مصريون قبل كل شىءنجيب باشا إسكندر بطل قبطى تصدى للاستعمار والكوليراساهم في تأسيس نقابة الأطباء وعضو دائم في مجلسها.. واعتقله الاحتلال البريطانى في القلعة وقصر النيلاختاره سعد زغلول عضوًا في هيئة الوفد المصرى بعد نفيه إلى سيشلتتصدى الأجهزة الطبية اليوم لفيروس كورونا، ويدفع الكثير منهم الثمن، لذلك نتذكر أحد الوزراء من الأبطال الذين تصدوا للكوليرا وقضوا عليها، نجيب باشا إسكندر.. ابن بار من أبناء مصر البررة، وهو أحد أصحاب الزعيم المحبوب سعد باشا زغلول، والذى تحمل في سبيل استقلال بلاده العزيزة كل تنكيل وعذاب وامتهان بصبر وجلد وشمم وإباء.ونجيب باشا إسكندر هو النجل الأكبر لرجل الجد والعمل والإصلاح إسكندر بك مسيحه رئيس إدارة الخزينة العمومية بالمالية سابقًا، ومدير إدارة البطريكخانة القبطية الأرثوذكسية حينذاك، وجده لوالده هو مسيحة أفندى حنا من رؤساء الأقلام بالمالية.ولد في ٢ يونيو سنة ١٨٨٧ فغذاه والده بلبان الفضيلة، وأدخله مدرسة الأقباط الكبرى فتلقى علومه الابتدائية.وعند إلغاء الأقسام الفرنساوية من المدارس انتقل إلى مدرسة عابدين الأميرية، وفيها حصل على الشهادة الابتدائية عام ١٩٠١، وكان من أوائل الناجحين، ومن ثم دخل المدرسة التوفيقية ومكث بها سنتين، وانتقل منها لمدرسة الأقباط الكبرى حتى نال الشهادة الثانوية «البكالوريا» عام ١٩٠٤م بتفوق، ثم دخل مدرسة الطب الملكية ومكث بها المدة المقررة للدراسة، وحصل منها على شهادة دبلوم في يناير سنة ١٩٠٩م.وفى أثناء وجوده طالبًا بمدرسة الطب، حدث اعتصام المدارس العليا، الذى تدخل فيه اللورد كرومر عام ١٩٠٦ وكان نجيب إسكندر ضمن الطلبة الأربعة الذين انتدبوا عن المدرسة في لجنة المدارس العامة للنظر في أمر هذا الاعتصام، وكان أهم طلباته رفع ظلم وقع على بعض الطلبة في مدرسة الحقوق، وهذه تعتبر أول مرة ظهر فيها بين الجمهور المصرى جماعة متضامنة تطالب بحقوقها معتزة بكرامتها، وقد قام مع بعض زملائه أثناء وجوده في هذه المدرسة بتأليف جمعية قبطية للحض على التمسك بأهداف الفضيلة والوطنية، وصرف شباب مصر عن ورود القهاوى وإشغال بالهم فيما لا يفيد.وكانت هذه الجمعية مكونة من طائفة من ذوى العائلات العريقة في الشرف، فقامت بإلقاء محاضرات قيمة من كبار رجال العلم والفضل في مختلف الأندية والمجتمعات، نذكر منها خطبة شيقة لحضرة العالم المدقق صاحب السعادة أحمد زكى باشا، سكرتير مجلس الوزراء سابقًا موضوعها: «مصريون قبل كل شىء» وهى حركة كان المقصود منها إيجاد روح الوفاق والوئام بين العنصرين المسلم والقبطى، وقد كان رئيسًا لهذه الجمعية لحين سفره إلى أوروبا للتخصص في علم الأمراض الباطنية، ولم تدم حياة هذه الجمعية المباركة طويلًا؛ نظرًا لتفرق أكثر أعضائها في جهات مختلفة.وقبل سفره إلى أوروبا عين بوظيفة طبيب باسبتالية الأمراض العقلية حبًّا منه في درس علم البيكولوجيا، وقد تعلق بهذا العلم بعد أن انتظم في عضوية الجمعيات القبطية المهتمة بالشئون الوطنية، ولكنه لم يلبث في هذه الوظيفة زمنًا طويلًا عندما تحقق له من أن مستقبل المصريين في سلك الوظائف الحكومية مقفول، خصوصًا للموظفين الذين يحافظون على كرامتهم متمسكين بشخصيتهم، معلنين أفكارهم بكل صراحة، وتخصص في العلوم البكتريولوجية من كلية باستور بباريس وعلوم الأمراض الجلدية من جامعة فينا، ثم قفل راجعًا بعد ذلك إلى مصر في أواخر سنة ١٩١٢ ميلادية، فآنس فيه الدكتور بيذ مدير المعاهد الفنية بمصلحة الصحة في ذاك الوقت حسن إلمامه بالمباحث العلمية الطبية.وزير ضد الكوليراداخل غرفة عمليات بقيادة رئيس الوزراء النقراشى باشا، ووزير الصحة نجيب إسكندر، أعطى النقراشى وزير الصحة كل الصلاحيات السياسة والتنفيذية للقضاء على وباء الكوليرا، فأصدر نجيب باشا قرار حظر التجوال بين المحافظات إلا بأمر كتابى منه، وأمر بسيطرة الشرطة والجيش على كل مداخل ومخارج المدن والمحافظات، وطالب نجيب باشا من الشعب ضرورة التبليغ عن الحالة أو حتى المشكوك فيها أول 24 ساعة من معاناته رحمة به وبأهله، ووصل الأمر لتفتيش البيوت.خدماته الصادقةولنجيب إسكندر فضل وأثر لا يمحى في تأسيس جمعية الأطباء المصرية، ونقابة الأطباء المصرية وكان ينتخب دائمًا في عضوية مجالسها الإدارية بإجماع الآراء، وكذلك في النقابة التى كان أخص مظاهرها إبداء الرأى السياسى في الأحوال الحاضرة، وطالما أصدروا من القرارات الجريئة في أشد الأوقات شدة ما حفظ نفسية الجمهور أمام حكم الإرهاب الذى كان سائدًا في مصر بمعرفة لورد اللنبى، وقد كان لهذه الآراء أيضًا تأثير كبير جدًّا عند نشرها في جرائد إنجلترا؛ لأن الأطباء كهيئة وطنية لها رأيها المحترم بالنسبة لما هو معروف عند رجالها من صدق النظر ودقة البحث ووزن الأمور.وقد بعثت إليه نقابة الأطباء خطابا وقت اعتقاله، تقديرًا لصادق مواقفه الشريفة ومجهوداته الفائقة نحو خدمة بلاده، وانتخبته الجمعية الطبية الملكية في اجتماع جمعيتها العمومية لسنة ١٩٢٤م لأن يكون عضوًا لمجلس إدارتها.لم يكن تكليفه من فراغ، بل سبق ذلك وعلى أثر هدنة سنة ١٩١٨م جمع زملاءه وبعض الإخوان المصريين وتشاوروا في حالة البلاد السياسية، فقر قرارهم على وجوب انتداب وفد لمؤتمر فرساى، وعلى أثر ذلك، علموا فكرة تأليف الوفد برئاسة سعد باشا زغلول، فذهب مع إخوانه لبيت الأمة، موكلين الوفد المصرى في العمل على استقلال البلاد، ومن ذلك الوقت بصفة خاصة وهو يشتغل في المسألة المصرية مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا مع الخطة المثلى التى سار عليها الوفد المصرى.وقد ناله في سبيل ذلك كل تنكيل وعذاب واضطهاد من السلطة الإنجليزية، ومن الهيئات الرجعية في مصر خصوصًا في عهد وزارتى عدلى يكن باشا وعبد الخالق ثروت باشا، حيث منع من الترقية وأحيل على مجلس تأديب؛ لأنه كان من أعضاء لجنة الموظفين التى قامت بتكريم الزعيم الجليل رغم إرادة الوزارة العدلية، وهو أيضًا أحد الذين رفضوا بشمم وإباء كل الطرق التى قام بها عدلى باشا أو ثروت باشا بإزائه؛ لكى يمتنع عن مناوأة وزارتيهما علنًا، وقد كان نائبًا عن مصلحة الصحة العمومية والأطباء في تمثيلها في لجنة الموظفين العليا، وكان فيها مثال الجرأة والإقدام والشجاعة فيما كان يبديه من الآراء.وقد بلغ صدق شعوره السياسى إلى درجة أن أوفده مدير عام مصلحة الصحة؛ لتهدئة خواطر عمال الكنس والرش الذين كان يخشى من استمرار إضرابهم خوفًا على حالة البلاد الصحية، وقد ذهب إليهم فعلًا وخطب فأعلنهم طبقًا لقرار لجنة الموظفين العليا بأن الإضراب العام لا يتناول أمثالهم محافظة على صحة الأهالى.وألقت السلطة العسكرية القبض عليه بعد أن فتشت منزله، واعتقلته في القلعة وقصر النيل وذلك في صيف عام ١٩٢٢م، حيث مكث مدة ثلاثة أشهر تقريبًا واحتمل هذا الاعتقال من أوله إلى آخره بكل شجاعة وثبات، وكان ضمن الأعضاء الثمانية، الذين أشار سعد زغلول باشا بأن يكونوا هيئة الوفد المصرى بعد نفيه وزملائه في أوائل عام ١٩٢١م إلى سيشل، وقد ظل مدة الحركة الوطنية وهو مثال الشجاعة محافظًا على شرف مبدئه مهما قاسى في هذا السبيل من الآلام.
مشاركة :