خلال إطلاقه مركز «محمد بن راشد لأبحاث المستقبل»، في ديسمبر 2017، قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله: «نسعى لأن تكون دولة الإمارات جزءاً فاعلاً ومؤثراً في المجتمع البحثي والأكاديمي العالمي»، ليؤكد سموه أن الإمارات ماضية بعزيمة وإصرار وهي تحتفل هذا العام باليوبيل الذهبي لتأسيس الاتحاد، نحو التحول إلى الاقتصاد المعرفي القائم على البحث العملي المدعوم بالعلماء وأصحاب المواهب في الخمسين عاماً المقبلة. وأكثر من أي وقت مضى، أصبحت التنمية الاجتماعية والاقتصادية للدول ـ بل وحتى الوصول إلى الفضاء ـ تعتمد اليوم على قدرة قادتها على صياغة سياسات مناسبة ونقل الموارد الثمينة من مختلف القطاعات إلى التعليم والعلوم والتكنولوجيا والابتكار سعياً نحو مستقبل يرتكز على اقتصاد معرفي قوي، خصوصاً وأن أهمية الموارد الطبيعية تتناقص مع تحول الأفكار والابتكارات إلى منتجات وحلول عملية جديدة. وتشير دراسات حديثة إلى أن الذكاء الاصطناعي سيكون الركيزة الأساسية ـ وربما التقنية ذات التأثير الأعمق ـ لتحويل تلك الابتكارات إلى واقع في اقتصاد المعرفة في المستقبل خصوصاً مع الكم الهائل من البيانات التي يتم توليدها كل يوم، والتي يوفر الذكاء الاصطناعي السبيل الأمثل للاستفادة منها. فوفقاً لدراسة حديثة لشركة «ماكينزي» فإن حجم تأثير الذكاء الاصطناعي في اقتصادات الدول سيصل إلى نحو 16 تريليون دولار بحلول عام 2025، لتخلص الدراسة إلى أن الدول التي تستثمر في هذه التقنية ومراكز الأبحاث بدأت بالفعل رحلتها نحو اقتصاد المعرفة. بناء المستقبل وأكد معالي عمر بن سلطان العلماء وزير دولة للذكاء الاصطناعي في الإمارات دائماً أهمية الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته باعتباره المفتاح في الطب والصحة والأمن والخصوصية والاتصالات والصناعة والزراعة والتوظيف والاقتصاد والقانون والطقس وغيرها لبناء مستقبل مستدام يحقق رفاهية الشعوب ويدعم جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية. فيما تتوقع دراسة لشركة «برايس ووتر هاوس كوبرز» أن يُحدث الذكاء الاصطناعي أثراً اقتصادياً كبيراً يتمثل في المساهمة بنحو 96 مليار دولار (352 مليار درهم) في الناتج المحلي الإجمالي لدولة لإمارات بحلول 2030، يدعمها في ذلك استثمارات أكثر من 70% من الشركات الرائدة رقمياً حالياً في الذكاء الاصطناعي. وذكرت شخصيات اقتصادية ورجال أعمال أن أعظم أثر للذكاء الاصطناعي سيتحدد من خلال مدى تقدم الدول في البحث العملي، مشيرين إلى أن الاستثمار في مراكز البحوث والابتكار في الإمارات سيقود إلى النهوض بالاقتصاد القائم على المعرفة وتطويره ليكون أحد المخرجات الرئيسية لتلك المراكز خلال الأعوام الخمسين المقبلة، ونموذجاً يحتذى في جميع أنحاء الشرق الأوسط، لدور البحث العلمي في خدمة وسعادة الإنسان والمجتمع. ويشير الخبراء إلى أن توسيع دائرة مراكز البحث والتطوير التقني سيدعم خطط الفوج الجديد من الشركات التي تعتزم اتخاذ الإمارات مقراً لها في المستقبل خصوصاً بعد أن برهنت الدولة قدرتها على دعم الشركات في استمرارية أعمالها خلال أزمة «كوفيد 19». حيث تخطط تلك الشركات للاستفادة من البنى التحتية والبيئة الرقمية المتطورة. وهذا إن دلّ على شيء، فإنما يدل على جاهزية الدولة من حيث البيئة الرقمية الشاملة والمتكاملة والتي تدعم مختلف الأنشطة الاقتصادية حاضراً ومستقبلاً. خبرات تراكمية ويشير حمد عبيد المنصوري مدير عام الهيئة العامة لتنظيم قطاع الاتصالات إلى أن الإمارات تمتلك كافة المرتكزات التي تمكنها من تطوير اقتصاد قائم على المعرفة ليأخذ دوره كمكون أساسي في الاقتصاد الكلي، حيث توفر الدولة بنية تحتية قوية لقطاع الاتصالات والمعلومات، وبنية تشريعية رائدة أيضاً، في حين يذخر تاريخ الإمارات بالخبرات التراكمية. وأوضح المنصوري: «لدينا ثقافة سائدة تقوم على الريادة والابتكار وصنع المستقبل. ونحن بحمد الله نحقق نتائج متميزة في هذه المؤشرات، ففي مؤشر الخدمات حققت دولة الإمارات المركز الثامن عالمياً، فيما حققت السادس عشر في المشاركة الرقمية. ونحن في المركز السابع عالمياً في البنية التحتية للاتصالات. وتكمن أهمية هذه المراكز المتقدمة في كونها تعكس بنية تحتية رقمية ومنظومة متكاملة للدخول إلى مستقبل يقوم على مجتمع المعرفة الرقمي». خطط واستراتيجيات ويقول جهاد طيارة، الرئيس التنفيذي لشركة «إيفوتك» EVOTEQ للتحول الرقمي أن دولة الإمارات تتخذ خططاً واستراتيجيات طموحة تهدف إلى تعزيز الابتكار والإبداع من خلال البحوث والتطوير خصوصاً في مجال الذكاء الاصطناعي. حيث تسعى إلى أن تصبح مركزاً عالمياً للبحوث والتطوير من خلال الشراكة مع القطاع الأكاديمي والاستثمار في مجالات العلوم والمعرفة المختلفة إيماناً منها بأهمية العلم في تطوير مختلف المجالات في الدولة. وتعمل الدولة على تعزيز ثقافة العلوم والبحث والتطوير عبر إقامة مراكز بحوث على مستوى الدولة في كل إمارة ورفدها بالكفاءات البشرية المؤهلة مع مواكبة أحدث التطورات والتجارب العالمية. كما تؤمن الدولة بأهمية تمكين العلماء والأكاديميين والموهوبين من المشاركة بفاعلية في تطوير البحوث العلمية، وإتاحة الفرصة لهم لتحقيق المزيد من الإنجازات. وتكثيف الجهود لإعداد جيل جديد من الباحثين والمفكرين وأصحاب العقول المبدعة والاستفادة من إمكانات المواهب الإماراتية، التي تتبنى توظيف العلوم المتقدمة والتكنولوجيا الحديثة في مواجهة التحديات، وصولاً إلى تحقيق مستهدفات رؤية الإمارات 2021 ومئوية الإمارات 2071. ومما لا شك فيه بأنّ جذب واستقطاب الخبراء والباحثين الدوليين يسهم إلى حدّ كبير في تعزيز بيئة البحوث والتطوير، وذلك من خلال اعتمادها نهجاً متعدد المحاور في إدارة البحث العلمي. وبالمقابل، يمكن إنشاء بيئة بحثية شاملة تغطي جميع جوانب البحث والتطوير، من التمويل البحثي وحتى التنفيذ، مع تأسيس مختبرات الابتكار وتوفير كراسي بحثية خاصة بالأساتذة الزائرين وتمويلات بحثية وافرة، إلى جانب إنشاء مراكز البحوث الافتراضية التي تعمل كحلقة وصل بين الباحثين والرائدين من خبراء البحث العلمي من جميع أنحاء العالم، بهدف التعاون في مجال الإبداع والابتكار. استقطاب الكفاءات أكد جورج توماس، الرئيس التنفيذي في شركة «بيناكل سمارت تكنولوجيز»أهمية البحوث والتطوير في إبراز الشخصية أو الهوية العلمية للإمارات، مشيراً إلى أنه لطالما ارتبطت زيادة الاستثمارات في الأبحاث والتطوير ارتباطاً وثيقاً ومباشراً بتطوير الاقتصاد الإماراتي من تقليدي إلى اقتصاد رقمي، وهو ما ساهم بترسيخ الهوية العلمية والرقمية للإمارات، كما ساعد في المحافظة على ريادتها التكنولوجية والاقتصادية على الصعيد العالمي. وأضاف: «نحن بحاجة لإعادة تركيز استثمارات الأبحاث والتطوير على مجالات وميادين ذات صلة بالتطور الاقتصادي لدولة الإمارات، حيث تحتاج الإمارات لبذل المزيد من الجهود في استقطاب الكفاءات والمواهب من مناطق أخرى. كذلك يجب العمل على إنشاء المزيد من المنصات التعاونية، وتحفيز الكيانات ذات الصلة». تحفيز الابتكار من جانبه يقول أدريان بيكرينج المدير العام الإقليمي لشركة «ريد هات»، إنه وبالنظر إلى أن تشكيل ورسم معالم المستقبل يتضمن مجموعة متنوعة من القطاعات، فإن عملية البحث والتطوير والذكاء الاصطناعي تعد ركيزة أساسية في هذا المجال. ومن وجهة نظر الأعمال، فإن عملية تطوير المنتجات والخدمات وتصميمها وتحسينها تنبع من مدى قدرتنا على تجاوز حدود المعرفة السابقة وابتكار مجالات جديدة للتحسين. ويمكن أن يساهم وجود أعداد أكبر من الطلاب الذين يسعون للحصول على درجات علمية في المجالات القائمة على العلوم والتكنولوجيا في توفير قاعدة من المواهب التي يمكنها المساهمة في عملية البحث والتطوير وتحقيق نتائج إيجابية على صعيد تنمية القطاع الخاص الاعتماد على التقنيات والحلول الرقمية الحديثة. ويضيف: «نفخر في ريد هات بمبادراتنا وجهودنا المبذولة في مجال البحث والتطوير بما يساهم في دعم توجهات الإمارات. وقد دخل مهندسونا في شراكات مميزة مع باحثين وطلاب جامعات لإجراء مشاريع بحثية تسهم في توسيع معرفتنا وتلبية تطلعاتنا المشتركة. وتشمل هذه الأنشطة الذكاء الاصطناعي (AI) والتعلم الآلي (ML) والسحابة وأنظمة التشغيل والأمان والخصوصية والتشفير. وبالنظر إلى المستقبل، فإننا نسعى جاهدين لزيادة أنشطتنا في مجال البحث والتطوير وتطبيق ما نتعلمه على مختلف الجوانب المتعلقة بمشروع»تصميم الخمسين عاماً القادمة«. المجتمع الشامل أفاد حمد عبيد المنصوري مدير عام الهيئة العامة لتنظيم قطاع الاتصالات أن الحكومات الرقمية تنتقل اليوم من مفهوم الحكومة الشاملة (Whole of Government) إلى مفهوم المجتمع الشامل، أو الأمة الشاملة . وفي الوضع الجديد لا يوجد فصل بين القطاعات، ولا وجود لظاهرة المؤسسات المنعزلة (silo). فالكل يخدم الكل، والكل يكمّل الكل، والأمر أشبه بالبيئة الحيوية أو النظام المتكامل (Ecosystem) حيث يسود التضافر والتكامل والترابط لمصلحة الإنسان. وأوضح المنصوري: «لتقريب الصورة بشأن العلاقة بين القطاعات، دعنا نتأمل صورة إنترنت الأشياء (IoT)، حيث ملايين الأجهزة والأنظمة التي تتواصل فيما بينها عبر ما يسمى واجهات برمجة التطبيقات (APIs)، هل يمكن للحكومة وحدها إنتاج هذا الوضع وإدارته بمعزل عن الآخرين؟ بالطبع لا. دور الحكومة هنا دور تنظيمي وإشرافي أكثر من كونها مزوداً للخدمات والأنظمة. أما باقي المهمة فتقع على باقي مكونات المجتمع». المواهب الشابة محركات رئيسة للاقتصاد المعرفي قال جورج توماس، الرئيس التنفيذي في شركة «بيناكل سمارت تكنولوجيز» إن هناك حاجة للاستثمار أكثر في المواهب الشابة. لأنها تمثل المحركات الرئيسة للاقتصاد المعرفي، إذ لا يمكن إغفال هذا الجانب خلال عملية بناء اقتصاد قائم على المعرفة، وهو ما تقوم به دولة الإمارات حالياً من خلال تشجيع المؤسسات والشركات على استقطاب المواهب الشابة عبر توفير العديد من التسهيلات لها في هذا الإطار، وهو ما يساهم حتماً في تطور قطاع الأعمال بالتوازي مع النمو الاقتصادي الحالي للدولة. وأفاد أن التحول الرقمي يساعد قطاع المشاريع الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة على تبني التقنيات المبتكرة، ويشجعها على الشراكة مع موردي التكنولوجيا الرائدين حول العالم لاعتماد التقنيات المتطورة. كما يساعد أيضاً من خلال لعب دور رئيسي في إدخال الابتكارات إلى قطاع الأعمال وحياة الناس من خلال التكنولوجيا. وأضاف: «إن غرس ثقافة التحول الرقمي في القطاع الصناعي سيقود بدوره الإمارات إلى مستويات جديدة من النمو والازدهار، وهو ما ينعكس بدوره على أعمال الشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة. كما يساعد التحول الرقمي على دفع عجلة الاستثمارات في إنشاء بنية تحتية متطورة، إضافة إلى الاستثمار في الأفراد ومجموعات المهارات لتطوير ابتكارات جديدة». تابعوا أخبار الإمارات من البيان عبر غوغل نيوز طباعةEmailفيسبوكتويترلينكدينPin InterestWhats App
مشاركة :