تمثل العمالة المخالفة أو غير النظامية، أو المهاجرون غير الشرعيين كما تطلق عليهم بعض الدول قنبلة موقوتة داخل حدود أي دولة، ومن هنا فإن مشكلة العمالة غير النظامية لدينا باتت هماً يؤرق المملكة حكومة وشعباً، وقضية تشغل بال كل مواطن ومسؤول في آن واحد، ولذلك يتطلب الأمر وقفة صارمة وتدخلا حازما لمحاربة هذه الظاهرة ومكافحتها بكل السبل والطرق الممكنة والمتاحة. لقد نتج عن ظاهرة العمالة المخالفة مشكلات عديدة ومتغيرة وأهمها مستقبل المواطنين، حيث ترغب الدولة في توطين كافة الوظائف والمهن ليقوم بها المواطنون بدلا من الاعتماد على العمالة الخارجية الوافدة وما يستتبعه الأمر من مشكلات تتعلق بهم وبوجودهم داخل المجتمع، وفي واقع الأمر لم تدخر الدولة وسعا في منح المخالفين فرصا لتصحيح أوضاعهم وتسويتها لمدة وصلت إلى سبعة أشهر، ودعت كافة الأفراد والأسر والمؤسسات التجارية للسعي الجاد لهذا التصحيح في حالة رغبتهم في استمرار وجود تلك العمالة، كما أنها وفرت عددا من الاستثناءات والتسهيلات بهدف إبقاء الوافدين المخالفين لنظامي الإقامة والعمل والراغبين في تصحيح أوضاعهم والبقاء للعمل في السعودية. ولقد تعهدت الدولة بتطبيق العقوبات الصارمة والقيام بحملات تفتيش جادة للقبض على المخالفين عقب انتهاء المدة المحددة لتصحيح الأوضاع، وهو ما حدث بالفعل، حيث قامت السلطات بغاية الحزم في تطبيق الأنظمة واللوائح لترحيل العمالة المخالفة، الأمر الذي لاقى قبولا شعبياً واسعاً من كافة قطاعات وفئات الشعب السعودي، حيث اعتبر المواطنون السعوديون هذا الحزم وهذه العزيمة في تقنين أوضاع العمالة المخالفة وتصحيحها وترحيل من لم يسع لتصحيح أوراق عمله وإقامته، نوعا من المسؤولية الأمنية التي يتوجب على الدولة والحكومة الاضطلاع بها لحماية أمن وسلامة المواطنين. لاشك أن لهذه القضية أبعادا كثيرة وعديدة وقد تعرضت لها من قبل في مقالتين سابقتين، غير أني أعتقد أن قضية التعامل مع العمالة المخالفة يشوبها بعض الثغرات، وغلقها ــ في رأيي ــ يمكن أن يساعد في تحقيق مستوى أعلى من الفعالية ودرجة أبعد من النجاح والانضباط، وأول هذه الحلول يكمن في وضع أنظمة وضوابط أكثر مرونة للنقل أو التأجير بين الكفيل وبين أي شخص أو مؤسسة ترغب في استخدام هذه العمالة، ومنها إعطاء الحق للوافد لنقل كفالته لأي جهة أخرى بشرط قضائه عددا معينا من السنوات لدى كفيله الأصلي، وبشرط ألا يكون مديناً له بأي مستحقات مالية، أما فيما يختص بالعاملات وبالذات ممن يحملن الجنسية الإندونيسية، فيفضل أن يسمح لهن بتصحيح أوضاعهن من خلال وثيقة السفر، ذلك أن جوازات سفرهن تقريبا في حكم العدم، وفي اعتقادي أن الارتقاء بنظام البصمة الذي تقوم وزارة الداخلية بتطبيقه هو أمر حتمي، فرغم أن تطبيقه يعد نقلة نوعية في تحقيق درجات عليا من الرقابة والإشراف على هذه العمالة والحول دون تحايلها على الأوضاع القانونية، إلا أن الأعداد الغفيرة للعمالة تحد بعض الشيء من فاعلية هذا النظام الذي يحتاج لدرجة كبيرة من التطوير والفعالية. من المهم للغاية تقسيم أعداد العمالة المفترض ترحيلها من خلال قنوات عديدة في كل مدينة لسهولة التحكم في عملية الترحيل وتقليل الضغوط المركزية على مكان واحد يتم من خلاله التحكم في كل شيء، وربما أمكن الاستعانة بذوي الثقة وأصحاب الكفاءات والخبرات من منسوبي الجامعات والبلديات لتطبيق نظام البصمة خلال فترة ثلاثة شهور مثلا، كما تم الاستعانة بهم من خلال تجربة الانتخابات البلدية من قبل. من المؤكد أن هناك حلولا كثيرة عملية ونابعة من خلال خبرات طويلة للمواطنين يمكن الاستعانة بها والنظر إليها ببعض الاهتمام في حالة رغبتنا في إيجاد حلول ناجعة لهذه المشكلة، طبعا بخلاف الحاجة الماسة لتضافر كل القوى المجتمعية مع جهود الحكومة والإعلام للقضاء على هذه الظاهرة الضارة والعشوائية، والتي استفحلت حتى باتت خطرا داهماً على اقتصادنا ومستقبلنا، وهو الأمر الذي يتطلب رؤية ثاقبة وحكيمة لكيفية تيسير الأمور للأفضل.
مشاركة :