عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء

  • 2/2/2021
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

إن مصالح الولايات المتحدة هي التي سوف تفرض طريقة سير سياستها   إن اتّباع سياسة الرئيس الأمريكي السابق أوباما ذاتها في الشرق الأوسط، ومع إيران تحديدًا، وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، أمر غير ممكن، وليست هناك رؤية واضحة حتى الآن لكيفية معالجة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن للوضع المتوتر في منطقة الخليج العربي ومواجهة التصرفات الإيرانية خصوصًا بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي في (مايو 2018م)، ودعمها للميليشيات الطائفية المسلَّحة في الدول المجاورة مثل العراق ولبنان وسوريا واليمن رغم أن هذه القضية أصبحت أكثر إلحاحًا منذ الانتخابات الأخيرة.  كما أنه من غير الواضح ما إذا كان الرئيس جو بايدن مستعدًا للموافقة على الاعتراف بحق إيران في تخصيب اليورانيوم، وتحت أيّ شروط، وهو الأمر الذي يعتبره العديد من المراقبين بمثابة تنازل أمريكي خارق جعل الاتفاق النووي ممكنًا، إلا أن المؤكد هو أن هناك مراجعة شاملة لسياسة الولايات المتحدة الخارجية التي ستعود حتمًا إلى سياسة التحالفات مع أصدقائها من الدول الأوروبية تجاه القضايا ذات الاهتمام المشترك، والتي تأتي (إيران) في مقدمتها، خصوصًا مع استفزازاتها المستمرة، وقضايا البيئة والتغيير المناخي خصوصًا بعد الانسحاب الأمريكي من (اتفاقية باريس للتغيير المناخي) في (أغسطس 2018م).  إذن نحن أمام وضع سياسي وأمني متأزّم ستحاول إيران استغلاله لتحقيق أهدافها بالعودة إلى الاتفاق النووي، إلا أن المنطقة لم تعد كما كانت قبل أربع سنوات، ولم تعد الظروف تسمح بمزيد من التنازلات التي يسعى إليها الإيرانيون عند فتح باب التفاوض، خاصة مع تورط إيران الكبير جدًا في الزحف نحو تحقيق أهدافها الدينية الطائفية لنشر المذهب الشيعي في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن، باعتباره يحقق حلم الامبراطورية الفارسية الكبرى الذي بدوره سيكون عاملاً حاسمًا للأمن والسلام في العالم كما يرى ذلك قائد الثورة الإيرانية (آية الله الخميني).  أما بالنسبة للعلاقات الأمريكية مع دول الخليج العربي، فيبدو الوضع مختلفًا إلى حدٍّ ما، نظرًا للتصريحات التي أطلقها الرئيس بايدن خلال حملته الانتخابية، والتي منها سعي سياسته في المنطقة إلى وقف الحرب في اليمن، إلا أن الهيمنة الإيرانية على أجزاء مختلفة من الشرق الأوسط وغيرها من المخاوف المشتركة بين الجانبين الخليجي والأمريكي، توفِّر أساسًا صلبًا لإعادة إحياء الشراكة الأمريكية الخليجية، وخاصة (الأمريكية السعودية) إذا تمَّت إعادة تقييمها على أسس ومرتكزات جديدة، ولكن وبشكل عام، تظل الصورة العامة لهذه السياسة ضبابية حتى الآن.  إن مصالح الولايات المتحدة هي التي سوف تفرض طريقة سير سياستها تجاه دول الخليج العربي وبالذات المملكة العربية السعودية، وما يتطلَّبه الأمر من دول مجلس التعاون من دراسة وتقييم لسياستها مع الولايات المتحدة في ضوء المعطيات الجديدة بعد فوز الرئيس بايدن، والتي بدأت أول بوادرها بوقف صفقات بيع السلاح لكل من السعودية والإمارات، والتي قال عنها متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية (.. إن الخطوة تهدف إلى منح فريق بايدن فرصة لمراجعة العقود.. وإن ذلك إجراء إداري روتيني في حال أيّ انتقال للسلطة، ويُظهر التزام الإدارة بالشفافية والحكم الرشيد..).  ومن هذه المعطيات فإن ملف (العلاقات الخليجية الأمريكية) يحتاج فعلاً إلى (الحد الأدنى من الاتفاق بين دول مجلس التعاون) يقوم على وضع دراسة استراتيجية دقيقة تضع في اعتبارها ما يلي:  أولاً: تحديد الشخصيات التي ستتولَّى إدارة العمل السياسي والحقوقي في إدارة الرئيس بايدن، فمن الصواب إلقاء نظرة على المناصب الحالية والسابقة للمرشحين وكبار المستشارين لمحاولة قراءة خطط عملهم اللاحقة، والذي يمكن أن يساعد على وضع فرضيات حول ما قد تكون عليه سياسة الولايات المتحدة في السنوات الأربع القادمة.  ثانيًا: لدى الرئيس بايدن سجلاً حافلاً من التصريحات الحديثة حول عدد من القضايا المعلَّقة، والتي اتخذ منها الرئيس السابق ترامب موقف الصمت أو تغاضى عنها انطلاقًا من نظرته وإدارته للمصالح الأمريكية العُليا، ويمكن دراسة هذه التصريحات من قبل وزارات خارجية دول مجلس التعاون أو تشكيل لجنة في الأمانة العامة للمجلس من الخبراء السياسيين والأكاديميين لتقييم هذه التصريحات والرجوع إليها للحصول على إشارة إلى ما يمكن أن تبدو عليه سياسة بايدن الخارجية.  ثالثًا: في ضوء ذلك التقييم، لابد أن يكون لدول مجلس التعاون موقفًا سياسيًا موحَّدًا، أو -على الأقل- الحد الأدنى الذي يمكن الاتفاق عليه وتنفيذه بصدق وشجاعة انطلاقًا من المصالح المشتركة لدول المجلس في هذه المرحلة الهامة من العلاقات مع الولايات المتحدة، وخاصة فيما يتعلَّق بإيران وملفها النووي الذي كان الرئيس بايدن طرفًا غير مباشر فيه عندما كان نائبًا للرئيس أوباما.  رابعًا: وضع بعض الأولويات للقضايا التي تتطلَّب اهتمامًا عاليًا، وأهمها:  أ- مشاركة دول مجلس التعاون في أيّ مفاوضات قادمة حول الملف النووي الإيراني.  ب- ملف حقوق الإنسان المثير للجدل، والقضايا العالقة فيه، والذي سيكون له دورًا مهمًا في توجيه مسار السياسة الأمريكية في المنطقة وعلاقاتها الثنائية بدول المجلس، والتي قد تستخدم فيه الولايات المتحدة ضغوط مختلفة للحصول على تنازلات أو تعديلات حول هذا الملف خاصة بالنسبة للسعودية والبحرين وقطر.  خامسًا: أن يكون لدول المجلس موقفًا سياسيًا وحقوقيًا موحَّدًا تجاه الولايات المتحدة، قائم على المبادئ وعلى ما تمَّ إنجازه من إصلاحات واسعة فيما يخصّ المشاركة الشعبية في الحكم، والنظر فيما يمكن التوسّع فيه، خصوصًا وأن دول المجلس حقَّقت الكثير من التقدّم في هذا الاتجاه، إلا أن هناك الكثير كذلك من الخطوات المطلوب تنفيذها لتحقيق مزيد من الاصلاحات السياسية.  إن الدبلوماسية الأمريكية سوف تواجه الكثير من الحوارات الصعبة مع الحلفاء الأوروبيين والخليجيين، خاصة بالنسبة لإدارة ملف حقوق الإنسان الذي سيكون ضمن أهم اولوياتها، وما سوف يؤدي إليه ذلك من دخول العلاقات الخليجية الأمريكية بمطبات ومحادثات صعبة إذا ما توحَّد الموقف الخليجي أمام الضغط الأمريكي بالحد الأدنى والممكن.  ولكن، مقاربات الإدارة الأمريكية الجديدة لملفات المنطقة ستكون مبنيّة على ما تحقَّق حتى الآن، فهناك ترحيب باتفاقات السلام التي توصَّل إليها فريق ترامب وتمَّ بموجبها إقامة علاقات دبلوماسية كاملة بين عدة دول عربية وإسرائيل، وسوف تلقي الإدارة الحالية نظرة فاحصة على بعض الالتزامات التي تنطوي عليها، والتي تتراوح من صفقات الأسلحة مع عدد من دول مجلس التعاون التي أوقفتها مؤقتًا بالفعل، واعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على المنطقة المتنازع عليها في الصحراء الغربية، والانسحابات من مؤتمر باريس للمناخ ومنظمة اليونسكو ومنظمة الصحة العالمية.    المحلل السياسي للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون

مشاركة :