في ذكرى اليوم العالمي للأخوة الانسانية يقول الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي: «نتذكر في هذا اليوم اهمية تعزيز التعاون في التصدي لخطاب الكراهية وتعزيز التعاون لنبذ التعصب ونشر قيم التسامح والعدل والمساواة من أجل تحقيق الأمن والاستقرار». أولا: ما هي الأخوة الانسانية؟ وما خلفية هذا اليوم؟ ولماذا جعل له يوم؟ يقول الامين العام للامم المتحدة: «إذ نحتفل باليوم الدولي للأخوة الإنسانية، دعونا نلتزم بفعل المزيد من أجل تعزيز التسامح والتفاهم والحوار الثقافي والديني». هذا يعنى أن هذا اليوم ناتج عن شعور عالمي بالحاجة الى رفع مستوى التفاعل بين «الناس»، وقبول الناس لبعضهم البعض بالرغم من اختلافاتهم وتحقيق العدالة الانسانية. المبادئ التي وضعتها الامم المتحدة للتغلب على الكراهية واضحة ومعروفة وأقرتها جميع الشعوب، وتتلخص في احترام الحياة، واحترام سيادة الدول، والاحترام الكامل لحقوق الانسان والحريات الاساسية وتعزيزها، واحترام وتعزيز المساواة في الحقوق والفرص بين الناس وبين الرجال والنساء، واحترام حق كل فرد في حرية التعبير والرأي والحصول على المعلومات، والتمسك بمبادئ الحرية والعدل والديمقراطية والتعددية والحوار. وأن الحرية حق لكل إنسان، اعتقاداً وفكراً وتعبيراً وممارسة.هذه المبادئ والعبارات تلخص مشاكل كثيرة تعاني منها الامة العربية والإسلامية، وهي مبنية على فرضيات لم يتم اختبارها او تفحصها ووضع الحقائق حولها. ولم نتعامل مع ما نتج عنها من أمراض مجتمعية وفكرية بما يكفي من الجدية للتغلب على أخطائها فعلا وتحقيق الامن والاستقرار. هذه المبادئ تضع برنامجا يمكن ان تتبناه الدول العربية لكي تخرج من المآزق او الانسداد التاريخي بحسب تعبير «هاشم صالح». في هذا اليوم بودنا لو ان الوطن العربي او على الاقل بعض الفئات والحكومات تنظر الى الوضع وتحصر المشاكل والامراض الاجتماعية والفكرية التي تعيق الدفع بالأخوة الإنسانية الى الامام بين الناس في المجتمع الواحد قبل النظر فيما بين الدول. ونحن مازلنا نناقش هل المشكلة في الفكر الديني أم في السلوك السياسي أم في الثقافة المجتمعية، ولم نتمكن بعد من الاقرار بأن كلا من هذه الجوانب مأزوم ويحتاج الى اصلاحات عميقة تختبر فرضياتنا الاولية وتتحقق منها.لدينا في الوطن العربي مستويان من المشاكل التي تعيق تحقيق الامن والتسامح والاستقرار، مستوى ديني ومستوى سياسي، والاثنان يغذيان بعضهما. على المستوى الديني رفضنا كل فكر مختلف وتشبثنا بأفكار قديمة صيغت في فترة كانت الدولة العباسية وقبلها الأموية في أوج قوتهما وكانت الهيمنة السياسية في أوجها ترفض اي نوع من المعارضة. صِيغ الفقه والتفسير والحديث في هذه المرحلة وتأثر بها، فنشأت الخلافات بين الفرق التابعة للسلطة والمعارضة لها، أصبحت فئة السلطة هي الأكبر والأقدر على نشر فكرها، وتجمدت هذه الافكار عند القرن الخامس. تصلبت المواقف ولم يعد الاختلاف مقبولا والاخر مرحبا به. والمستوى الاخر سياسيا تزامن مع الديني واختلط به وأخذ منه شرعيته ومنطقه. اليوم يعيش الانسان العربي وهم أنه الافضل، ويشعر الابيض انه افضل من الاسود، والعرقية الفلانية أفضل من عامة الناس. هذه الافضلية هي من اهم مشاكلنا وصراعاتنا في المنطقة العربية وفي العالم. اذا نظرنا الى عالمنا العربي والاسلامي نجد ان معظم مبادئ الأخوة والمساواة والعدالة والحرية إما تم تشويهها بدوافع سياسية لاغراض الهيمنة والسيطرة وإما انها تُنتهك لاسباب واهية وتوضع في وجهها قوانين تحدّ منها وتفرغها من مضمونها. ثم نتساءل: من أين ياتي العنف والكراهية؟ ما ينتشر في عالمنا من امراض هو نتيجة الاخلال بهذه المبادئ. الاخلال يُمارَس من قبل جهات في المجتمع ومن قبل دول ضد أخرى كما يحدث تجاه الفلسطينيين وغيرهم. ان احترام المساواة بين الناس والاقرار بالحقوق جميعها هو اصل التسامح والامن المجتمعي والاستقرار. معالجة الامراض الانسانية ممكنة في ضوء إطار جامع يقر بالمساواة اولا واخيرا، والمساواة بين الجميع وليس لقومية او شعب مختار يستأثر بالخيرات او بالسلطات ويحتكرها لنفسه. لا تنتهي الظاهرة مهما كانت أجهزة الدولة قوية، ومهما حاولت نظم التعليم والاعلام ترويج الفكرة فإنه لا يستقيم ويفشل عند اول اختبار. والاختبارات تأتي غفلة. هذه الصراعات شوهت الاخلاق والمعتقدات وخلقت الفرق المتناحرة. وبدون تدخل السلطة تبقى الاختلافات الفكرية في درجة واحدة من التقبل أو الرفض، وتبقى الحوارات والنقاشات بينهم محدودة حتى وان احتدمت في بعض الحالات. لذلك نجحت الدول الديمقراطية في تقليل حدة الصراع وحولته الى صناديق الاقتراع، حتى وإن لم يكن مثاليا. أمام الدول العربية طريق طويل وشاق لتخطي هذه المرحلة والدخول في مرحلة الصراع الديمقراطي المنظم الذي يرفض استخدام العنف مهما كان ومن أي مصدر حتى من الرئيس الامريكي نفسه.mkuwaiti@batelco.com.bh
مشاركة :