمود على سبيل المثال له كتب في الفلسفة والنقد الأدبي والفن وكذلك فؤاد زكريا، لكنهم رغم ذلك يضربون بنقد وافر في الموسيقى والأدب أيضاً.أصبحت كل المنابر مقفولة على أصحابها وأصدقائها.. ولذلك المثقفون عندنا توابع وليسوا فاعلين، لقد تم تدجين المثقف بعد ثورات الربيع العربي في إطار من المصالح، خضع المثقفون وانعزلوا، صحيح أن هناك قلة لديها ما تضيفه وتقوله إلا أنها لا تجد المنابر لنشر أفكارها.هناك حالة من الفوضى في طرح الأفكار، وهذا لا يؤسس لشيء سوى الشتات والتشرذم، والبعد عن الحقيقة، هناك ادعاءات كثيرة نراها على وسائل الاتصالات الحديثة وانحياز للأبعاد الذاتية، المسألة في مجملها لا تضيف شيئا إلى الثقافة فقد تحول كثير من المواقع إلى منابر للفضفضة دون طرح حلول للوضع الثقافي الراهن في مجتمعنا العربي على أكثر من مستوى. وتشير الناقدة د. منى طلبة أستاذ النقد والأدب بجامعة عين شمس إلى أنه حدث تراجع في مفهوم المثقف لعدة أسباب لعل من أهمها عدم معرفة المثقف لدوره الحقيقي في المجتمع. وتضيف: المثقف عند الثورة انحاز للشارع لكن دوره تراجع بعدها، وهنا أعود إلى مقولات ابن المقفع على أن المثقف لا بد أن يطرح أفكاراً للقارئ، ويصنف القارئ حسب وضعيته الاجتماعية، ومن هنا تدخل الأفكار في إطار تفاعلي، ما نراه الآن المثقف يريد موقعا بديلا، هناك حالة من الذاتية في الطرح الثقافي، هو في الأساس دوره تكاملي، السلطة لها أدوار والثقافة لها أدوار والمجتمع له أدوار المثقف عليه طرح أفكار للتحاور مع الوظائف الأخرى، والمثقفون الآن لا يحسون بنبض الشارع. وتقول د. منى طلبة: الإنسان غريزة وعقل وحسب نظرية فرويد فإن الغرائز لا حدود لها لكنها تمر بمصفاة هي العقل، وعلى مستوى ال«فيسبوك» مثلا لا توجد عملية عقلنة الرغبات، ولا يوجد حالة من العقلانية في التفكير، ولا يوجد حالة من التحكم في الأفكار، وإنما هي حالة من الوهم، من خلال صناعة عالم وهمي غير إنساني لا يقدم أية ثقافة محددة أو واضحة. ويتفق مع هذه الرؤية الفنان والناقد عز الدين نجيب قائلا: كان هناك دور منتظر للمثقف لكن لم نر هذا الدور، يبدو أن المثقف قد تاهت أمامه الرؤية، وأي الطرق التي تربط بين الثقافة والثورة، وفوق ذلك كله كانت دول الربيع العربي في حالة تخبط شديد، وغياب لأهمية الثقافة ودورها في المجتمع. ظلت الثقافة مجرد هامش في المجتمع، ولم تفعل بنود الثقافة في الدستور، قمنا بعمل لجنة للدستور الثقافي والتي كنت أحد أعضائها، كنا نرمي لأن تمول الدولة الثقافة، لكن لم تلتزم الدولة بذلك ولا بوضع سياسة ثقافية، أو خريطة طريق للنهوض بالثقافة، مع عدم الاعتراف بكون الثقافة عنصرا فاعلا في الحياة المصرية، مع أن عدم الاهتمام بالثقافة عنصر مكون لثقافة التطرف التي نشهدها، لأن الثقافة تبني الروح الإنسانية، لذلك وجدنا نقائض في المجتمع. فنرى المثقف حائرا مكتفيا بالغضب والاحتجاج والوقوف عند ظواهر الأشياء وليس لبها وجوهرها.وحول دور وسائل الاتصال في تفعيل دور المثقف يقول نجيب: وسائل الاتصال تساعد على وضع دور بديل هو الدور التفاعلي للمثقف وإتاحة وسائل للتعبير، لكنه دور زائف يقف عند الفروع وليس قائما على تحليل الظواهر ووضع وسائل استراتيجية للحلول، أصبح أي شخص دون أن يمتلك أي بعد ثقافي يسعى لتأكيد وجهة نظره حتى ولو بطريقة عدوانية، يرى نفسه الموقف الصحيح دون باقي المواقف، وكل من هب ودب الآن أصبح «أبو العرّيف» كما في الموروث الشعبي، في ظل غياب معايير عامة. هناك أيضا المثقف المتعالي، نرى ذلك في كثير من مقالات الرأي وعلى مواقع التواصل الافتراضي نجدهم يقومون على جلد الذات الثقافية، هناك حالة من التشويه للآخرين، كل ذلك أدى إلى حالة من انصراف القارئ عن متابعة هؤلاء المثقفين، هم لا يطرحون حلولا، إنما يقومون بعملية صدامية ومناقشة قضايا فات وقتها، دون النظر إلى الأسس الجوهرية التي تحدد بناء الدولة واحتياجات المواطن. ويؤكد الروائي د. السيد نجم أن مفهوم المثقف ما زال النقاش دائراً حوله وسط قطاعات متنوعة من المثقفين خاصة مع تلاحق الأزمات التي يمر بها المجتمع وتكاد تعصف بكثير من المقدرات الإنسانية، فهناك أزمات حقيقية لا حل لها سوى الثقافة.ويضيف: كان دور المثقف حاضرا طوال الوقت رغم المحاولات الكثيرة لتهميشه وإبعاده عن بؤرة الضوء لصالح فئات اجتماعية أخرى، والمثقف الحقيقي لا يموت، حتى لو رحل جسديا فإن إنتاجه الفكري والإبداعي يبقي لسنوات طويلة ما دام يمتلك رؤية مستقبلية وقدرة على قراءة ما يستجد من قضايا وأحداث، المثقف يصنع الفارق دائما في الحياة، ولو أعطيت له مساحات أوسع للتعبير، ليضيء الواقع، لحدث اختلاف كبير عما نراه الآن. ويضيف: بعد ثورات الربيع العربي كثرت الدعوة بنزول المثقف إلى الجمهور وأقيمت ندوات ومؤتمرات كثيرة في هذا الصدد، لكنها للأسف أخذت أطراً تقليدية وأقيمت في غرف مغلقة، كنا بحاجة إلى تفعيل هذا الدور من خلال إنتاج أشكال إبداعية وثقافية تتوافق مع هذا الاتجاه مثل «مسرح الشارع» وتفعيل الورش الإبداعية والفنية التي تعمل على اكتشاف المواهب الصغيرة، كنا بحاجة إلى نزول المثقفين إلى التجمعات العامة في الجامعات والمدارس والمناطق العمالية، وكان هناك دور لا بد أن تقوم به الهيئات الثقافية الرسمية وفي مقدمتها «الهيئة العامة لقصور الثقافة» من خلال قصور وبيوت الثقافة المنتشرة في المدن والقرى لكن هذا لم يحدث لأسباب كثيرة ومنها سيطرة الموظفين والإداريين، ولم يكن هناك اهتمام بالفعل الثقافي الحقيقي.ويرى د. نجم أن وسائل الاتصال الحديثة أنتجت المثقف الإلكتروني والأدب الإلكتروني في الشعر والقصة والرواية، وحاليا هناك اتحادات عربية لهذه الآداب، وتقام مؤتمرات دولية في هذا الصدد، إذن كان لهذا الاتجاه دور فاعل في تنمية القدرات الثقافية حيث التواصل المباشر بين المثقف والمتلقي.وفي الفترة الأخيرة اتسع مفهوم المثقف فلم يعد هو المبدع فقط، بل المتلقي أيضا بحكم كمية المعلومات التي يتلقاها صار مثقفاً يمتلك الحس النقدي أيضا، وعنده القدرة على إبداء الآراء، وفي أحيان أخرى إنتاجها أيضاً.لقد ساعدت وسائل الاتصال الحديثة على إنتاج ثقافة بديلة أكثر جمهورا وأكثر تفاعلاً.ومسؤولية المثقف هي تنبيه الجماعة والمجتمع من خلال مؤسسات التعليم والتربية والقانون، مع الوعي بتأثير العوامل الاقتصادية، وواقع الحال الآن، أن الثقافة في العالم الغربي «في عصر ما بعد الحداثة والعولمة» توصف بأنها ثقافة الاختلاف والتباين لا ثقافة الائتلاف والتطابق، وهي الثقافة التي يتم تصنيعها كلياً مع قيم العولمة في مؤسسات الإعلام الموجه للمصالح السياسية الكبرى، إنه عصر صناعة الثقافة، عصر قيم ثقافية تنتجها وسائل الإعلام متوافقة مع رؤيته السياسية والاقتصادية وهو الذي قد يشي برواج مصطلح الغزو الثقافي واستهداف ثقافة الآخر. كل ما سبق يضع المثقف العربي أمام مجتمعه، عبر السؤال «ماذا أفعل» وربما الإجابة لا تحتمل أكثر من جملة واحدة: «الحفاظ على الهوية» وذلك من خلال البحث عن عناصر القوة في تراثنا الثقافي، عبر قراءة نقدية شاملة، مع خطوة موازية لها هي: محاولة خلق واقع جديد للثقافة، يتفاعل مع معطيات عالم جديد يوصف بالقرية الكونية الصغيرة، وهو الذي لا يتحقق إلا بالسيطرة على التقنية الرقمية الفاعلة وشبكة الإنترنت، هذه القضية التي يجب أن ننتبه إليها ونتفاعل معها في الوقت الراهن من أجل التقدم.

مشاركة :