التقاعد والزيادة السنوية.. نظرة موضوعية

  • 1/31/2021
  • 01:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

لا نريد أن نتحدث كثيرًا عن الأرقام، ولكن إن كنا نريد أن نكون موضوعيين في طرحنا فإنه لا بد أن نذكر بعض الحقائق أولاً، فنحن نعلم أن هذا الموضوع حساس جدًا فهو يهم أكثر من 200 ألف مواطن يعمل في القطاعين العام والخاص، وهذا يعني أنه يهم كمًّا كبيرا من الأسر البحرينية التي تعيش على هذا الراتب الذي من المفروض أن يُعد من المدخرات التي يسترجعها الموظف بعدما يخرج للتقاعد، وذلك بحسب الأنظمة والقوانين التي صدرت لتحمي هذا الإنسان والتي على أساسها استحدثت الدولة تلك الصناديق التقاعدية، فهي نوع من الاتفاق الضمني ما بين تلك الصناديق من جهة والموظف من جهة أخرى، حيث ينص هذا الاتفاق أن تلك الصناديق سوف تستقطع جزءا من راتب الموظف الشهري على أساس أن يُدفع له بعد نهاية خدمته، بمعنى آخر أن هذه المبالغ حقه بحسب الدستور والأنظمة والقوانين.وأيضًا فإنه من خلال متابعتنا لموضوع صناديق التقاعد والأمور المتعلقة فإننا وجدنا أن المختصين والمهتمين أشاروا إلى أن العجز في تلك الصناديق كان حوالي 300 مليون دينار سنة 2004 ولكنه بلغ عام 2019 حوالي 14 مليار دينار، بمعنى أنه تضاعف عدة مرات وبصورة مطردة ومذهلة، كيف حدث ذلك؟كما أشارت تقديرات المختصين إلى أن صندوق القطاع العام سوف يعجز عن السداد تمامًا في حوالي عام 2028 وأما صندوق القطاع الخاص فإنه سوف يعجز في حوالي عام 2034، وهذه هي بعض الحقائق المطروحة، والتي أمكن قراءتها ومتابعتها من خلال ما ينشر في الصحافة المحلية.وبحسبة بسيطة جدًا يتضح لنا أن المتقاعدين في القطاع العام لن يستلموا أي راتب تقاعدي في سنة 2029 لأن الصندوق سيغلق تمامًا وسوف يتم وضع الأقفال عليه لأنه سوف يفلس، بمعنى آخر أن موظف القطاع العام الذي سوف يتقاعد بعد عام 2029 والذي تم استقطاع راتبه الشهري من أجل التقاعد سوف يخسر كل مستحقاته، إن سارت الظروف كما هي الآن، هل كلامي هذا صحيح أم أنا على خطأ؟ لا أعرف.وأمام هذه المعضلات والحيثيات والحقائق فقد قامت الجهة التنفيذية في الدولة  بتكليف خبير أو شركة اكتوارية -وفي الحقيقة لا أعرف معنى اكتوارية ولا نعرف من هي الشركة أو الخبير الاكتواري الذي تم تكليفه بهذه المهمة- لدراسة الوضع المتأزم ولوضع الحلول لمشكلة الصناديق التقاعدية.وبعد فترة من الزمن قامت الجهة التنفيذية بنشر بعض توصيات المؤسسة الاكتوارية في الجرائد المحلية، ولكننا في الحقيقة لم نقرأ الدراسة ولا التقرير لأنها لم تنشر، وإن ما قرأناه هو ما قامت الجهة التنفيذية بالسماح له بالنشر، ولا ندري هل تسلم السادة النواب أي تقرير أو دراسة، وإن كان هذا شأنهم إلا أننا كمواطنين يهمنا هذا الموضوع بالدرجة الأولى أكثر من السادة النواب، فإنه كان من المفروض أن تكون الدراسة متاحة على موقع الهيئة التنفيذية حتى يتسنى لنا قراءتها وإبداء الرأي فيها، فهذه الدراسة كان من المفروض أن تناقش وتطرح للاستفتاء العام لأنها قضية رأي عام وتمس كل المواطنين، وما على السادة النواب إلا أن ينقلوا رأي المواطنين إلى الجهة التنفيذية التي طرحت هذا الموضوع.حسنٌ، ولكن على الرغم من ذلك فإننا لم نقرأ فيما نشر أي ذكر لاستقطاع الزيادة السنوية والتي نسبتها 3% من أموال المتقاعدين أبدًا، فلماذا ذهبت الجهة التنفيذية إلى هذا الحل وتركت معظم الحلول التي طُرحت؟ ولكن دعونا نحسن الظن ونقول إنه فعلاً تم ذكر استقطاع الزيادة السنوية (3%) من الراتب التقاعدي كأحد الحلول المطروحة، وهنا أجد أنه يحق لنا أن نسأل لماذا بدأت الجهة التنفيذية بتأجيل كل الحلول التي طرحتها الدراسة وبدأت باستقطاع الزيادة السنوية من راتب المتقاعد؟ حقيقة لا أعرف.لِنَعُد إلى موضوع استقطاع الزيادة السنوية (3%) من الراتب التقاعدي، ونطرح الموضوع للنقاش معًا، كم تساوي 3% من قيمة الراتب؟ باستخدام مبدأ الرياضيات فإن المتقاعد الذي راتبه 500 دينار فإنه يمكن أن تساوي 15 دينارا فقط لا غير، ربما يعتقد البعض وخاصة أصحاب الكراسي الوثيرة أن هذا المبلغ تافه فلماذا الإصرار عليه ولماذا كل هذا اللغط؟ يمكننا أن نقول إن المبلغ وإن كان بسيطًا في نظرهم إلا أنه ليس ببسيط في جيب المتقاعد، فهذا المبلغ البسيط -أيها السادة- يشكل ثقلاً كميًّا ونوعيًا بالنسبة للمتقاعد، بالإضافة إلى أنه ليس مجرد مبلغ زهيد من المال يضاف بصورة شهرية إلى الراتب وإنما نحن نتحدث عن مبدأ وفكرة.وحتى في المقترح الجديد الذي تم اقتراحه مؤخرًا والذي ينص على أنه يمنح الذين رواتبهم أقل من 500 دينار ما نسبته 3% كزيادة، فإن جزءا من هذه الفئة الذين تبلغ رواتبهم -فلنقل حوالي- 499 دينارا أو ما شابه ذلك سوف تنقطع عنهم الزيادة السنوية بعد عام واحد، لسبب بسيط أن رواتبهم ستبلغ 514 دينارا، فهل هذا معقول؟وماذا عن الذين رواتبهم 550 دينارا مثلاً، لماذا لا يستحقون الزيادة السنوية التي هي جزء أصيل من حقهم؟ أو حتى الذين رواتبهم أكثر من ذلك ألم يخدموا في الحكومة والوظيفة طوال حياتهم، فلماذا لا يستحقون؟ وكما قلت فنحن هنا نتحدث عن مبدأ وفكرة.ألا يمكن تقسيم الرواتب إلى فئات، لنقل مثلاً: الفئة الأولى: أقل من 500 دينار، الفئة الثانية: من 500 دينار إلى 1000 دينار، وهكذا، وبناءً على مبدأ تقسيم الرواتب يمكن تقسيم الزيادة السنوية، فمثلاً الذين أقل من 500 دينار يعطون زيادة سنوية تبلغ 6%، والفئة الثانية 5%، والفئة الثالثة 4%، وهكذا وحتى الذين رواتبهم 3000 دينار وأكثر يمكن اعطاؤهم ما نسبته – مثلاً – 2% أو شيء من هذا القبيل، ألم تفكر الجهة التنفيذية بمثل هذا الحل؟دعوني أسأل الجهة التنفيذية هذا السؤال، هل تم استقطاع تلك النسبة المئوية من السادة الوزراء الذين تقاعدوا خلال كل تلك السنوات التي مضت، أم مازالوا يتسلمون الراتب كاملاً؟موضوع آخر، بدأت الانتخابات في البحرين في عام 2002، ومنذ تلك السنة حتى اليوم فإنه ورد على المجلسين -الشورى والنواب- حوالي 400 نائب، فكم يستلم كل هؤلاء من المبلغ التقاعدي؟ هل تم استقطاع 3% من راتبهم التقاعدي؟اليوم، وبحسبة بسيطة إن أخذنا متوسط -أكرر متوسط وليس الراتب الحقيقي- راتب النواب وقلنا إن حوالي 4000 دينار في الشهر، فإن ذلك يعني أن رواتب السادة النواب في المجلسين تكلف الدولة في السنة الواحدة حوالي 4 ملايين دينار، أليس هذا المبلغ جديرا بالمناقشة وأخذه بالاعتبار بدلاً من اللجوء إلى الزيادة السنوية لراتب المتقاعد، الذي هو من حقه؟إذن أمامنا حوالي 400 نائب يستلمون مبالغ كبيرة، سواء المتقاعد منهم أو الذي مازال يعمل، بالإضافة إلى السادة الوزراء المتقاعدين، فكم يكلف كل هؤلاء الدولة سنويًا؟ ألا يمكن التفكير فيهم؟ وموضوع آخر، في بداية مشكلة طرح موضوع الاستقطاع ظهرت المسؤولة من الجهة التنفيذية وقالت بصريح العبارة إن الاستقطاع سيكون مؤقتًا، بمعنى أنه بعد فترة من الزمن ستعود نسبة الزيادة السنوية كما كانت، حسنٌ، هل يمكننا أن نسأل: كم هي الفترة المؤقتة تلك؟ هل هي سنة أم 10 سنوات أم إلى الأبد؟ لا نريد كلامًا مطاطيًا بمعنى أن تقول الجهة التنفيذية حتى تعود للصناديق التقاعدية عافيتها، إنما نريد أرقاما، أي نريد تحديد السنة التي ستعود الزيادة السنوية للراتب التقاعدي، فهل هذا ممكن؟ فهل من المعقول أن الخبير الاكتواري قام بتوصية باستقطاع الزيادة السنوية للمتقاعد ولم يتمكن من تحديد السنة التي يمكن أن تعود الزيادة السنوية إلى الراتب التقاعدي؟ كل هذا جانب بالإضافة للكثير من الموضوعات المتعلقة بالإحصاء والرياضيات التي لا نريد أن نثخن المقال بها، ولكن لنأتِ إلى موضوع آخر، وهو ما الذي أدى إلى إفلاس الصناديق التقاعدية؟ ومن كان المتسبب في ذلك؟ربما تم طرح الكثير من الأسباب التي لم يقتنع بها أحد، فلماذا لا يُطرح الموضوع للرأي العام، أو حتى على السادة النواب؟ وإن كان الإخوة النواب -وعذرًا على هذا الكلام- لن يستطيعوا أن يفعلوا شيئا كما حدث في الكثير من الموضوعات التي طرحت عليهم، فعلاً نريد أن نعرف، فإن عرفنا ربما اقتنعنا، فإن اقتنعنا فإننا حتمًا سنتوقف عن (التحلطم)، إذن الحل في الاقناع وليس في التجاهل والتسويف.ومن مبدأ العدالة، والتنافسية والاستدامة فإن للمتقاعد العديد من الحقوق التي كان من المفروض أن تقوم بها الجهة التنفيذية أو على الأقل التفكير فيها، بدلاً من استقطاع الزيادة السنوية، كان من المفروض -مثلاً- أن تمنح المتقاعد حق التخفيض حوالي 50% من المشتريات الضرورية، أو منح دعم خاص للمتقاعدين وخاصة فيما يتعلق بالمشتريات الضرورية، وكذلك بالنسبة لتذاكر السفر حتى لو مرة في السنة، ويمكن أيضًا فتح مراكز خاصة للمتقاعدين لممارسة الرياضة والثقافة والالتقاء وما شابه ذلك، أو يمكن حتى الاستفادة من بعض خبراتهم في تدريب الجيل الثاني من الموظفين، وهناك أمور كثيرة يمكن التفكير فيها بحيث لا تهمل هذه الفئة وكأنها مادة تم الاستغناء عنها.أيها السادة، نرجو أن يجد المتقاعدون -وأنا واحد منهم- الآذان المصغية لهذه المشكلة قبل أن تصبح أزمة من الأزمات التي نعاني منها، فالمتقاعد يستحق النظر في أمره. Zkhunji@hotmail.com

مشاركة :