الكاتبة الفلسطينية حنان بكير تسرد غربتها "تراتيل عشق"

  • 2/5/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

الكاتبة الفلسطينية حنان بكير تعيش متنقلة بين غربتها وتشردها، من النرويج الى بيروت والعكس بالعكس. لم تستقر في منفاها ولم تغادر تشردها في مساحات العيش والانتظار. الا أن الكتابة أسعفتها وأسعدتها وجعلتها تهتدي الى وطنها الأمثل، وطن الكتابة واللغة. فكانت الرواية والقصة والقصيدة أثاث بيتها ومساحة وطنها الهاديء. كتبت وغاصت مع اللغة واستخرجت منها نبض الوعي الذي فتح ذاكرتها على أوسع مدى.. وتتحدث الكاتبة في هذا الحوار، وتكشف مضامين أخرى من فرحها وتعبها ، وعن عذابات ناسها ووطنها الضائع، فماذا تقول؟: ــــ عرفينا وعرفي القارىء على نفسك. من هي حنان بكير؟ ــــــــــــــ لا أدري كيف أعرّف نفسي، وماذا أقول عن ذاتي.. أنا مواطنة وكاتبة فلسطينية، تحترف عشق وطن، ولدتْ فيه، وطفلة حديثة الولادة، انتقل أهلها الى لبنان، العام 1948. وتحديدا الى حي المنشية في برج البراجنة، التي أعشقها أيضا. ورغم أني من الجيل الذي يُطلق عليه جيل النكبة، إلا أنني نشأت في بحبوحة مادية، ولم أعرف معاناة اللجوء أو الحرمان.. عشت طفولة سعيدة. درست في مدارس الأنروا، وقبلها في مدرسة اتحاد الكنائس الإنجيلية. حاصلة على ليسانس أدب عربي، ودبلوم تربية، وشهادة دكتوراه فخرية. في قلبي طيبة، هي مصدر عذاب لي، وأحيانا تصل حدّ الهبل! ــــ كتابك “تراتيل عشق”. عن أي عشق تتحدثين فيه؟ ـــــــــــــــ تراتيل عشق، هي تراتيل الناس البسطاء، يرتلون عشقهم للوطن المضيّع. يوم اشتغلت على تدوين ذاكرة، قيادات فلسطينية، تم نشر المواد جميعها.. لكن ذاكرة الناس البسطاء، فقد تمّ التحفظ عليها. آلمني الأمر، وقررت جمع قصص عشق هؤلاء الناس، التي بقيت مخزونة في أفئدتهم، ويتلونها على أقاربهم. واعتقدت أن تفاصيل حيوات هؤلاء البسطاء هي التاريخ الحقيقي، الذي لا يكتبه المنتصر المنتشي بنصره، ولا المهزوم المنكسر الإرادة، هم عشاق وكفى. ضبطتُ هؤلاء الناس متلبسين بحالة عشق خُرافي، فقررت استنطاق ذاكرة مثقلة يحملونها، ورسم عشقهم بكلمات حنونة ودافئة. باختصار.. إنها تراتيل عشق الفلسطيني لوطنه.. ـــــــــــــــــــــــ صحيح. تحضر أوطان كثيرة في كتاباتي، وهذا أمر طبيعي لي، كفلسطينية سكنت عدة أوطان، اعتادتها وعشقتها، ورتلت ذلك العشق. أنا فلسطينية المولد، لبنانية النشأة، ونرويجية الجنسية. لفلسطين عشقي الأول. لم نعرفها جغرافيا، لكننّا تربينا على حنين ومواويل جداتنا، ودموع أهلنا، وحلمهم بالعودة. كنا صغارا لا نفقه شيئا، لكنّنا أدركنا تفاصيل ملحمة وتراجيديا الوطن بالمشاعر والأحاسيس. لبنان هو الوطن العملي منذ طفولتنا وشبابنا وحتى الآن. أحمل له حبّا، يعادل حبي لموطني الأول. حمل معنا صليب قضيتنا. وعركتنا الحياة والحروب معا. عشقنا لبنان بترابه وطرقاته وبحره، وهو الشبيه المماثل لفلسطين. كتبت ذات مرة:” أحبّ لبنان بصمت عاشقة في مجتمع مرتاب، حتى لا يُفهم أننا نريده وطنا بديلا”! نحب لبنان، لكن تبقى فلسطين هي الوطن الذي لا بديل عنه.. النرويج، هي الوطن الذي أحمل جنسيته، وبعد أن اعترف بانتمائي لبني البشر، وأني انسانة بكل المقاييس. أزال رعبي من عبور الحدود والمطارات. وربما هو الوطن الذي استطيع الجهر بحبه بلا خوف، أو سوء تفسير.. وزاد عشقي له أن لي أربعة أحفاد نصفهم نرويجي لناحية آبائهم! فحين أكتب عن الوطن، أستحضر أوطاني الثلاثة.. رغم أني أعتبر نفسي كونية المشاعر، وبانتماء عالمي.. لكنه انتماء يمرّ من فلسطين أولا.. فإن لم أخلص لموطني الأول، فلن يكون لي وفاء لإنسانيتي وللعالم. ــــ تبقى فلسطين الحاضر الأكبر في كتابك.هل هو الحنين أو الألم والشوق للأرض المسلوبة؟ ــــــــــــ هو مزيج من كل هذا! نجح أهلنا بامتياز، في زرع حب الوطن، وأثمر زرعهم.. حكايا الوطن، والغزل بخضاره وفاكهته التي هي ” غير شكل “، وبحره الذي لا يشبهه بحر.. ذلك الحنين الموجع.. وحلم العودة كلها تعمل على تأكيد ذلك العشق. بالمناسبة، سأخبرك شيئا عن كبارنا، قبل رحيلهم. وهي صفة عامة مشتركة بينهم.. عاشوا أيامهم الأخيرة، منفصلين عن واقعهم.. وكأن أرواحهم غادرتهم وعادتْ الى ربوع الوطن، إلى عكا وسائر أخواتها.. ليس من نوع الخرف، فهم يسردون حكاياهم بكل دقة، وبذاكرة متوقدة ومتوهجة.. لكنهم يهجسون بالوطن، كنوع من التمرد على واقع مرفوض، وظلوا يرفضونه حتى لحظاتهم الأخيرة. ــــــــــــــــــ أتنقل بين بيروت وأوسلو. أحتال على الزمن. في بيروت أكون على سجيتي، قال لي ذات مرة شاعر نرويجي، الذي عرفني في أوسلو ثم في بيروت قال: أنت ملاك يسكنك مقاتل. والأميركي جيم، عرفني في بيروت فقط قال: أنت مقاتلة لكن في داخلك طفلة! اختصر الإثنان، كيف أبدو أكثر انطلاقا وقوة في الوطن اللبناني! فهو الوطن الذي، ملأ فراغ الذاكرة، وبيروت تتآخى مع مدينتي عكا التي لم أعرفها. منارة بيروت، الشاطىء المتمدد من لبنان الى فلسطين هو شاطىء واحد. وفي اوسلو، أرفض فكرة التهميش، أي أن أكون مهمشّة، فحققت بعض الحضور في المشهد الثقافي، بقدر ما تسمح لي الظروف.. وفلسطين، التي لا أتنازل عن حلم العودة إليها.. يعني أحتال على زمني، الذي حرمني نعمة الإستقرار في وطن واحد! ـــــ لماذا اخترت طريق الكتابة في حياتك؟ ــــــــــــــــ رغم أني، بدأت الكتابة، في سن متأخرة، إلا أن ميولي الكتابية، ظهرت، منذ صغري، حيث كنت أكتب مواد مجلة الحائط في المدرسة. وكان أساتذة اللغة العربية، يقرأون موضوعاتي الإنشائية، على الطلاب.. لكن ظروفي الحياتية، التي لم تكن لي حرية السيطرة عليها، أبعدتني قليلا عن أجواء الكتابة. سعيدة أني أدركت الأمر ولو متأخرا! ــــ ولماذا هذا النوع من الكتابة النثرية والرواية في نصوصك؟ ــــــــــــــــــ ربما انتقالي للعيش في النرويج، وقراءتي لعدد من الكتاب النرويجيين، وخصوصا حين بدأت كتابة المقالات باللغة النرويجية، حرفني أو أخذني الى هذا النوع من الكتابة. حيث كنت أشارك في قراءات أدبية، مع تحديد للوقت. فعمدت الى الأسلوب القصصي، مع شيء من التشويق، وشعرت بإمكانية التأثير على الجمهور، بنقل قضيتي من خلال القصص المشوقة، لا من خلال المقالة الجامدة، والتي لا تهم الجمهور الغربي بمعانيها.. وقد لقي هذا النوع من الكتابة، الذي هو نصوص تجمع الأدب والمقالة، لقي ترحيبا واستحسانا من جمهور الكتّاب.. وأعترف بفضل المفكر النرويجي وليد الكبيسي، الذي يعيش آخر أيامه الآن.. في تشجيعي، وتعريفي بالمذاق النرويجي للكتابة، وتقديم الفرص لي للقراءة الأدبية عن قضايا إنسانية وبضمنها قصص عشق شعبي. ــــــــــــــــــ الإسهام في تدوين الذاكرة الفلسطينية. وقد بدأتها بحكايا أبي وأصدقائه. وأعتقد أن جيلنا، لا يقلّ مهارة عن جيل آبائنا، في نقل موروث ذاكرة، تستعصي على النسيان، ولا تنصاع للتزوير والتحريف. أعتبر نفسي عرّابة عشّاق الوطن المغمورين. ــــ الحب في نصك مكتوم أو صامت. ماذا تخبرينا عن ملامح الحب في حياتك؟ ـــــــــــــــــــــــ ومن يستطيع أن يحيا بدون الحب؟ أحب الناس أجمعين. أحب أصدقائي، وعائلتي وأحفادي، لا أعرف الحقد ولا الكراهية، ومن نعم الله عليّ، هو محبة كل من يحيطوني .. أما عن الحب الخاص، فيحق لي أن أستعير ” أنا العاشق السيء الحظ”، من محمود درويش. مررت بتجربة قاسية ومريرة، جعلتني أنأى بنفسي، بعض الشيء، عن الطرف الآخر، وأقول بعض الشيء، تبقى هناك محطات جميلة، أحتفظ بها لنفسي.. وربما أشكو من بعض النرجسية.. ـــــ كيف تنظرين الى المرأة الشرقية اليوم في ظل ما نمر به من مصاعب وعذابات؟ ـــــــــــــــــــــــ لست راضية، عن وضع المرأة في مجتمعاتنا الشرقية. فالمصاعب والعذابات، وإن طالت الطرفين، أي المرأة والرجل، إلا انها تقع مضاعفة على كاهل المرأة.. فهي تحمل عبء الرجل، الذي يواجه الهزيمة والإنكسار في المجتمع، فيرتدّ على المرأة كونها الطرف الضعيف، للتنفيس عن قهر مكبوت. رغم أن بروز الكثير من النساء، يتم بالاستناد على رجل، أب أو أخ أو زوج! وفي ظل موجة التديّن المتشدد، يزداد قمع المرأة.. وتكثر جرائم الشرف، ويتم فرض النقاب ويتحوّل كل ما في المرأة الى عورة، حتى اسمها! ويكفي أننا وبعد قرنين من الزمان، عدنا الى طرح موضوع حجاب المرأة وحريتها، ذلك الطرح الذي بدأه، رفاعة الطهطاوي، ومحمد عبده والأفغاني، ويبدو ان الموضوع، بُعث حيّا من جديد. ـــــ وكيف تقوّمين المرأة المبدعة؟ ــــــــــــــــــ لن ندخل في تعريف الإبداع وأنواعه، لكن إذا أخذنا الإبداع بشكل عام هوالإتيان بشيء جديد، أو رؤية جديدة لقضية ما، نستطيع القول أن هناك نساء مبدعات. في الكتابة، وفي الخوض في مجالات كانت حكرا على الرجال.. ومن وجهة نظري، أن هؤلاء السيدات اللواتي أرسين مفاهيم جديدة، في المجتمع، ولعلاقة المرأة والرجل، وريادة المؤسسات المدنية، هؤلاء هن مبدعات، أدخلن مفاهيم جديدة، ولا يهم المجال الذي أبدعن فيه.. كل امرأة خارجة عن مألوف القديم الذي لم يعد يناسب العصر هي امرأة مبدعة!

مشاركة :