انقسام أوروبي شمالي - جنوبي وغربي - شرقي

  • 9/3/2015
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

تنقل التلفزيونات مشاهد حط المهاجرين من الشرق الأوسط وأفريقيا الرحال الجماعي في أوروبا، وهي تثير في آن، التعاطف الإنساني والمخاوف. ويغلِّب اقتراح المفوضية الأوروبية توزيع «كوتات» (حصص) المهاجرين على الدول الأوروبية كفة الجانب الإنساني من حل الأزمة، ولكن كفة المخاوف رجحت حين تداول الاقتراح. واقتراح مفوضية يونكر منطقي ومعقول، فالتزام معالجة أوروبية جامعة لمسألة اللاجئين واجبة، في وقت يتشاطر الأوروبيون حرية الحركة في الاتحاد الأوروبي. ورفض اقتراحه في عدد من الدول هو مرآة الانقسام الأوروبي الشمالي- الجنوبي، والغربي- الشرقي. وترغب دول مثل إيطاليا واليونان في أن تقاسمها الدول الأوروبية أعباء اللاجئين، ولكن دول الشمال، ما خلا السويد وألمانيا، تدعو الى بقاء اللاجئين حيث حطوا الرحال وأن يمنحوا اللجوء هناك. ويرفض التشيكيون والسلوفاكيون أن يفرض عليهم التضامن (الأوروبي)». وأعلنت بولندا أنها قد تستقبل المسيحيين من مهاجري الشرق الأوسط وأنها تجبه احتمالات هجرة من أوكرانيا. ووصف فيكتور أوربان، رئيس وزراء المجر، سياسة الكوتا بـ «الجنون»، وأمر ببناء جدار علوه 4 أمتار على طول الحدود مع صربيا البالغة 175 كلم للحؤول دون دخول موجات المهاجرين من كوسوفو ومن الشرق الأوسط. ويرى مواطنو شرق أوروبا أن انهيار جدار برلين ورفع القيود عن تنقلهم في أوروبا هما أبرز مكاسب أفول السوفياتية. ولا شك في أن بناء جدار هو مؤشر رمزي الى نهاية مرحلة ما بعد 1989. ووزعت الحكومة المجرية في أنحاء البلاد لافتات تتوجه الى المهاجرين بالقول: «إذا دخلتم المجر، لن تصادروا فرص عمل المجريين». والمعارضة اليسارية والليبرالية في هنغاريا (المجر) منقسمة وهشة وعاجزة عن جبه القرارات الحكومية. و «الحزب الشعبي الأوروبي» يدعم أوربان في رفض اقتراح المفوضية. ويخشى أن تتأثر أحزاب أوروبية بخطاب أوربان وتسير على خطاه في الأشهر القادمة. ففي الانتخابات الإقليمية والبلدية في إيطاليا، تقدمت «رابطة الشمال» ورفعت لواء «اعتقال المهاجرين وإعادتهم الى حيث أتوا». وفي الانتخابات التشريعية في الدنمارك حاز «حزب الشعب» الدانماركي 21 في المئة من الأصوات، وتضاعفت نسبته من الأصوات مرتين قياساً على نتائج 2010. والتزم هذا الحزب تشديد قوانين الهجرة وإجراء استفتاءات على مسائل أوروبية. وثمة مسائل تجمع أحزاب شعبوية وقومية في أوروبا. ولم يعد انقسام المجتمع وعالم السياسة الأوروبية الى يسار ويمين منقسماً قسمة واضحة. وبرز انقسام جديد بين شعب فاضل مزعوم ونخب فاسدة مزعومة. ويدور خطاب تيارات أوروبية على معارضة المهاجرين وأوروبا، ويخرج (هذا الخطاب) الهجرة والوحدة الأوروبية على أنهما وجهان لمشكلة واحدة. وصلة النازع الشعبوي بحال الاقتصاد ضعيفة، فهو منتشر في دول تدور عجلة النمو الاقتصادي فيها على أحسن وجه، مثل الدنمارك والنمسا والسويد. وذيوع هذا الخطاب هو معضلة تضطر الأحزاب اليمينية الكلاسيكية الى جبهها من طريق: تشكيل ائتلاف كبير يميني- يساري مؤيد لأوروبا لصد المد الشعبوي؛ أو استمالة الشعبويين وحملهم على المشاركة في السلطة؛ أو الاحتذاء على نيكولا ساركوزي في 2007: احتواء الحمى القومية – الشعبوية من طريق التوسل ببعض مواقفها الأثيرة، بدءاً بموقفها من الهجرة. وهذا ما فعله ديفيد كاميرون، رئيس وزراء بريطانيا، أخيراً وتكللت محاكاته الشعبويين بفوز انتخابي وانحسار شعبية حزب «يوكيب» الذي فاز بـ25 في المئة من الأصوات في الانتخابات الأوروبية. والخطاب ضد الهجرة من أوروبا الشرقية إلى غربها حاد في بريطانيا. والحق أن تحديات كبرى تترتب على مسألة الهجرة في الديموقراطيات الأوروبية والاتحاد الأوروبي. والتحديات هذه وثيقة الصلة بالتضامن والمواطنة والهوية. وإذا أخفقت دول الاتحاد الأوروبي في تنسيق سياسات معالجة الهجرة، ساهمت في تسريع وتيرة المد الشعبوي المناوئ لأوروبا الذي ينخرها من الداخل – وتوسيع فالق الانقسام بين شمال وجنوب وشرق وغرب. * مدير البحوث في معهد الدراسات السياسية الفرنسي، عن «لوفيغارو» الفرنسية، 2/7/2015، إعداد منال نحاس

مشاركة :