بين معمر القذافي ... وحافظ الأسد | مقالات

  • 9/6/2015
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

مرّت ذكرى «الفاتح من سبتمبر» وكأنّها من ماضٍ سحيق. طوى النسيان الذكرى التي كانت ليبيا تحتفل بها منذ العام 1969 في مناسبة وصول معمّر القذّافي إلى السلطة إثر انقلاب عسكري قضى على كلّ ما هو حضاري في البلد، كما قضى على أي مستقبل له. لم يكن مرور الذكرى مرور الكرام أمراً طبيعياً بأي شكل، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار ما ارتكبه فرد في حق شعب بكامله وببلد كان، إلى ما قبل فترة قصيرة، موجوداً على خريطة العالم. رحل معمّر القذافي بالطريقة التي تليق به وبما ارتكبه، ولكن ليس قبل تدمير البلد. المؤسف أكثر من أيّ شيء آخر، أنّ ليس ما يشير إلى أنّ في ليبيا من هو قادر على الاستفادة من تجارب الماضي القريب والوقوف، ولو دقيقة صمت، على أرواح ضحايا القذافي الذي قتل في خريف العام 2011 على يد شبّان هائجين لم يكن لديهم سوى هاجس الانتقام. ليس وارداً أن تعود ليبيا. انتصرت فكرة «الجماهيرية»، أي الفوضى المدروسة التي اعتمدها القذّافي في إدارة شؤون الدولة. كانت النتيجة الأولى لما فعله الرجل، الذي حكم طوال اثنين وأربعين عاماً، القضاء على الدولة ومؤسساتها...كي لا تقوم لها قيامة في يوم من الأيّام. هل من سمّى نفسه «القائد» كان يعي ذلك ويهدف إليه؟، الأرجح أنّه كان يستوعب تماماً النتائج التي ستترتب على أعماله وخطواته المدروسة. لم يكن معمّر القذّافي يعبد إلّا معمر القذافي. كان معمّر القذّافي يحسد حتى نجله سيف الذي يمكن القول، على الرغم من رعونته، أنّه أضحى الضحية الأولى لوالده! عفواً، وجد من يتذكّر «الفاتح من سبتمبر» ومثل هذا النوع من «الثورات». لم يجد النظام السوري أفضل من ذلك اليوم كي يحتفل بإقامة ساحة في دمشق سميّت ساحة «كيم ايل سونغ» وذلك في مناسبة الذكرى السبعين لقيام جمهورية كوريا الديموقراطية الشعبية، أي كوريا الشمالية، التي تعتبر بكلّ المقاييس، إلى جانب سورية ـ النظام العلوي، أسوأ دولة في العالم. كوريا الشمالية هي الدولة الستالينية الوحيدة الموجودة على الكرة الأرضية. لم تجد هذه الدولة من يحتفل بذكرى قيامها سوى النظام السوري. هل أراد بشّار الأسد شكر بيونغ يانغ على الصواريخ التي ترسلها إليه كي يمعن في قتل السوريين وتدمير ما بقي من البلد؟ هناك حكام نذروا أنفسهم لتدمير بلدانهم. كان معمّر القذافي من هذه الطينة لا أكثر ولا أقلّ. كان التدمير بالنسبة إليه هدفاً بحدّ ذاته. كان رجلاً مريضاً بالفعل. لعلّ أخطر ارتكاباته أنّ الليبيين صاروا على شاكلته، في معظمهم طبعاً. صاروا وحوشاً بشرية. لا يوجد تفسير آخر لما حلّ بالبلد بعد رحيل القذّافي. تحوّلت ليبيا إلى قاعدة للإرهاب والإرهابيين بعدما اجتاحها التطرّف الديني، الذي تعتبر حركة الإخوان المسلمين حاضنته وفي أساسه. باتت ليبيا تشكل تهديداً لكلّ جيرانها في وقت صار المواطن الليبي على استعداد للهجرة بكلّ الوسائل المتاحة إلى أي بلد في العالم هرباً من الأرض التي كان يفترض بها أن تحتضنه وأن ترعى أولاده. يسير النظام السوري على خطى القذافي. من يكافئ كوريا الشمالية على الصواريخ التي ترسلها إليه من أجل قتل شعبه، لا يكون لديه مثل أعلى غير القذّافي والتجربة الليبية. الفارق أن حافظ الأسد استطاع توريث ابنه كي يكمل مهمّة تدمير سورية وتفتيتها في حين تولّى معمّر القذافي المهمّة بنفسه، ولم يكن في حاجة إلى الابن لتنفيذ عملية التدمير الشاملة لليبيا. ربّما خشي ألا يكون الابن على الموجة نفسها وأن يقوم بجهد ما يصبّ في إعادة الحياة إلى البلد، هذا إذا افترضنا حسن النيّة تجاه ما كان ينادي به سيف الإسلام القذافي. سيف الإسلام موجود في السجن حالياً، ولا يزال الرجل ينتظر محاكمة عادلة تشير إلى أنّ شيئاً ما تغيّر في البلد منذ رحيل معمّر القذافي. سيحاسب التاريخ النظام السوري مثلما حاسب «الجماهيرية». ولكن هل يمكن أن ينصف التاريخ سورية والسوريين الذين يدفعون اليوم ثمن الانقلاب العسكري الأوّل لحسني الزعيم الذي كان في العام 1949 بداية القضاء على الحياة السياسية والاقتصادية في بلد كان مؤهّلاً لأن يكون بين الدول الأكثر تقدما في الشرق الأوسط. لم تشهد ليبيا سوى انقلاب عسكري واحد تكفّل بالقضاء عليها. أمّا سورية، فإنّ تاريخها الحديث حافل بالانقلابات وصولاً إلى الانقلاب الأخير لحافظ الأسد في العام 1970 والذي يبدو أنّه نهاية الانقلابات ونهاية سورية في الوقت ذاته. تحصد دول مثل ليبيا وسورية ما زرعته الانقلابات العسكرية التي أوصلت أيضا العراق والسودان إلى ما وصلا إليه، خصوصاً بعد إطاحة الملكية في مصر في العام 1952. ليست دول الخليج وحدها التي نجت من شرّ الانقلابات العسكرية. لبنان نجا أيضاً، ولكن إلى حدّ ما فقط. كانت تجربته قابلة للحياة لولا إصرار حافظ الأسد على مدّ تجربته السورية، ذات الطابع المذهبي الطائفي إليه. اعتمد خصوصاً على ضرب النظام اللبناني، كي لا يكون من أمل بتسرّب الحرية إلى سورية. استفاد من الانقسامات الطائفية والوجود الفلسطيني المسلّح في الوقت ذاته. تظاهر بحماية حقوق المسلمين من السطوة المسيحية من جهة وعمل على تخويف المسيحيين من السلاح الفلسطيني بصفة كونه سلاح المسلمين من جهة أخرى. كان الأسد الأب تجربة مميّزة بحدّ ذاتها في مجال ضرب نسيج المجتمعين السوري واللبناني. كان هدفه في كلّ وقت وضع اليد على لبنان وتحويله إلى محافظة سورية لا أكثر يحكمها الضابط السوري المقيم في عنجر... في ذكرى «الفاتح من سبتمبر»، يمكن الحديث طويلاً عن مآثر الانقلابات العسكرية التي قضت أوّل ما قضت على المدن العربية بهدف ترييفها. في السنة 2015، نجد أن الأمر لم يعد مقتصراً على هذه المدينة أو تلك. هناك دول باتت مهدّدة في وجودها. ما يجمع بين هذه الدول هو البيان الرقم واحد الذي لم يجد، لحسن الحظ من يذيعه لا في المملكة المغربية ولا في المملكة الأردنية الهاشمية...ولا في أي دولة عربية في الخليج. الصورة سوداء في كلّ دولة عربية أذيع فيها البيان الرقم واحد. لا مستقبل لأي دولة عربية حصل فيها انقلاب عسكري. ليبيا مثال صارخ على ذلك وعلى إفلاس كلّ الأنظمة العسكرية ـ الأمنية التي أوصلتنا إلى وضع لم يعد من مصير ينتظر سورية غير المصير الليبي.

مشاركة :