فلاح الإنسان مرهون بإصلاح نفسه

  • 9/5/2015
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

قال الشيخ عبد الله إبراهيم السادة، إنه لا نجاح في الدنيا ولا فلاح في الآخرة إلا بإصلاح النفس وتزكيتها. وأوضح أن الإيمان الصادق أعظم سبيل لإصلاح النفس. ونصح بترك المنازعة في الدنيا والمنافسة فيها معتبرًا أن الزهد فيها من سبل إصلاح النفس. وذكر في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس بجامع مريم بنت عبد الله بالدفنة أن النفس خَلقٌ من خلق الله في بريته، وآيةٌ عظمى من آياته الدالة على ربوبيته، قال الله عز وجل: "وفي الأرض آياتٌ للموقنين، وفي أنفسكم أفلا تبصرون". وقال: إن إصلاح النفس أساسٌ عظيمٌ في تهيؤ الإنسان للخلافة في الأرض، وإعمارها بالخير والطاعة والتقوى، فالنفس شأنها عظيمٌ، وخطبها جسيمٌ، من زكاها فقد أفلح، ومن دسّاها فقد خاب. ولقد أقسم الله عز وجل بها في كتابه الكريم، والله العظيم لا يقسم إلا بعظيم، إذ يقول جل في علاه: "ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها". وقال تبارك وتعالى: "لا أقسم بيوم القيامة، ولا أقسم بالنفس اللوامة". وأوضح أن النفس إما أن تكون مطمئنة وهي التي سكنت إلى ربها وطاعته وأمره وذكره، ولم تسكن إلى سواه، واطمأنت بأن الله وحده ربها ومعبودها ومالك أمرها كله. قال الله تعالى: "يا أيتها النفس المطمئنة، ارجعي إلى ربك راضيةً مرضيةً، فادخلي في عبادي، وادخلي جنتي"، وهي التي تلوم صاحبها على الخير والشر وتندم على ما فات وتلوم عليه. قال الله تعالى: "ولا أقسم بالنفس اللوامة"، وإما أن تكون أمّارة بالسوء وهي التي تأمر صاحبها بما تهواه من الشهوات والباطل وتتبع كل قبيح ومكروه. قال الحق عز وجل: "إن النفس لأمارةٌ بالسوء إلا ما رحم ربي". شر الشيطان ونبه على أنه لا نجاح في الدنيا ولا فلاح في الآخرة إلا بإصلاح النفس وتزكيتها؛ مشيرًَا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسأل الله عز وجل صلاح النفس وتزكيتها وتقواها؛ ومستشهدًا بما رواه زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: لا أقول لكم إلا كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، كان يقول: "اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها". كما استشهد بسؤال أبو بكر الصديق رضي الله عنه للنبي قائلاً: علمني شيئًا أقوله إذا أصبحت وإذا أمسيت قال عليه الصلاة والسلام : "قل: اللهم عالم الغيب والشهادة فاطر السموات والأرض رب كل شيء ومليكه، أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه، وأن أقترف على نفسي سوءًا أو أجره إلى مسلم". ولفت الشيخ السادة إلى أن النبي عليه الصلاة والسلام كان لا يركن إلى نفسه ولا يعتمد عليها طرفة عين، وما ذلكم إلا تعليمٌ لأمته ليصلحوا أنفسهم ولا ينخدعوا بها فتهلكهم، فكان يقول في الصباح والمساء: "يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين". سبب الخسران ونبّه خطيب جامع مريم بنت عبد الله إلى أن أقوامًا خابوا وصاروا طوع أنفسهم حتى ظفرت بهم فملكتهم ثم أهلكتهم. وفاز آخرون حين ظفروا بنفوسهم فقهروها حتى صارت طوعًا لهم منقادةً لأوامرهم. واستدل بقول ربنا سبحانه وتعالى: "فأما من طغى، وآثر الحياة الدنيا، فإن الجحيم هي المأوى، وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى، فإن الجنة هي المأوى". علو النفس وشدّد السادة على أن السبيل إلى علو النفس وتزكيتها، والنهوض بها وترقيتها؛ ليس بسهل إلا على من سهله الله، وإن أعظم سبيل لإصلاحها هو الإيمان الصادق؛ فإن الإيمان يضفي على النفس راحةً وطمأنينةً، ويهبها روحًا وسكينةً، فترى الحقائق، وتفكر في العواقب، وتنطلق في ميادين الحياة خلاقةً مبدعةً، تبني وتصلح، وتجني ثمار سعيها طيبةً يانعةً، فيتحاشى صاحبها المعاصي جهده، ويقبل على الطاعات والخيرات دهره. وتحدّث عن سبل إصلاح النفس فذكر منها العلم النافع، الذي يورثها معرفة الله وأسمائه وصفاته، وهو غذاؤها ودواؤها، وطبها وحياتها، فبالعلم ساد من ساد، وارتفع من ارتفع، وبالجهل فسدت نفوسٌ، ودكت معالم وحضاراتٌ. وذكر أنه متى أخذت النفس بالعلم النافع ألهمت السعادة، وجنبت التعاسة، وميّزت بين الحق والباطل في الاعتقاد، والصدق والكذب في المقال، والجميل والقبيح في الفعال. حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا إنما ورثوا العلم، فمن أخذه فقد أخذ بحظ وافر". العبادة الخالصة وقال: بالعمل الصالح والعبادة الخالصة ومتابعة النبي صلى الله عليه وسلم تهنأ النفس وتلهم رشدها. حيث قال الله تعالى: "من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمنٌ فلنحيينه حياةً طيبةً ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) وقال عز من قائل: "قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها". وقال الحسن البصري رحمه الله: "قد أفلح من زكى نفسه فأصلحها وحملها على طاعة الله تعالى، وقد خاب من أهلكها وحملها على معصية الله تعالى". ونوه الشيخ السادة بما للسجايا الكريمة، والأخلاق المستقيمة من أثر في النفوس؛ مبينًا أنه كلما كانت أخلاق المرء صالحةً طابت بها النفس وأشرقت بها الروح، فالأخلاق مرتعٌ خصبٌ في استقامة النفس وصفائها؛ ومشيرًا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو في أول صلاته أن يهديه الله إلى أحسن الأخلاق، وأن يصرف عنه سيئها فيقول: "واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها، لا يصرف عني سيئها إلا أنت". وروى خطيب الجمعة عن الحسن البصري رحمه الله قوله: من ساء خلقه عذب نفسه. وأوضح الشيخ الساده أنه لا يتم للنفس صلاحها وتأديبها، وتزكيتها وتطهيرها إلا بالمحاسبة والمجاهدة، فمن حاسب نفسه وجاهدها في موسم العمل أراحها زمن الحصاد. ومجاهدة النفس تتحقق بإصلاح الفكر بالتعلم، وإصلاح الشهوة بالعفة، وإصلاح العمل بالإخلاص والمتابعة. قال عمر رضي الله عنه: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا؛ فإنه أهون عليكم في الحساب غدًا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم". فإذا حاسب العبد نفسه وجاهدها على مراد الله؛ اهتدى إلى سبيل الله؛ قال الله تعالى:" والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين"، قال ابن القيم: على قدر المجاهدة تكون الهداية. وروى عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "المجاهد من جاهد نفسه". صلاح ونماء وتابع خطيب جامع مريم بنت عبد الله مبينًا أن من سبل إصلاح النفس وتنميتها، وتطهيرها وتربيتها: ترك المنازعة في الدنيا والمنافسة فيها، والتخاصم والتعادي من أجلها، فكم غرّت من رجال!، وأودت من أبطال!، وبدّلت من أحوال!، وجلبت من أهوال!، ولا تستقيم نفس المرء ما دامت إلى الدنيا تواقةً مقبلةً، وعن الآخرة مشغولةً مدبرةً. قيل لبعض أهل العلم: أوصني. قال: عليك بالزهد في الدنيا وأن لا تنازعها أهلها، وأن تكون كالنحلة إن أكلت أكلت طيبًا، وإن وضعت وضعت طيبًا، وإن وقعت على عود لم تضره ولم تكسره. ونصح بالتوبة من الآثام والذنوب، موضحًا أن التوبة سبيلٌ إلى إصلاح النفس من المثالب والعيوب؛ إذ التوبة صلاح ونماء، وتجديد وبناء، فهي تهدم ما قبلها، وتصلح ما بعدها. حيث قال الله تعالى: "إلا من تاب وآمن وعمل عملًا صالحًا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورًا رحيمًا". وروى ما ذكره الإمام أحمد عن وهب بن منبه قال: "مكتوب في حكمة آل داود: حقٌ على العاقل أن لا يغفل عن أربع ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلو فيها مع إخوته الذين يخبرونه بعيوبه ويصدّقونه عن نفسه، وساعة يخلي فيها بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويجمل؛ فإن في هذه الساعة عونا على تلك الساعات". وختم بقول الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفسٌ ما قدّمت لغد واتقوا الله إن الله خبيرٌ بما تعملون، ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون".

مشاركة :