"باسم الله الَّذي خلق البَشر جميعًا مُتساوين في الحُقوق والواجبات والكرامةِ، ودَعاهُم للعَيْش كإخوةٍ فيما بَيْنهم ليُعمِّروا الأرض، ويَنشُروا فيها قِيم الخير والمحبة والسَّلام".بتلك الكلمات التي تضع قواعد عامة للحياة البشرية ولدت "وثيقة الأخوة الإنسانية" في حدثٍ فريدٍ من نوعيه بتوافق كبير بين فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف (حفظه الله) وقداسة بابا الفاتيكان على "وثيقة الأخوة الإنسانية" من أجل السلام العالمي والعيش المشترك.هذه الوثيقة تعتبر نقطة تحول واعدة، إذا تحقق لهذه الوثيقة الفهم العميق والمتابعة الواجبة من كافة المخاطبين بها؛ لأنها لا تقتصر على المُثل الأخلاقية والقيم الروحية التي تمثل الطبيعة الجوهرية للأديان فقط، بل يدخل في إطارها الحقوق والواجبات، ليس فقط بين أتباع الدين الواحد، وإنما أيضًا بين اتباع العقائد المختلفة بصفتهم الإنسانية المشتركة.ولقد احتوت هذه الوثيقة على نقاط إيجابية من منظور القانون الدولي لحقوق الإنسان، وكذلك اتفاقيات حقوق الإنسان التي أبرمت في إطار الأمم المتحدة، وكذلك القانون المرن الذى يشمل الإعلانات والتوصيات الدولية ذات الصلة بمختلف أوجه العلاقات بين الأديان والمعتقدات، هذه الإيجابيات يمكن رصدها في النقاط الآتية:أولًا: هذه الوثيقة التاريخية جاءت بألفاظ تفاهميه، أكثر من كونها اصطلاحية بمعنى: أن كلًا من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، يستخدمان في المادة 18 من كليهما، مصطلح "الدين أو المعتقد"، وهو يشمل الأديان السماوية وغير السماوية وكذلك العقائد غير الدينية.أما "وثيقة الأخوة الإنسانية" فإن أول كلمة في مقدمتها هي كلمة "الإيمان" وهذا اللفظة جوهرية وموفقة، باعتبار أن الإيمان هو مرتكز ومقصود كافة الأديان والعقائد، وبما أن الإيمان قاسم مشترك بين الأديان والعقائد، فإنه يجعل المؤمنين أخوة أيًّا كانت عقائدهم، وسرعان ما ربطت الوثيقة هذا المفهوم التوحيدي الجامع، بمفهوم آخر لا يقل عنه شمولية وتضامنًا، ألا وهو مفهوم الإنسانية.ثانيًا: طبيعة "وثيقة الأخوة الإنسانية" كما تُعرفها ديباجتها، ليست مجرد إعلان نوايا، وإنما هي "دعوة" لكل من يحملون في قلوبهم إيمانًا بالله وإيمانًا بالآخرة، أن يتوحدوا ويعملوا معًا من أجل أن تصبح هذه الوثيقة دليلًا للأجيال القادمة وبرنامج عمل، وهذا ما تؤكده الفقرة الختامية للوثيقة التي تدعو فيها كافة الأطراف المعنية من حكومات، ومنظمات دولية أو مجتمع مدني، وكذلك قادة الفكر المستنير، إلى ترجمة هذه الوثيقة إلى سياسات، وقرارات، ونصوص تشريعية ومناهج تعليمية، ومواد إعلامية، بحيث لا تقتصر الوثيقة على التعبير عن موقف معين، دون محاولة جادة منها لتغيير الواقع، وهو ما سعت إليه الوثيقة.ثالثًا: وسعت الوثيقة في تحديد الأطراف المعنية بمضمونها، مما يعكس أهم مبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان؛ ألا وهو المشاركة الفعالة، من خلال تفعيل دور المجتمع المدني في إعلاء قيم حقوق الإنسان واحترامها والدفاع عنها فهذه ليست مسئولية الحكومات وحدها، بل إن كل طرف فاعل في المجتمع عليه واجبات وله حقوق من بينها أن يهتم بالشأن العام ويدعو لاحترام حقوق الآخرين، وإن كان للسياسات التشريعية، وسلطات القضاء دور كبير فيها.رابعًا: منطلقات وثيقة "الأخوة الإنسانية" ليست دينية فقط، وإنما إنسانية؛ من خلال ربط كل الأديان عبر مفهوم الإيمان بكل ما تعانيه الإنسانية من معنى، من خلال هذا المنطلق، وضعت قاسمًا مشتركًا لكثير من الإشكاليات التي لم تنجح الحكومات للتصدي لها، ولم يكف القانون بنصوصه ولا آلياته الوطنية ولا حتى الدولية للقضاء عليها بشكل حقيقي؛ لأنها لم تتحدث باسم طائفة معينة؛ وإنما هنا تحدثت باسم طائفة كبيرة جدًّا من الفاعلين، وصولًا إلى كل فرد بذاته.خامسًا: تعتبر وثيقة "الأخوة الإنسانية" أكثر وثيقة دولية صادرة عن مؤسسات دينية رسمية بهذا الوزن الروحي والامتداد الجغرافي، والديموغرافي، لتعرضها لموضوعات حقوق الإنسان بمضمونها المعاصر، بشكل هو الأكثر تفصيلًا على حد علمي عن أي وثيقة أخرى، كالحق في الحياة، وحرية التعبير، وحرية العقيدة، وحقوق المرأة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وحقوق المهاجرين.
مشاركة :