هناك مقولة مأثورة في التاريخ العربي والإسلامي، تنسب إلى الإمام علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- تقول «لا تحملوا أولادكم على أخلاقكم، فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم» إن أمعنا النظر في هذه المقولة لوجدنا أنها تتحدث عن التغير الذي يحدث في المجتمع ومدى الاختلاف الذي قد يحدث ما بين جيلين من ذات المجتمع، فصلت بينهما فترة زمنية قد تكون أوجدت الكثير من العوامل الداخلية والخارجية، التي خلقت طرائق تفكير ومعيشة جديدة قد تكون صنعت معها أخلاقا وقيما مختلفة عما سبقها بنسب معينة.هذه النسب التي نستشعرها باختلاف أبنائنا عنا، واختلافنا عن آبائنا هي تحديدا أقرب مظاهر التغيّر الاجتماعي الذي هو أحد سنن الله في الكون وفي المجتمعات البشرية.الإشكالية أن البشر لا يزالون ينكرون وبإصرار وجود التغير الاجتماعي باعتباره أمرا حتميا وطبيعيا لحياتهم على الأرض، ويصرون على أنهم مجرد امتداد لحياة آبائهم، وأن على أبنائهم أن يكونوا نسخة مطابقة لهم، من هنا تأتي صراعات البشر منذ بداية وجودهم على الأرض مع فهم التغيير وتقبله والتعايش معه، عدم التقبّل هذا يزداد تعقيدا وتزمتا كلما كان المجتمع منغلقا على نفسه كما هو حال معظم المجتمعات العربية.في مجتمعاتنا العربية نحن نحارب التغيّر والتماهي مع العصر بكل ضراوة وإصرار، نحاربه تحت مسميات عدة، كالأصالة والحفاظ على الهوية وغيرها من مسميات رنانة وجميلة، لكننا في المقابل ندرك في قرارة أنفسنا بأننا نخشى التغيير، بل نحن مرعوبون منه، ولذلك فإننا نخاف أو غير قادرين على التقدم نحو الأفضل، أي أننا مجرد أناس معلقين بحاضرهم ومفتونين بماضيهم بالشكل الذي يمنح هذه الحالة من الجبن وعدم القدرة على المجازفة الكثير من الصيغ الظاهرية المزيفة، التي هي في حقيقتها ليست سوى مجموعة من الأطر المذهبة التي لا تخفي في مضمونها سوى الخوف من المستقبل، ذلك الشيء القادم الذي لا يحمل في جنباته سوى المجهول غير المعلوم الملامح، بكل ما تحمله هذه الملامح من تفاصيل من الصعب إدراك تفاصيلها وطريقة التعاطي معها ومن ثم العيش بأمان في ظلها.كل هذه التساؤلات بكل ما تحمله من تناقضات مقلقة على الإطارين الفردي والاجتماعي، ومن خلال الفجوة من الحيرة التي صنعتها في العقل العربي منذ البدايات المبكرة للقرن العشرين لا تزال قائمة ومتجددة، ولا يزال العقل العربي برغم مضي قرن كامل على هذا الارتباك، حائرا ما بين الإقدام نحو التغيير أو الوقوف بوجهه.هذه الحيرة التي جعلته يدور حول نفسه بغباء، في الوقت الذي تقدمت فيه بعض مجتمعات العالم في الشرق والغرب بكل شجاعة، فغيرت وطورت أنفسها لتتصدر المجتمعات البشرية علميا واقتصاديا وثقافيا، لنبقى نحن على ذات الحال التي نكرر بها طرح ذات الأسئلة القديمة حول الحداثة والأصالة وكأنهما نقيضان لا يلتقيان مطلقا.
مشاركة :