شهد الطلب على الغاز الطبيعي في العالم أكبر انخفاض له على الإطلاق العام الماضي، حيث أدى فيروس كورونا إلى خفض النشاط الاقتصادي وقلب جميع التوقعات السابقة للنمو المستمر في استهلاك الغاز العالمي. حتى لو كان هذا هو أكبر انخفاض على الإطلاق، فإن تراجع الطلب على الغاز الطبيعي لا يزال أقل من الطلب على أنواع الوقود الأخرى، ولا سيما النفط. لقد انخفض الطلب العالمي على الغاز بنسبة 2.5 في المائة عام 2020 مقارنة بعام 2019، في أول تراجع كبير في الاستهلاك منذ الأزمة المالية 2008 - 2009. لكن على عكس النفط، من المتوقع أن يعوض استهلاك الغاز هذا العام جميع الخسائر من عام 2020، حيث سينمو بنسبة 2.8 في المائة على أساس سنوي، ويعود إلى المستويات التي كان عليها قبل الوباء، حسبما ذكرت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها الربع سنوي الأول لتوقعات أسواق الغاز على المدى القريب. وبالمقارنة، تشير أحدث تقديرات الوكالة نفسها إلى تعافي الطلب العالمي على النفط بمقدار 5.5 مليون برميل يوميا إلى 96.6 مليون برميل يوميا عام 2021، بعد انهيار غير مسبوق بلغ 8.8 مليون برميل يوميا العام الماضي. ولن يحدث تعافي الطلب البالغ 100 مليون برميل يوميا الذي شهدناه عام 2019 حتى عام 2022 على أقرب تقدير. لقد كان الطلب على الغاز عام 2020 أكثر مرونة من النفط بفضل الانتعاش السريع في الاقتصاد الصيني عام 2020 بعد صدمة جائحة كورونا في أوائل العام، وانخفاض أسعار الغاز الطبيعي المسال LNG في فصلي الربيع والصيف، ما حفز المشترين على التخزين، والتحول من الفحم إلى الغاز في آسيا. كل هذه العوامل حالت دون انهيار الطلب العالمي على الغاز العام الماضي. وتوقعت الوكالة انتعاش استهلاك الغاز في هذا العام بالكامل إلى مستويات 2019. يأتي هذا التوقع مع تحذير من استمرار ارتفاع معدلات عدم اليقين في أسواق الطاقة العالمية، ولا سيما فيما يتعلق بوتيرة التعافي الاقتصادي العالمي، التي ستحدد استهلاك الغاز في القطاع الصناعي، وتحديدا في الصناعات المعتمدة على التصدير في آسيا. هناك تحذير آخر في توقعات الطلب على الغاز لعام 2021 وهو أن مناطق مختلفة ستتعافى بوتيرة مختلفة. من المقرر أن تمثل الأسواق الناشئة في آسيا، إفريقيا، أمريكا الوسطى والجنوبية، والشرق الأوسط نحو 70 في المائة من نمو الطلب العالمي على الغاز هذا العام، في حين أن التعافي في الأسواق الناضجة سيكون أكثر تدريجيا وسيظل بعضها يرى الطلب دون مستويات 2019. رغم انخفاض الطلب العالمي على الغاز العام الماضي، إلا أن تجارة الغاز الطبيعي المسال استمرت في النمو، وإن كان بوتيرة أبطأ مما كانت عليه في الأعوام السابقة. في عام 2021 من المتوقع أن تعود تجارة الغاز الطبيعي المسال بشكل كبير، بينما من المقرر أن تزيد الصفقات قصيرة الأجل والصفقات الفورية من حصتها في إجمالي تجارة الغاز الطبيعي المسال العالمية. في هذا الجانب قالت وكالة الطاقة الدولية نقلا عن بيانات شحن: إن حجم الغاز الطبيعي المسال المتداول في الصفقات الفورية وقصيرة الأجل استمر في الارتفاع في 2020 بنسبة 8 في المائة. وشكلت عقود الغاز الطبيعي المسال الفورية وقصيرة الأجل 37 في المائة من تجارة الغاز الطبيعي المسال العالمية، وهي أعلى حصة لها على الإطلاق. وبالتالي، رغم الانخفاض العام في الطلب على الغاز العام الماضي، إلا أن الأسواق أصبحت أكثر سيولة. من المتوقع أن يزداد إجمالي تجارة الغاز الطبيعي المسال هذا العام بنسبة 6 في المائة سنويا، لتصل إلى 375 مليون طن متري، مقارنة بالنمو الضئيل بنسبة 0.9 في المائة العام الماضي، حسبما قال رئيس محللي الغاز الطبيعي المسال في "بلومبيرج". من جانبها قالت شركة ريستاد إنيرجي Rystad Energy في تقريرها الأخير: إنه رغم عمليات الإغلاق واسعة النطاق في العام الماضي ارتفعت واردات الغاز الطبيعي المسال العالمية إلى 363 مليون طن. زاد الطلب على الغاز الطبيعي المسال في آسيا بنسبة 4 في المائة سنويا عام 2020، مدفوعا في الأغلب بالصين. من المقرر أن ترتفع واردات الغاز الطبيعي المسال العالمية أكثر من الضعف بحلول عام 2040، لتصل إلى 736 مليون طن، حيث تقود آسيا الزيادة، وفقا للشركة. تراجعت الأسعار الفورية للغاز الطبيعي المسال من أعلى مستوى سجلته في وقت سابق من الشهر الماضي، مع انتهاء موجة البرد في آسيا. في هذا الجانب، قالت "وود ماكينزي" في تقرير لها نهاية الشهر الماضي: "الطلب الفوري على الغاز في فصل الشتاء في آسيا يتبخر بسرعة في آذار (مارس) ونيسان (أبريل)، والأسعار الآجلة تنخفض بالفعل بسرعة". ومع ذلك من المقرر أن تدعم مستويات المخزون المنخفضة بعد نهاية الشتاء الأسعار، وكذلك الطلب على الغاز، حيث سيسعى شمال آسيا وأوروبا لإعادة ملء تخزين الغاز. وأضاف تقرير "وود ماكينزي": "في الوقت نفسه، فإن التوقعات بارتفاع أسعار الفحم والكربون في أوروبا، مدفوعة جزئيا أيضا بموجة البرد الحالية، توفر مجالا لارتفاع الطلب على الغاز في الصيف في أوروبا". رغم أن هذا العام سيشهد تسارعا في تجارة الغاز الطبيعي المسال والطلب عليه، إلا أنه سيسلط الضوء أيضا على التأثير البيئي للغاز الطبيعي المسال ومشاريع الغاز الطبيعي الأخرى. وفقا لشركة ريستاد إنيرجي، سيقفز الطلب العالمي على الغاز بنسبة 26 في المائة حتى عام 2040، مدفوعا بآسيا، لكن السياسات البيئية في أوروبا والنمو في مصادر الطاقة المتجددة سيؤديان إلى انخفاض في الطلب الأوروبي من عام 2024 فصاعدا. من المقرر أن تفقد أوروبا 43 مليار متر مكعب من الطلب على الغاز بحلول عام 2040 مقارنة بمستويات عام 2020. وقالت "ريستاد إنيرجي": إن الطلب في الولايات المتحدة معرض أيضا للخطر بسبب السياسات البيئية الجديدة التي تطبقها الإدارة الجديدة. في هذا العام، يتوقع السوق والمحللون رؤية ما سيحمله مستقبل الغاز الطبيعي في تحول نظام الطاقة. حيث بعد أعوام من وصفه بأنه الوقود المجسر من توليد مزيد من الكهرباء كثيفة الكربون إلى الطاقة المتجددة، يخضع الغاز الطبيعي الآن للتدقيق من جانب صانعي السياسات، خاصة في أوروبا، لانبعاثات غاز الميثان، التي تعد أكثر ضررا من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. في هذا الجانب، يقول نائب الرئيس التنفيذي لـ "وود ماكينزي": "سيحتاج صانعو السياسات إلى توضيح خطط إزالة الكربون، بما في ذلك كيفية رؤيتهم لدور الغاز الطبيعي، بعد التعهدات بتحقيق الحياد المناخي، مشيرا إلى أن إزالة الكربون من الغاز الطبيعي سيصبح أولوية استراتيجية لصناعة الغاز الطبيعي".
مشاركة :