كرس العدّاء الجامايكي الشهير أوسين بولت أسطورته في سباقات السرعة خلال بطولة العالم لألعاب القوى التي استضافتها العاصمة الصينية بكين واختتمت الأحد الماضي بانتزاعه ثلاث ميداليات ذهبية جديدة أضافها إلى رصيده الذي ارتفع إلى 11 لقبًا في بطولات العالم، لكن يبقى تفوقه على الأميركي جاستين غاتلين في سباقي 100 و200 متر هو انتصار للرياضة والمبادئ في مواجهة شبح المنشطات الذي تورط به الأخير مرتين مختلفتين سابقًا. وبعد أن نجح بولت في انتزاع ذهبيتي 100 و200 متر، تعاون البطل الجامايكي مع زملائه نيستا كارتر واسافا باول ونيكل أشميدي لتحقيق الفوز بذهبية التتابع 4×100 متر في 37.36 ثانية، وليحصد ثلاث ميداليات ذهبية خلال بطولة كبرى واحدة للمرة الخامسة في مسيرته. إن تتويج بولت بألقاب السرعة لم يكن انتصارًا فرديًا للبطل الجامايكي، بل حمل نصرًا هائلاً لرياضة لأم الألعاب بعد الادعاءات التي ضربتها في الآونة الأخيرة بسبب المنشطات. وجاء تفوق بولت على غاتلين الذي خاض البطولة بعدما قضى في السنوات الماضية فترتي عقوبة بسبب ثبوت انتهاكه لقواعد مكافحة المنشطات بمثابة لحظة تاريخية لألعاب القوى أهم من الميداليات الذهبية والأرقام القياسية حتى وإن رفض بولت ذاته أن يرى نفسه بمثابة المنقذ. وحافظ بولت على تركيزه ولم ينشغل بادعاءات المنشطات الموجهة للكثير من الرياضيين والتي ألقت بظلالها على المرحلة الاستعدادية للبطولة والأيام الأولى من منافساتها، ليتوج بثلاثية سباقات السرعة، بل ونجح في إخماد عاصفة الجدل حول المنشطات شيئًا ما بتفوقه على غاتلين بالذات، الذي عوقب بالإيقاف مرتين لإدانته بتعاطي المنشطات. ورفض بولت الدخول في النقاش بشأن اعتباره منقذ رياضة ألعاب القوى، ووصف غاتلين بأنه منافس قوي، مشيرًا إلى أن ألعاب القوى تستمد الحياة من خلال المنافسات الثنائية. وقال بولت: «المواجهات القوية مثل الفردية بين بولت وغاتلين والجماعية بين جامايكا وأميركا بسباقات التتابع تحمل أهمية كبيرة لألعاب القوى.. فهذا ما يجذب الانتباه لرياضتنا ويصب لمصلحتها». ووصف الألماني توماس باخ رئيس اللجنة الأولمبية الدولية انتصار بولت على غاتلين المنافس الرئيسي له وصاحب أفضل رقم في سباق 100 متر في 2015 قبل فعاليات بطولة العالم، بأنه «نصر تاريخي». واعتبر كثيرون أن فوز بولت في سباقي 100 و200 متر هو الأعظم في مسيرة النجم الجامايكي الرياضية حتى الآن ليس لأنه حقق رقمًا قياسيًا بإحراز الميدالية الذهبية الحادية عشرة له في بطولات العالم أو لكون هذا الإنجاز تحقق بعدما عانى من إصابات عدة في الفترة الماضية وإنما لأنه حفظ ماء وجه ألعاب القوى في مواجهة غاتلين صاحب السجل السيئ في عالم المنشطات ووسط الادعاءات والانتقادات الهائلة الموجهة للاتحاد الدولي للقوى بعدم مكافحة المنشطات بالشكل المناسب. وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» قد علقت على فوز بولت بقولها «لعبة أخلاقية» فيما ذكرت صحيفة «سودويتشه تسايتونغ» الألمانية «جزء من مائة جزء من الثانية يفصل بين الخير والشر». ووصفت صحيفة «ديلي تلغراف» البريطانية غاتلين بأنه «فرانكنشتاين ألعاب القوى». وقبل خوض نهائي سباق 100 متر الأصعب بالبطولة، تلقى بولت سؤالاً عما إذا كان يرى نفسه منقذا لهذه الرياضة ولكنه استنكر هذا قائلاً إنه لا يمكن أن يفعل هذا بمفرده. وقال بولت: «أترك هذا الأمر لكم يا رفاق.. قلتم إن بولت يجب أن يفوز لينقذ الرياضة. عليكم أن تكتبوا بهذا الشأن. أتيت إلى هنا لتدعيم وضعي الأسطوري وأن أحقق الفوز وأواصل انطلاقتي في بطولات العالم». وقطع بولت مسافة سباق 100 متر في 9.79 ثانية علما بأنه يستحوذ على الرقم القياسي العالمي للسباق (9.58 ثانية) منذ ست سنوات. ورد بولت على المشككين في قدراته قبل البطولة بعد المستوى المتواضع الذي ظهر عليه في 2014 إضافة للإصابات التي ضربت استعداداته قبل انطلاق المنافسات. وقال بولت: «هذه واحدة من أفضل بطولاتي خاصة بعد ما مررت به هذا الموسم وكل الشكوك التي حامت حول مستواي وكل الظروف. لقد جئت هنا مفتقدًا لأفضل قدراتي». وأضاف: «كان هذا هو أصعب سباق لي. واجهت الكثير من المشككين. كان الطريق صعبًا. ولهذا كانت المشاركة في البطولة الحالية والفوز بالسباق أمرًا جيدًا بالنسبة لي». وبعد سباق 100 متر عاد بولت ليسجل أسرع زمن هذا العام وبلغ 19.56 ثانية ليفوز بسباق 200 متر ومؤكدًا سيطرته على ألقاب سباقات السرعة في البطولات الكبرى. وانطلق بولت أسرع من غاتلين الذي كان على يساره وتقدم بالفعل في المنحنى نحو آخر 100 متر حين بدأ العداء الأميركي في زيادة سرعته وبدا أنه قد يهدد البطل، لكن بولت انطلق نحو الانتصار في المسار المستقيم الأخير واحتفل بالفوز وهو يتجاوز خط النهاية. وقال بولت: «أنا سعيد للغاية وقلت لكم إنني أستطيع فعل ذلك. ليس هناك شكوك. لم أكن أركز على التوقيت. كنت أعلم أنني لست في وضع يسمح لي بتسجيل رقم قياسي عالمي جديد». وقال بولت: «عندما يتعلق الأمر بسباق 200 متر فأنا شخص مختلف، حققت أربع ذهبيات في بطولة العالم بهذا السباق 200.. هذا شيء كبير وإنجاز رائع». والتقى بولت مع غاتلين مرة واحدة من قبل في سباق 200 متر في بطولة العالم 2005 في هلسنكي حين حصل العداء الأميركي على لقبه العالمي الأول، بينما احتل بولت المراهق المركز الأخير. وكان ذلك قبل عام من سقوط غاتلين في اختبار للمنشطات للمرة الثانية ليتم إيقافه أربع سنوات. ولم يخسر غاتلين (33 عاما) في سباقي السرعة منذ 2013 حتى انطلاق بطولة العالم وكان يحمل أفضل زمن تم تسجيله في العالم هذا العام قبل أن يتفوق عليه بولت ليحرز اللقب. وكان منطقيًا أن يتعرض غاتلين (33 عامًا) لخيبة أمل كبيرة بعدما أهدر أكبر فرصة ممكنة له، طبقًا للترشيحات والتكهنات التي سبقت البطولة، لكنه قال: «أنا أكبر المتسابقين سنًا لكني ما زلت أستطيع العدو بشكل جيد للغاية. التنافس معه (بولت) أمر رائع. سأستعد للعام القادم لدورة الألعاب الأولمبية وسأكون أقوى». وأعربت بورتيا سيمبسون ميلر رئيسة وزراء جامايكا عن سعادتها بالنجاح الذي حققه بولت الذي يعتبر سفيرًا قوميًا استثنائيًا ليس فقط لتحقيقه أفضل إنجازات للبلاد في الرياضة العالمية، ولكن أيضًا لتمثيله ألعاب القوى والرياضة بأفضل شكل ممكن». وتصدر بولت المشهد ليس فقط في بطولة العالم لألعاب القوى، بل على مواقع شبكات التواصل الاجتماعي، حيث وصل حسابه بموقع «تويتر» إلى 3.77 مليون متابع، كما تواصل المتابعون على صفحة الاتحاد الدولي لألعاب القوى مع إنجازه العالمي بموقع «فيسبوك» ووصل العدد إلى ثلاثة ملايين مشاهد. وقالت لاورا أركوليو مديرة العلاقات العامة لوسائل التواصل الاجتماعي بالاتحاد الدولي لألعاب القوى: «أمر رائع. إننا سعداء للغاية. توقعنا بعض الأرقام الجيدة على هامش بطولة العالم التي تعد بمثابة النافذة بالنسبة لنا، ولكننا لم نكن نتوقع مثل هذا العدد». وكشف بولت أنه سيتخذ قراره ما بين الاعتزال أو الاستمرار عقب الانتهاء من المشاركة في أولمبياد ريو دي جانيرو 2016، رغم أنه يفكر جديًا في بطولة العالم 2017 المقررة في العاصمة البريطانية لندن. وأوضح بولت أن الاحتمالات متساوية ما بين الاعتزال أو المشاركة في البطولة المقررة في لندن، التي فاز فيها بثلاثيته الأولمبية الثانية في 2012. وقال بولت: «الأمر يتوقف على حالتي عقب أولمبياد ريو، وسأشعر وقتها بمدى إمكانية الاستمرار في المنافسة لموسم آخر. فالأولمبياد سيقيم مدى تركيزي وحماسي». وسيبلغ بولت من العمر 31 عامًا في أغسطس (آب) 2017، ويتردد أنه نفس العام الذي ينتهي فيه عقده مع شركة «بوما» الشهيرة للملابس والمعدات الرياضية، والذي تقدر قيمته بالملايين.
مشاركة :