يتملكني شعور دائم أني ومجموعة كبيرة من مجايلي كنا محظوظين أن صادفنا آخر أجيال العمالقة في الأدب والعلم والفن، بالخصوص في المجال التعليمي، فمدير مدرستي الابتدائية الشيخ الفاضل المرحوم عبد الله الخليفي، إمام وخطيب الحرم المكي فيما بعد، وفي الثانوية حظينا بمجموعة من خيرة المدرسين منهم المرحوم الأستاذ عبد الغني الصايغ والدكتور فؤاد سندي أمد الله في عمره، وكان مديرنا الحازم الأستاذ سليمان الشبل ووكيله الأشد حزما الأستاذ عبد الواحد طاشكندي، وكم استفدنا من حزمهما أمد الله في عمرهما وجزاهم جميعا خير الجزاء. في الجامعة ومع توسع المدارك، أكرمنا الله بمجموعة دكاترة سعوديين عادوا للتو من بعثاتهم وأرونا العجب من العلم والعجاب في فنون البحث والعذاب في المتطلبات والواجبات. كل ذلك كان يحدث بكلية التجارة بجامعة الرياض، الكلية التي كانت بمثابة المطبخ لرجالات المستقبل وكثير من خريجيها تبوأ مناصب عليا، هناك وجدنا أستاذ علم الاقتصاد السعودي محسون جلال بانتظارنا، وأستاذ النقود والبنوك يوسف نعمة الله وأستاذ العلاقات الدولية غازي القصيبي رحمهم الله جميعا، وأستاذ الإدارة أسامة عبد الرحمن أمد الله في عمره مما شكل لنا توليفة جميلة لأساتذة كل منهم هرم في علمه. أعادني لهذه الذكريات الجميلة الحوار الذي أجراه الأستاذ أحمد عائل فقيهي مع أستاذنا المختفي عن أحبابه الدكتور أسامة عبد الرحمن السبت الماضي بعكاظ، ولا شك أن غياب مثقف بحجمه عن الساحة خير تعبير للمثل الاقتصادي الذي تعلمناه منهم «العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة»، فهذا الرجل النبيل قامة وطنية نفتخر بها جميعا وقد تخرجت على يده أجيال، ومثقف فاعل من الطراز الأول، من ينسى كتبه المتعددة عن البيروقراطية النفطية وردة عرب الخليج التي أحدثت ضجة حين صدورها، وهو شاعر مطبوع رقيق، وطيب القلب درجة أننا كنا نستغل طيبته هو والدكتور القصيبي لتحويل نهاية محاضراتهما إلى وقت مستقطع لوقفات شعرية من أشعارهما أو اختياراتهما، نستمتع نحن بها ترفيها ويقدماها هما درسا تربويا للترويح عن طلابهما وتجديد نشاطهم وخلق ملكة التخيل عندهم. هؤلاء هم أساتذتي فأتني بمثلهم إذا جمعتنا يا زمان المجامع، شخصية وكيان كالدكتور أسامة يستحق التكريم والوفاء لا تركه للاختفاء.
مشاركة :