منذ أن استقرت النجمة الفرنسية كارول بوكيه في جزيرة بانتليريا، أو قَوْصَرَة، كما ذكرها العرب في تاريخهم، حتى تحولت هذه الجزيرة الإيطالية التي تقع في مضيق صقلية في البحر الأبيض المتوسط إلى أسطورة. فعلى بانتليريا التي وصفت بأنها جزيرة صغيرة حصينة فيها آبار وسواحل وأشجار زيتون، وفيها ماعز كثيرة برية متوحشة، ولها من جهة الجنوب مرسى مأمون من رياح كثيرة، عرفت كارول بوكيه للسعادة طعمها الحقيقي هناك، ولذلك استقبلت ضيوفها من مجلة إيل الفرنسية بترحاب في لقاء تحدثت فيه عن حياتها وعن الجمال كهبة وعن الجراحة التجميلية كخيار. كارول التي لا تحب الحديث كثيراً عن خصوصياتها والمعروفة بتحفظها الشديد، هي امرأة بسيطة وعلى درجة عالية من الثقة بالنفس، علماً بأن البعض ينظر إليها منذ مدة طويلة على أنها المرأة التي تجسد الجمال البارد أو الجامد، لكنها كانت دائماً تراجع صورتها سعياً لمحو هذه الفكرة من أذهان الإعلاميين. اليوم وهي في سن ال57، بدأت بوكيه تعرف الشيخوخة بطعمها اللذيذ مثل حبات العنب التي تنتجها من كرومها في هذه الجزيرة. وترى أن جمالها هو هدية من الله، وأن الجراحة التجميلية هي خيار لكن ليس بالنسبة إليها، فهي لم تلجأ إليها يوماً. النجمة المتواضعة بوكيه، أو فتاة "جيمس بوند" في فيلم لا شيء إلا من أجل عينيك، وبطلة الفيلم الشهير جميلة جداً بالنسبة لك الذي مثلته مع زوجها السابق جيرار دوبارديو، فخورة جداً أيضاً بولديها ديمتري ولويس، خاصة ديمتري الذي عرض له فيلم الأمير الصغير في مهرجان كان السينمائي الدولي الذي أنتجه بنفسه. تقول بوكيه إنه من شدة فرحها لم تتوقف عن البكاء خلال العرض. وتشير إلى أنه ينبغي على صناع السينما التجرؤ على تقديم أدوار تناسب عمرها، فهذه المشكلة متكررة في السينما، حيث لا يتذكرون هذه الفئة العمرية في أدوار جيدة. وتضيف بوكيه: رغم أن الممثلات يعبرن جيداً عن عمرهن، إلا أن المخرجين لا يأخذون ذلك في الاعتبار إلا نادراً، ويميلون بسرعة إلى تصنيف هذه الممثلة أو تلك ضمن خانة معينة. ورغم أن بوكيه تبدو مرتاحة لما هي عليه الآن من الناحية الجسدية والذهنية، وتعيش الحب المثالي مع شريك حياتها فيليب سيريس دو روتشيلد، فإنها لا تشعر بسعادة غامرة بسبب التقدم في السن، فهي تقول: اليوم عندما أرى نفسي في أفلامي، أقول ليت الشباب يعود يوماً، وكم كنت أتمنى لو يتوقف الزمن والتقدم في العمر في سن ال40، ولكن هيهات. من أهم الأمور في حياة كارول أنها تفضل الاستمتاع والضحك، لذا فهي تمزج ذكريات سهراتها الصاخبة في استوديو 54 في نيويورك، مع كيث ريتشاردز وأندي وارهول، بذكرياتها العائلية الأخيرة التي قضتها للتو، تاركة الحبل على غاربه طالما أن الضحك لا يتوقف. ويبتسم ابنها لويس المتخصص في إخراج الأفلام القصيرة، معلقاً: كل الصيف يمر على هذا المنوال، فنحن نأكل ونسبح، ولا نتوقف عن سرد الروايات والقصص المضحكة. ومعروف عن لويس أنه مثل والدته يحب الحديث عن المطبخ والخضروات. بوكيه التي تستيقظ في الساعة الخامسة صباحاً لتذهب إلى القبو لتفقد الطرود المجهزة للشحن مما تنتجه كرومها محلياً، تشير إلى أن الأمر ليس مجرد عطلة، بل هنا الحياة مختلفة، وهي لا تتمثل فقط في مراقبة القبو وحرارته لضمان صحة السلعة، بل لأنني أحب هذا البلد تحديداً من بين جميع دول العالم، ولديّ شغف منقطع النظير نحو إيطاليا، وأنا أتكلم لغتها، وأحب الناس فيها، والألوان، والروائح. وترى أن العلاقة مع الجمال هنا غاية في البساطة قائلة: في فرنسا عندما كنت صغيرة، كانوا ينظرون إليّ فقط متأملين جمالي، أما في إيطاليا فإنهم يتحدثون ويمتدحون، العلاقة مع الناس أكثر عفوية وودية، ومن هنا فهمت أنني منذ كنت صغيرة وجميلة لم أكن أخيفهم بجمالي، ولهذا السبب اختارني المخرج "بونيل" عندما كنت في ال 18 عاماً لأمثل في فيلم "ذلك الشيء الغامض المسمى الرغبة". وفي الحقيقة لم أشعر بأنني شيء غامض، ولكن بونيل كان يراني مثل "مادونا" خرجت من صورة مرسومة. أي أنني كنت بالنسبة إليه شيئاً مألوفاً. تتابع كارول: أعتقد أن الجمال هنا شيء عادي لا يخيف، فأنت تجده في كل مكان، وأعتقد أن الذين وصفوا كارول بوكيه بأنها صاحبة الجمال البارد الأسمى، أو البرجوازي، كانوا مخطئين لأنهم لم يفهموا الجمال على حقيقته، فأنا أنثى متطلبة ومتهورة أحياناً، وأحب أن أمشي حافية القدمين، مرتدية جلباباً من دون أي ماكياج مثل كل النساء. وعن مشاريعها الفنية تقول بوكيه إنها بعدما لعبت في مسرحية للكاتب المسرحي هارولد بنتر تشتت، وفي كوميديا باتريس لوكونت ساعة هدوء، تستعد لاستئناف نشاطها الفني في مسرحية الوطن لديفيد ستوري، مع بيير بالماد وجيرارد ديزارت وفاليري كارسنتي. وتعود كارول بوكيه ثانية للحديث عن إيطاليا، أو كما تسميها معالجة السوداوية والحزن، حيث بنت بيتها بين كروم العنب مع مدرج صغير يمكنك أن ترى منه الشمس الغاربة، وأنت تتكىء على أريكة. تقول بوكيه: لا شك في أن الخمائل النورماندية جميلة بطبيعة الحال، فهنا مثلاً لا يمكنني الحصول على الورود كما في النورماندي... ولكن هذا المطر الخفيف يسحرني، فأنا أحب الشرق، وبحاجة لأشعة الشمس، وإلا سأكون حزينة. وهنا أحب الحياة، وأعشق رائحة الريحان التي تجعلني أحلم، وتبعد عني أي انفعال يؤلمني أكثر من ذي قبل، كما أحب الناس هنا لأنهم يحبون الحياة وأشعر بالاطمئنان. وماذا عن لحظات بوكيه الصعبة والحزينة؟ تجيب النجمة: مررت، وأمرّ بلا شك بأوقات صعبة، مثل أي شخص آخر، فعندما كنت في سن المراهقة، كنت أجعل والدي يعتقد أنني ذاهبة إلى المدرسة الثانوية، ولكنني في الواقع، كنت آخذ المترو حتى جادة الشانزيليزيه وأدخل إحدى صالات السينما وأبقى فيها طوال اليوم لمشاهدة نفس الفيلم ست مرات على التوالي. وكان ذلك أجمل شيء في الحياة، وكل ما هو مضحك وغير عادي، وغريب الأطوار، كان يريحني. وذات يوم أردت عمل مقلب فقمت بقص شعري قصيراً في الليل. وما زلت حتى اليوم أضحك عندما أتذكر كيف كان وجه أصدقائي في اليوم التالي حين شاهدوني. بركانية الطبع تقول عنها أغاث مصففة شعرها الدائمة والتي تعرفها جيداً بحكم العشرة: كارول في الأساس، مثلها مثل جيرارد ديبارديو، بركانية الطبع، لكن سكون هذه الجزيرة العملاقة حيث الرياح الساخنة والشمس الساطعة، روّضها وجعلها هادئة لا سيما أنها وجدت من يعزف على نفس أوتارها وهو شريك حياتها فيليب دو روتشيلد.
مشاركة :