اقتصاديونا رجاء.. هذا ليس وقت المجاملات!

  • 9/5/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

قرأت في الآونة الأخيرة العديد من المقالات المنشورة بأقلام بعض الكتاب والاقتصاديين، حول أوضاعنا الاقتصادية؛ ورغم أن شبح الإفلاس هو مبالغة ليس لها ما يبررها؛ أطلقتها مصادر إعلامية أجنبية، فإن ما يدعو للقلق بالفعل هو إصرار بعض اقتصاديينا على التقليل من تأثير تراجع أسعار البترول على اقتصادنا!، وتأكيداتهم على أن البديل (الوحيد) والصائب أمام الحكومة للتعامل مع تراجع الدخل وتغطية عجز الميزانية هو إما السحب من الاحتياطيات أو الاقتراض من البنوك؛ دون النظر للبدائل الأخرى، أو حتى للتداعيات التي يمكن أن تترتب على استمرار وضع كهذا!. والأكيد هو أن نعم الله علينا كثيرة، وثروة النفط إحداها، إلا أن الاعتماد الكبير على دخل البترول فقط هو خطأ استراتيجي وتنموي؛ لم يتم تداركه حتى الآن، كما أن خلط الاقتصاديين بين الملاءة المالية و(قوة ) الاقتصاد هو أمر لا يفيدنا كثيرا في التعاطي الصحيح مع تحدياتنا، لذلك فإن من الخطأ محاولة البعض اختزال القضية، وتصوير التحدي الذي نواجهه كما لو أنه ينحصر فقط في توافر فوائض مالية كافية أو احتياطيات نفطية ضخمة. وفي تقديري فإن التحدي الفعلي الذي يتعين علينا مواجهته لتأمين مستقبلنا وتنميتنا ومصدر دخلنا الرئيسي يتمثل في ما يلي: ١- عدم تحقيقنا تقدما يذكر في جهود تنويع اقتصادنا. ٢- وفرة المعروض النفطي، وتباطؤ نمو الطلب عليه، وترشيد استهلاكه عالميا، وفرض المزيد من الضرائب للحد من استخدامه. ٣- تزايد استخدام الطاقات المتجددة، والتراجع المستمر على تكلفتها، وارتفاع الوعي الدولي بمزاياها المنافسة (بيئيا). ٤- عدم ضمان استمرار اعتماد العالم على الوقود الأحفوري كمصدر رئيس للطاقة؛ ولو لبضعة عقود قادمة. لذلك فإن استمرار بعض اقتصاديينا في ترديد آراء هي أشبه ما تكون بالحقن المخدرة، أدى إلى تفشي (المرض الهولندي) الذي من أهم أعراضه الاسترخاء والتكاسل بسبب وفرة الموارد الطبيعية!، وذلك بدلا عن مبادرتهم لإيضاح العواقب، مع الحرص على عرض الصورة (الكاملة)؛ بشقيها السلبي والإيجابي، عبر تقديم طروحات واقعية ومتوازنة، تساهم في اتخاذ القرارات الصائبة، وقد يقول قائل بأن مسؤولينا يدركون طبيعة المصاعب التي نواجهها، وهذا صحيح، ولكن حيادية آراء المختصين، وشفافيتهم، وبعدهم عن المجاملات التي لا لزوم لها، من شأنه التسريع بإيجاد حلول ملائمة ودائمة للتعامل مع تلك التحديات الفعلية المزمنة. ولتوضيح ما تقدم أشير إلى أن أسعار البترول تخضع لقاعدة العرض والطلب، التي ترتبط بدورها بمعدلات نمو الاقتصاد العالمي؛ خصوصا في البلدان ذات الاقتصادات الناشئة المستهلكة للكثير من الخام، ومعلوم أن هناك علاقة تناسب طردي بين معدل النمو الاقتصادي وأسعار الخام، إلا أن ما يحدث على أرض الواقع هو تراجع سعر النفط بنسبة تتجاوز الـ50% في الوقت الذي تشير فيه تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن نسبة التباطؤ الاقتصادي لن تتجاوز 0.2% هذا العام مقارنة بمعدلاتها في العام السابق!. هذا الوضع يثير بضعة تساؤلات هامة ينبغي أن يتصدى لها اقتصاديونا المخلصون بالتحليل والإجابة، وتقديم الرأي والمشورة، أول تلك الأسئلة هو: كيف نفسر الهبوط (الحاد) لأسعار النفط، مقارنة بالتباطؤ (الطفيف) على النمو الاقتصادي الدولي؟!، أما السؤال الثاني فهو: هل ما نقوم باتخاذه الآن هو أفضل البدائل المتاحة لمواجهة وضع استثنائي كهذا؟، وثالثها: ما هي أكفأ السياسات أو الإجراءات التي يمكن أن نتبناها محليا لنتجنب استنزاف السيولة الوطنية؟، وآخر أسئلتي هو: هل من المهنية والحكمة التقليل من المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها اقتصادنا (الريعي) ومشاريع تنميتنا من جراء تدني أسعار البترول بهذا المعدل الكبير؟. ولو أردت الإجابة فقط على السؤال الأخير، فسوف تكون إجابتي بالنفي القاطع، وهذا بدوره يقودنا إلى العامل الآخر المهم الذي أدى إلى التدهور السريع على أسعار النفط، وأقصد بذلك المنافسة الشرسة من النفط الصخري الأمريكي، وهو ما أدى لإطلاق شرارة التراجع السعري للبترول، إذن فنحن إزاء حالة خاصة وغير تقليدية من هبوط الأسعار، من المستبعد أن يحلها تسارع وتيرة النمو الاقتصادي مجددا، الذي - لو حدث - فسيكون تأثيره محدودا على الأسعار، لأنه ما لم يحدث تخفيض ملموس على الإنتاج أو تغيير جذري على المشهد الدولي، سواء أكان اقتصاديا أو حتى عسكريا، فإن الوضع السابق ينبئ بالمزيد من هبوط الأسعار. والآن، كيف ستؤثر هذه المتغيرات على اقتصادنا، الأكيد هو أن تأثيرها علينا سيكون سلبيا، لأنها ستقلل من استطاعة الحكومة على الاستمرار في تمويل مشاريع التنمية ودفع فواتير الدعم الباهظة، ولكننا بحمد الله من الدول التي نجحت في بناء احتياطيات مالية كبيرة في زمن الوفرة، وبالتالي فإن القدرة والمرونة اللتين تتمتع بهما (ماليتنا) هي ما يؤهل (اقتصادنا) لاحتمال الأسعار المنخفضة؛ ولو مؤقتا، ولكن المشكلة هي عدم معرفة المدى الزمني الذي ستستغرقه هذه المرحلة العصيبة، ولا متى سيتراجع البترول عن مكانته الفريدة التي يتربع فيها على عرش إمدادات الطاقة عالميا؟. أيضا هناك المزيد مما يدعو للتفاؤل، وهو تدني نسبة الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي؛ حتى بعد اللجوء للاقتراض؛ حيث من المتوقع أن يصل لنحو ٤.٥% بنهاية العام الحالي، صعودا من ١.٦% في آواخر عام ٢٠١٤، هذا فضلا عن توفر سيولة ضخمة لدى الجهاز المصرفي تقدر بنحو ٤٨٠ مليار ريال، مع تدني معدلات الفائدة على القروض، إلا أن كل ذلك لا يجب أن يدعونا للتراخي، لأننا لا نعلم ما هو القاع الذي ستهبط إليه أسعار النفط؟، ولا متى ستعاود الأسعار ارتفاعها؟، وإن ارتفعت، هل ستصل إلى معدل يتراوح بين ٨٠-٩٠ دولارا للبرميل؟؛ وهو السعر الذي يفترض أن يحدد نقطة التعادل بين بندي الإيرادات والمصروفات في ميزانيتنا. لكل ما تقدم، فإنني آمل أن يتحلى اقتصاديونا بروح المسؤولية، ليصبحوا عونا لا عبئا!، لاسيما في ظروف اقتصادية وأمنية وسياسية وعسكرية دقيقة كالتي نمر بها حاليا!؛ لأن ما يحدث لأسعار سلعتنا الرئيسية ليس مجرد سحابة صيف، وإنما هو تحد حقيقي، سيكون له تأثيره الملموس على مقدراتنا وتنميتنا ومعيشتنا؛ لو استمرت الأوضاع على ما هي عليه لبضع سنوات؛ لا قدر الله، وهو ما يستدعي تقديم نصائح أكثر بعدا وأشد عمقا وشمولية، تركز على طرح تصورات تعين على زيادة كفاءة الإنفاق، وترشيد المصروفات، والتوجه نحو التخصيص، والتسريع بالتحول نحو الاقتصاد المعرفي، وبما يؤدي في النهاية إلى تنويع اقتصادنا وخلق نمو مستدام؛ يتضاءل فيه تدريجيا الاعتماد على دخل البترول، هل يفعلون؟. gbadkook@yahoo.com للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ،636250 موبايلي، 738303 زين تبدأ بالرمز 135 مسافة ثم الرسالة

مشاركة :