«يجسد مشروع الهيدروجين الأخضر خطة المملكة الطموحة للتنويع بعيدًا عن النفط والغاز الطبيعي، ويعرض نيوم كمركز عالمي للتكنولوجيا والطاقة النظيفة» «يهدف مشروع نيوم إلى إنتاج ما يكفي من الهيدروجين لتزويد حوالي 20 ألف حافلة بالوقود في اليوم» «سيصبح الهيدروجين، بعد 30 عاما من الآن، مثل النفط اليوم».. سيفي قاسمي - الرئيس التنفيذي لشركة آير برودكتس هل يمكن لمشروع بمليارات الدولارات في الصحراء السعودية أن يحفز الطلب على الهيدروجين الأخضر، وهو مصدر طاقة صعب المنال يمكن أن يساعد في القضاء على انبعاثات الكربون من السيارات ومحطات الطاقة والصناعات الثقيلة؟فجاذبية الهيدروجين لا يمكن إنكارها. فهو وعلى عكس النفط والغاز الطبيعي، لا ينبعث منه ثاني أكسيد الكربون وغازات الاحتباس الحراري الأخرى عند الاحتراق، كما يتم تخزينه بسهولة أكبر من الكهرباء الناتجة عن توربينات الرياح والمزارع الشمسية، ويمكن نقله عن طريق السفن أو خطوط الأنابيب. والهيدروجين الأخضر بالذات، الذي يتم إنتاجه باستخدام مصادر الطاقة المتجددة، جذاب بشكل خاص كوقود، لأنه مصنوع من الماء بدلًا من الميثان أو الهيدروكربونات الأخرى.لكن أولئك الذين يتوقعون مستقبلًا للهيدروجين الأخضر يواجهون مأزقًا، وهو: التكلفة العالية لإنتاج هذا الغاز عديم الرائحة وعديم اللون والقابل للاشتعال، وهذه المشكلة لا يمكن حلها جزئيًا إلا من خلال المشاريع واسعة النطاق، التي تؤتي ثمارها الاقتصادية فقط إذا كان هناك سوق واسع النطاق للهيدروجين الأخضر، وهذا غير موجود حتى الآن.وفي نيوم، وهي مدينة مستقبلية ضخمة تتشكل الآن في شمال غرب المملكة العربية السعودية، يعتقد المستثمرون وراء مشروع الهيدروجين الأخضر أن بإمكانهم تحقيق المعادلة الصعبة -عبر إنتاج الهيدروجين الأخضر وفتح سوق جديدة له في الوقت ذاته-.فالمبادرة -وهي عبارة عن مشروع مشترك بين شركة نيوم وشركة الكيماويات الأمريكية إير برودكتس آند كميكالز وشركة أكوا باور السعودية- سوف تستثمر 5 مليارات دولار لبناء ما سيكون أكبر منشأة لإنتاج الهيدروجين الأخضر في العالم. وسيتم استثمار ملياري دولار أخرى في البنية التحتية للتوزيع في الأسواق الاستهلاكية حول العالم، وستركز بشكل أساسي على تزويد السيارات الصناعية والحافلات العامة بالوقود.وتدعو الخطط إلى إنشاء المنشأة المترامية الأطراف، التي لم يتم إنشاؤها بعد، لإنتاج 650 طنًا من الهيدروجين الأخضر يوميًا بدءًا من عام 2025. وسيتفوق إنتاج المنشأة على إنتاج محطة الهيدروجين الأخضر في كيبيك، التي تنتج حوالي تسعة أطنان يوميًا، مما يجعل المنشأة السعودية أكبر منشأة من نوعها في العالم. ويجسد مشروع نيوم خطة المملكة الطموحة للتنويع بعيدًا عن النفط والغاز الطبيعي، ويعرض نيوم كمركز عالمي للتكنولوجيا والطاقة الخضراء.وواحدة من المزايا الرئيسية التي تتمتع بها نيوم في السباق العالمي المتوقع لتطوير الهيدروجين الأخضر هي أن موقع المدينة على طول البحر الأحمر به طاقة شمسية ورياح على مستوى عالمي، وفقًا لبيتر تريوم، رئيس قطاع الطاقة في نيوم. ويقول تريوم إن الطاقة الشمسية ستعمل على تشغيل المحطة خلال النهار، وطاقة الرياح ستستخدم في الليل.ويضيف تريوم إنه ليس من السهل العثور على موقع به رياح وشمس قوية بما فيه الكفاية، فضلًا عن قربه من الميناء. ويقول: «لو لم يكن لدينا هذه الإمكانات، ما كنا لنصبح أول مَنْ يعلن عن استثمار بهذا الحجم».وهناك دول أخرى تحذو حذو المملكة السعودية. فأستراليا، على سبيل المثال، سارعت في الموافقة على مشروع بقيمة 36 مليار دولار في المناطق النائية بالجزء الغربي من البلاد، الذي سيولد 26 ألف ميجاوات من الكهرباء المتجددة، لاستخدامها كطاقة لإنتاج الهيدروجين الأخضر.ويُطلق على معظم الهيدروجين المصنوع للاستخدام التجاري اسم «الهيدروجين الرمادي»، الذي يتم إنتاجه عن طريق تقسيم جزيئات الهيدروكربون في الفحم أو الغاز الطبيعي. وهذه العملية ينبعث منها الكربون. لكن على الجانب الآخر، لا يصدر الهيدروجين الأخضر أي كربون لأنه يعتمد على عملية تسمى «التحليل الكهربائي»، حيث يتم استخدام الكهرباء لاستخراج ذرات الهيدروجين من جزيئات الماء.وتعد شركة آير برودكتس أكبر منتج للهيدروجين في العالم، حيث يُشتق معظمه الآن من الوقود الأحفوري. ولكن من خلال مشاركتها في مشروع نيوم، تراهن الشركة التي يقع مقرها في مدينة ألينتاون بولاية بنسلفانيا الأمريكية بشكل كبير على أن العديد من البلدان ستعطي دفعة لإنتاج الهيدروجين الأخضر لتحقيق أهداف خفض الكربون، وفقًا لما قاله سيفي قاسمي الرئيس التنفيذي للشركة.ويهدف مشروع نيوم إلى إنتاج ما يكفي من الهيدروجين لتزويد حوالي 20 ألف حافلة بالوقود في اليوم. ولكن بدلًا من أن يتم توصيله بالأنابيب أو شحنه إلى المستخدمين النهائيين على شكل هيدروجين غازي أو سائل، سيتم تحويل الهيدروجين أولًا إلى أمونيا، وهي أكثر كثافة وبالتالي أكثر توفيرًا في الشحن. وبعد إرسالها بحرًا إلى آسيا والولايات المتحدة وأوروبا، سيتم تحويل الأمونيا مرة أخرى إلى هيدروجين قبل إرسالها إلى محطات التعبئة التي بنتها شركة آير برودكتس.ويقول قاسمي: «الشيء الوحيد الذي سيتعين على العميل فعله هنا هو شراء سيارة تعمل بخلايا الوقود لاستخدام الهيدروجين». وأضاف: «سيصبح الهيدروجين، بعد 30 عامًا من الآن، مثل النفط اليوم».وهذا تنبؤ جريء يتطلب تغييرات كبيرة في طريقة استخدامنا للوقود والطاقة الكهربائية. ولا يعتقد جميع الخبراء أن هذا سيحدث بسبب التكلفة الهائلة، وضخامة إعادة تصميم البنية التحتية للطاقة في جميع أنحاء العالم. وسيتطلب ذلك تغيير كل شيء من السيارات إلى التطبيقات المنزلية.أيضًا، سيبدو مثل هذا العالم مختلفًا بشكل ملحوظ، حيث ستقوم محطات التعبئة بتوزيع الهيدروجين بدلًا من البنزين. ويمكن ضخ الهيدروجين إلى المنازل لتشغيل السخانات وأفران الغاز. وعلى عكس طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية، يمكن أن توفر طاقة الهيدروجين إمدادًا ثابتًا بالكهرباء لمستخدمي الطاقة الكبار، مثل مراكز البيانات ومراكز التصنيع، عندما لا تهب الرياح ولا تشرق الشمس..وإذا أمكن توسيع نطاقه، يمكن أن يساعد الهيدروجين الأخضر أيضًا في حل العديد من التحديات الكبيرة في الاقتصاد منخفض الكربون، مثل: تشغيل الشاحنات والسفن الثقيلة دون الاعتماد على البطاريات العملاقة، وتوفير الكهرباء على مدار الساعة لإكمال الإمدادات المتقطعة من الرياح والطاقة الشمسية، وإزالة الكربون من العمليات الصناعية الثقيلة، بما في ذلك تصنيع الصلب والخرسانة.ويقول جوليو فريدمان، كبير الباحثين في جامعة كولومبيا، إن التطبيقات المتنوعة للهيدروجين الأخضر يمكن أن تساعده في أن يصبح «سلاح متعدد الاستخدامات» لاقتصاد الطاقة الخضراء، حيث تتعهد الولايات والدول بالوصول إلى صافي انبعاثات كربون صفرية في العقود القادمة.على الجانب الآخر، هناك بعض المهووسين بالطاقة الذين كانوا يسخرون من الهيدروجين، ويقولون «إنه وقود المستقبل، وإنه ربما يظل مجرد حلم». وشهد الهيدروجين، وهو العنصر الأكثر وفرة في الكون، الكثير من الجدال من قبل، وآخر جدال حوله كان في أوائل الألفينيات، عندما تم الترويج له كوقود للنقل، وسط مخاوف من انخفاض احتياطيات الوقود الأحفوري.ولا يزال بعض المستثمرين يشككون بشدة في الهيدروجين، مشيرين إلى تكلفته العالية والتحديات الحتمية لبناء البنية التحتية اللازمة لنشره على نطاق واسع. وتقوم شركة كريسدال كابيتال، وهي شركة استثمارية مقرها نيويورك، ببيع الأسهم في شركات تصنيع خلايا الوقود، التي ارتفع سعر أسهمها هذا العام إلى جانب أسهم خلايا الوقود والطاقة البديلة الأخرى، على أمل أن تتحول هذه الشركات إلى لاعبين كبار في «اقتصاد الهيدروجين». وتستخدم خلايا الوقود التفاعلات الكيميائية لإنتاج الكهرباء من الهيدروجين والأكسجين.وكتبت الشركة في مذكرة بحثية: «لن يتم تعميم اقتصاد الهيدروجين». وأضافت: «سيكون لطاقة الهيدروجين فقط حالات استخدام متخصصة للغاية».وبسبب القيود الحكومية المتزايدة على غازات الاحتباس الحراري، وتزايد ضغط المستثمرين على الشركات لتقليل انبعاثات الكربون، والتقدم التكنولوجي، يعتقد الكثيرون أن حلم نشر طاقة الهيدروجين سيتحقق هذه المرة. وتقدر شركة الاستشارات الإدارية ماكنزي آند كو أن الهيدروجين يمكن أن يمثل 14% من الطاقة المستخدمة في الولايات المتحدة، بحلول عام 2050، مقارنة بما يقرب من صفر% الآن.وهناك عامل آخر يدعم الاهتمام المتزايد بالهيدروجين الأخضر وهو الانخفاض الحاد في أسعار الطاقة المتجددة، التي يقول فريدمان إنها تمثل الآن 50% إلى 70% من تكلفة الهيدروجين الأخضر، حيث انخفضت تكلفة بناء مزارع الرياح والطاقة الشمسية في السنوات الأخيرة مع انخفاض تكاليف التكنولوجيا، وبناء المزيد من المشاريع على نطاق واسع. وتتنافس الرياح والطاقة الشمسية مع الغاز الطبيعي الآن ضمن الوسائل الأقل تكلفة لتوليد الطاقة.ويقول فريدمان: «ستسعى الكثير من الولايات والدول للحصول على الهيدروجين».وجنبًا إلى جنب مع شركاء نيوم، يراهن مستثمرون آخرون كبارًا وصغارًا على أن الهيدروجين الأخضر أصبح أخيرًا في وضع يسمح له بإدراك إمكاناته الكاملة. ومن المتوقع أن تصل النفقات العالمية على مشاريع الهيدروجين إلى أكثر من 400 مليار دولار من الآن وحتى عام 2030، تليها أكثر من 2 تريليون دولار في الإنفاق من 2030 إلى 2050، وفقًا لتقديرات بنك الاستثمار إيفركور آي أس آي.وتقوم بعض شركات صناعة السيارات، بما في ذلك تويوتا موتور وهوندا موتور، بتطوير سيارات بها خلايا وقود الهيدروجين، التي تحول الوقود إلى كهرباء.وفي الوقت نفسه، تدرس العديد من شركات المرافق الكبرى إمكانية تشغيل محطات الطاقة باستخدام الهيدروجين بدلًا من الغاز الطبيعي، الذي يعد الآن الوقود الأساسي لتوليد الكهرباء في البلاد. وعلى عكس مزارع الرياح والطاقة الشمسية، يمكن أن تعمل محطات الغاز طوال الوقت، أو تعمل بسرعة لتلبية ذروة الطلب.وتقود إدارة المياه والطاقة في لوس أنجلوس، وهي أكبر مرفق محلي في البلاد، جهودًا بقيمة 1.9 مليار دولار لتحويل محطة طاقة تعمل بالفحم في ولاية يوتا لتعمل بالغاز الطبيعي والهيدروجين المنتج باستخدام طاقة الرياح والطاقة الشمسية.وفي شمال غرب ولاية نيو مكسيكو الأمريكية، يخطط المطورون لإنفاق ما يصل إلى 2 مليار دولار على محطة طاقة تعمل بوقود الهيدروجين لخدمة عملاء الكهرباء في جميع أنحاء الغرب الأمريكي، بدءًا من عام 2024. وسيستخدم مشروع ليبراتد بارو، بوصفه المبادرة الرئيسية لمحطة الطاقة، ما يسمى «الهيدروجين الأزرق»، الذي يتم إنتاجه عن طريق تقنية احتجاز الكربون قبل التحول إلى الهيدروجين الأخضر، لأنه يصبح أرخص ومتاحًا على نطاق أوسع. وينطوي احتجاز الكربون على التقاط ذرات الكربون عند الإنتاج وتخزينها؛ حتى لا تتمكن من دخول الغلاف الجوي.ورغم كل الوعود التي يقدمها الهيدروجين الأخضر للعالم، إلا أنه يواجه العديد من العقبات، ومنها: التقطع في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، والتكلفة العالية للمحللات الكهربائية، وهي أنظمة معقدة تتطلب عادة استثمارات رأسمالية كبيرة، ولكن أسعارها تتراجع الآن. وعلى الرغم من الانخفاضات في تكلفة الطاقة المتجددة، ستحتاج محطات إنتاج الهيدروجين الأخضر إلى معدلات استخدام عالية، أو طاقة على مدار الساعة تقريبًا، حتى تصبح مربحة.ويصعب تخزين الهيدروجين في صورة غازية، كما أن تسييله مكلف، ولهذا يخطط مشروع نيوم لتحويله إلى أمونيا حتى يسهل نقله. ويمكن أن يضعف أيضًا المعدن عند التلامس، مما يجعل من الصعب نقله عبر خطوط الأنابيب ما لم يتم مزجه بالغاز الطبيعي أو مواد أخرى.ويقول فريدمان من جامعة كولومبيا إن العوائق التي تحول دون انتشار استخدام الهيدروجين الأخضر لا تتعلق بالتكنولوجيا بل بالبنية التحتية. وستحتاج الحكومات والشركات إلى الاستثمار بكثافة في شبكات الطاقة، والموانئ، وخطوط الأنابيب، ومحطات الوقود، التي يمكنها استيعاب الهيدروجين. ويضيف إن تكاليف القيام بذلك ستتولد عبر الاقتصاد العالمي كله، إذا نفذت الحكومات سياسة عامة سليمة لدفع الاستثمار في السوق.
مشاركة :