ودعنا قبل أيام قليلة الوالد أبو إبراهيم سعد بن سعدان الجضعي رحمه الله، فإن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ” إنا لله وانا اليه راجعون ” ، إن الحديث عن والدنا أبو إبراهيم ذو شجون، فكان رحمه الله نعم الأب الحنون المربي المحنك الذي يأسرك حديثه وأخلاقه العالية وعمق تجاربه وخبراته. وكان رحمه الله مدرسة في التجارب والتعامل مع الناس، ذو أخلاق عالية إذا تكلم أحسن الكلام، ولد رحمه الله عام 1340هـ وهو من أحد رجالات محافظة القويعية الأوفياء التي نشأ وترعرع فيها، وشق طريقه بالعمل التجاري في القويعية منذ بلوغه، وكان يقوم برحلات تجارية إلى بيشة لشراء البضائع من المواشي والقهوة وغيرها، حيث تعتبر بيشة مركز تعاملات تجارية ومالية ومسارات طرق القوافل التجارية ومركز اتصال تجاري حيوي في الجزيرة العربية. وفي عام 1374هـ انتقل إلى الرياض وبدأ تجارته في محل صغير في شارع التمر في حي الشميسي، وفي عام 1390هـ بدأ في أعمال التجارة الحرة والمتنوعة، اكتسب خلالها الخبرات الكثيرة، ورغم وفرة العمل الحكومي في تلك الفترة الا أنه اتجه للتجارة الحرة، ومن أهم عوامل نجاح التجارة الالتزام بالصدق والأمانة والنصيحة والمعاملة الحسنة وبناء الثقة، فأبو إبراهيم كان قدوة حسنة في أخلاقه وتعامله وصدقه وأمانته وهذا من أكبر العوامل التي تجلب البركة والخير في البيع والشراء واستمرار التجارة وبناء جسور الحب والثقة مع جميع من تعامل معه، ومن القصص الجميلة التي كان يرويها لنا في هذا الجانب أنه كان في رحلة تجارة إلى بيشة لشراء بعض البضائع، وحيث أنه بقي معه أموال نقدية فقرر تسليمها لدى أحد تجار بيشة المعروفين ويقال له خبيتي لكي يستفيد منها إذا عاد إلى بيشة مرة أخرى، واعتمد على ثقة الطرفين ببعضهما البعض، وبعد انتقال أبو إبراهيم إلى الرياض أرسل برقية إلى تاجر بيشة خبيتي يطلب منه المبلغ ويعتذر لعدم قدرته على الذهاب إلى بيشة، وما كان من تاجر بيشة إلا أن أرسل أحد أبنائه إلى شارع التمر في حي الشميسي بالرياض يسأل عن سعد الجضعي حتى وجده وسلمه شيك بكامل المبلغ مصروف على البنك الأهلي وكان في بداية عمل البنك في تلك الفترة، ومن هذه القصة يتجلى تعامل التجار بالصدق والأمانة . من سيرته الذاتية يتضح أنه كان مخضرماً واسع الخبرة، والتجارب جعلت منه رجلاً ذا حكمة ورأي ثاقب ونظرة إيجابية للأمور ولسان عطر بالكلام الجميل الهادف، مما جعل منه أباً محبوباً ملك قلوب من عرفه. وحتى في أيام مرضه وآخر أيام حياته رغم ما يشعر فيه من تعب وانهاك جسدي إلا أنه استطاع أن يحافظ على مستواه بأخلاقه العالية وكلامه الإيجابي المتفائل الجميل . وكان يطيب مجلسه عندما يتحدث عن ذكرياته وسفراته التي حدثت في القرن السابق حيث عاصر عدد من الحكام واختلاف الأوضاع والظروف، واتصف هذا الرجل بأنه كتاب تاريخ يقص عليك الأحداث رأي العين وليس من شاهد كمن سمع، وتشعر عندها أنك في عبق الماضي عندما يتحدث عن المعاناة والرحلات والسفر بالقوافل التجارية إلى بيشة والرياض والقويعية وغيرها، حيث كانت حقاً من أجمل الأمور التي نستمتع بها عندما نزوره رحمه الله. وافتقدنا هذا الاب صاحب أرق وأنقى قلب، واشتقنا لسماع أخباره وتجاربه. وكان رحمه الله يحب الخير وله مواقف ايجابية في المجتمع في عدد من الجوانب، فكان يبذل جهده وماله ووقته ليصلح بين المتخاصمين وخاصة في جماعته وأقاربه وأرحامه وكان يحمل همومهم ليصلح ويقرب بينهم وكم عصم الله على يده من دماء وأموال وفتن شيطانية لولا فضل الله ثم جهوده، وكان كريماً ومنزله عامراً بالضيوف والزائرين، وكان يحسن الاستقبال بطلاقة الوجه والملاطفة والانس في مجلسه. وكان ينفق في بناء المساجد وأذكر أنه سكن في حي لا يوجد فيه مسجد فبادر رحمه الله في بناء المسجد وقام بتأثيثه بالكامل، وأذكر أنه عرض عليه حاجة أحد المساجد لتوفير تكييف فتكفل رحمه الله بتجهيز المسجد بجميع المكيفات التي يحتاجها، وأعلم أيضاً أنه قام بإنشاء وتجهيز دار نسائية لتحفيظ القران الكريم، ونسأل الله ان يجزاه عنا خير الجزاء. حباه الله سبحانه وتعالى بالحكمة والرأي السديد وكان يحمل المنفعة والفائدة للآخرين وامتاز بسداد الرأي والنباهة ورجاحة العقل، ونفع الله به كثير من اقاربه وجيرانه ومعارفه وأصدقائه وخلد ذكر طيب واستطاع أن يضع بصمة حب وتقدير واحترام لدى الجميع، فالناس شهود الله في أرضه، فهم يذكرونه ذكراً طيباً بسبب الأثر الذي تركه في قلوبهم. إن التوازن في جوانب حياته رحمه الله كان له أثر كبير في البناء السليم والعيش في راحة بال والبركة في العمر والمال والأهل والذرية الصالحة. توفي رحمه الله يوم الخميس غرة جمادى الآخرة عام 1442هـ
مشاركة :