المطران عون في قداس عيد مار مارون يطالب بإنقاذ الوطن

  • 2/11/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

ترأس راعي أبرشية جبيل المارونية المطران ميشال عون قداس عيد مار مارون والذكرى التاسعة لتوليه مقاليد الأبرشية، في كاتدرائية مار بطرس جبيل، عاونه فيه النائب العام المونسونيور شربل انطون والقيم الأبرشي الخوري فادي الخوري وأمين سر المطرانية الخوري جوزف زيادة والخوري مارون بو خليل، بمشاركة عدد من الكهنة.بعد الإنجيل القى عون عظة قال فيها:"في عيد مار مارون الذي هو عيد أبرشيتنا، وفي الذكرى التاسعة لتوليتي على أبرشية جبيل الحبيبة، أحتفل معكم بالقداس الإلهي لنصلي أولا على نية أبرشيتنا مع كل أبنائها وبناتها من كهنة ورهبان وراهبات ومكرسين وعلمانيين كي يزيدنا الرب من نعمه وبركاته ويقوينا على اجتياز هذه المرحلة الصعبة من تاريخنا، ولأجدد أمام الرب وأمامكم عهد التزامي بأن أكون راعيا صالحا غيورا على مثال يسوع الراعي الصالح الأوحد، لأسير أمام الخراف، مع إخوتي الكهنة معاوني في الرعاية، وأقودهم إلى المسيح مصدر الحياة وجوهرها، وأن أكون الأسقف الخادم الذي يعمل لخير أبناء الأبرشية وبناتها، والذي يشهد أمامهم لمحبة المسيح التي تحثنا وتقدسنا. فأسألكم أن تصلوا من أجلي كي لا أتوانى يوما عن السير وراء المسيح في طريق القداسة".وأضاف:"مما لا شك فيه أن الحياة التي نقضيها في أيامنا الحاضرة ملآى بالصعوبات والأحزان وخيبات الأمل، نتألم كل يوم بسبب تداعيات وباء الكورونا وما يفرضه علينا من حجر وتباعد وعدم لقاء الأحبة والتخلي عن عادات اجتماعية حميدة لطالما تميز بها لبنان. ونتألم مع المرضى الذي يصابون بهذا الوباء، ومع آخرين غيرهم يعانون من أمراض مستعصية. ونبكي مع الذين يفقدون أعزاء لهم وأحباء، كما نحزن ونتألم بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة التي ترخي بثقلها على غالبية شعبنا، دون أن ننسى أن الحزن الأكبر هو ارتباط هذه الأزمة المعيشية والاقتصادية بالأزمة السياسية التي يتخبط بها لبنان، وتيقننا أن العديد من المسؤولين النافذين يكتفون بالكلام عن الإصلاحات دون أن يترجموا كلامهم بأي موقف عملي يساعد على البدء بالإصلاح الذي ينادي به فخامة رئيس الجمهورية. كل ذلك لا بد وأن يقود الإنسان إلى اليأس وفقدان الرجاء".وتابع:"لذلك أريد في عيد أبينا القديس مارون أن أستلهم معكم روحانية هذا القديس الكبير لنضع مجددا رجاءنا بالرب. فمن أجل الحصول على الكنز الحقيقي هجر مارون خيرات الدنيا ومباهجها، ومات عن أمجاد هذه الدنيا فصار نهجا لحياة روحية تسير في طلب الكمال الإنجيلي. نعم، كان مارون حبة الحنطة التي ماتت فتمجد الله من خلال قداسة حياته ودعوة أناس عصره إلى العودة إلى الجوهر في حياتهم. إن عشق مارون لربه يسائلنا اليوم نحن المسيحيين والموارنة خصوصا. لا شك أن كل الخطايا التي نتخبط بها على المستوى الفردي وعلى المستوى الوطني تنبع من حقيقة واحدة: إننا تركنا الله ينبوع الماء الحي واحتفرنا لنا آبارا مشققة لا تمسك الماء، كما يقول النبي أشعيا. إن ما نشهده اليوم من انقسامات واستغلال وطمع وخلافات لهو تعبير واضح عن بعدنا عن الرب. نعم، لقد استبدلناه غالبا بالمال والسلطة والجاه والنفوذ لأننا اعتقدنا أنها هي مصدر سعادتنا".وقال:"يذكرنا مار مارون بأن السعادة الحقيقية تكمن في لقاء الحبيب. إنه الكنز الحقيقي ومصدر الحب والفرح. يقول لنا مار مارون أن اكتشاف الرب في حياتنا يقودنا إلى محبة الأخرين وإلى التفكير بالخير العام والعمل من أجله بروح التضحية والعطاء. إن الألم الذي نعيشه على المستوى الوطني العام كبير هو لأن له انعكاسات على الوضع السياسي والاقتصادي والمعيشي، ولكن جذوره تكمن أيضا في الحياة الشخصية لكل منا، في قلب العائلة وفي القرية الواحدة وفي الحي الواحد. ألا ترون معي هذا الكم من الانقسامات والخلافات والاطماع حتى في البيت الواحد؟ إن دعوة القديس مارون لنا في يوم عيده هي أن نضع الله في اولوياتنا لكي نحبه ونعبده ونسجد له وحده".وأضاف: "نعم، في عيد مار مارون أتوجه إلى كل مسيحي وبشكل خاص إلى كل ماروني، إكليروسا وعلمانيين، لأسأله إذا كان يعيش حقا كابن وكتلميذ لمار مارون؟ فهو يعلمنا في نسكه أن الله هو علة وجود الإنسان ومصدر حياته وسعادته. ويعلمنا أيضا أن المحبة هي التي تبني الإنسان والمجتمعات والأوطان. وأدعو جميع السياسيين المسيحيين وخصوصا الموارنة إلى استلهام روحانية مار مارون للتماسك والتضامن والعمل معا لأجل خير لبنان الذي نحب ولأجل شعبه الحبيب. أدعوهم إلى التعالي عن كل ما يباعد بينهم ويقسمهم، وأدعوهم باسم مار مارون إلى أن يحبوا بعضهم بعضا كما علمنا الرب يسوع لأن المسئولية الملقاة على عاتقهم كبيرة وجسيمة في مسيرة انقاذ الوطن".وتابع: "لا بد من أن استذكر في هذا السياق كلاما قاله الدكتور شارل مالك، المفكر الأرثوذكسي، منذ سبع وأربعين سنة في محاضرة عن الطاقات المارونية في لبنان والعالم، ليبين دور الموارنة الأساسي في الزود عن لبنان ودورهم المحوري في التحديات الكبرى، فيقول: كلنا مسئولون عن لبنان. كل لبناني، كل طائفة، مسئولة عنه. بما وهب أحدنا من قدرة، وبما سنح له من فرص وإمكانات، يعطي لبنان. غير أن الموارنة مسئولون بشكل خاص وفي الدرجة الأولى. فإن توانوا، وقعنا جميعا في الخيبة والحيرة والبلبلة، وإن حزموا أمرهم وقادوا، اشتدت عزيمتنا وصرنا جميعا صفا واحدا متراصا. مصير لبنان يقع في الدرجة الأولى على عاتق الموارنة، وهذا لا يعني مطلقا أن اللبناني اللاماروني غير مدعو لأن ينافس الموارنة في المسئولية التامة عن هذا المصير.إن طائفة كهذه، طاقاتها وإمكاناتها الضخمة، وهذا الرسوخ الصلب في الوجود اللبناني، لتتحمل أكبر قسط من المسئولية في تقرير مصير لبنان. فإذا ناء لبنان بفعل الأحمال التي يحمل والتجارب التي تقذفها في وجهه الأقدار، فلا أقبل بأي حال أن تنحي المارونية باللائمة على أحد غيرها".وختم داعيا إلى "الصلاة على نية كنيستنا المارونية وعلى رأسها غبطة أبينا البطريرك مار بشارة بطرس الراعي كي تبقى أمينة لرسالة الإنجيل في خطى شفيعها مار مارون، وعلى نية لبنان كي ينتصر في أسرع وقت على محنته، وعلى نية المسؤولين السياسيين، لا سيما الموارنة منهم، كي يعوا خطورة مواقفهم وقراراتهم ونزاعاتهم التي لن ينتج عنها سوا الأذى لوطن الأرز الذي نريده وطنا حرا مستقلا لجميع أبنائه، وطن المحبة والسلام والعيش المشترك، فيستنيروا بروحانية مار مارون الذي تاق إلى الخير الأسمى ويعملوا في كل شيء بموجب المحبة التي أوصانا بها الرب يسوع".وفي نهاية القداس القى المونسنيور شربل أنطون كلمة عايد فيها راعي الابرشية باسمه وباسم كهنة الابرشية والموظفين والعاملين في المطرانية وقال:"منذ سنة ونيف ولبنان يسرع الخطى نحو الهلاك، وبين عيد الأمس واليوم، وطننا يزداد سوءا وتعقيدا، وكل أزمة تخبط به، تستنسخ أزمة أخرى أشد قسوة، والشعب الصامت المتألم يحرم يوميا من كرامة العيش. قد لا يحق لنا بالعيد، لأن الألم والخوف يكهلان سنين شبابنا، من وباء يحاصر أمل البقاء، وانهيار سياسي واقتصادي يخنق جمال الحياة".وتابع: "لقد عرينا من ثيابنا وحملنا الصليب حتما، وبات الوطن أشبه بخيمة صغيرة تكاد تقي أجسادنا من الشدائد والصعاب، وبات الآخرون يعيروننا بالضعف والهزيمة وظنوا أن الانهيار آت، لا محال. ولكنهم تناسوا أمرا واحدا، أننا سلالة تلاميذ مارون الناسك الذي اختار الإقامة في العراء كطريقة نسك له، وعندما تشتد الثلوج والعواصف كان يأوي إلى خيمة صغيرة تقيه الشتاء والبرد، إلى أن يعود مجددا إلى العراء شاهدا لله وللحقيقة ليلمع نجمه في أقاصي المسكونة، وقد أخذ عنه هذه الطريقة كل تلاميذه. لذلك، فلا العراء يخزينا، ولا الشدة تحبطنا ما دام مارون شفيعنا لدى الآب".وأضاف:"فيا صاحب السيادة، في ذكرى توليتكم التاسعة لأبرشية جبيل المارونية، ورغم صعوبة الظروف التي تحدق بنا، نعيدكم باسم كل كهنة الأبرشية ورهبانها وراهباتها ومؤمنيها، لأنكم تمثلون أبانا مارون وتجسدون أيضا في هذا الوقت روحانية تلاميذه الذين تحملوا في سبيل عقيدتهم أشد الاضطهادات في شرق كان يتمخض آنذاك بالحروب والانقسامات، وقد سطروا بثباتهم المسيحي قيام الكنيسة المارونية ونشأتها".وختم:"فبوقوفكم الإنساني والمحب إلى جانب شعبكم في هذه الحقبة الصعبة من تاريخنا، لا زلتم يا صاحب السيادة على مبادئكم المستقيمة، ثابتين في نشر كلمة الله وإرشاد المسؤولين بوداعة المسيح وحكمته، وبأمانة تنقلون الإيمان، الوديعة التي ائتمنكم الله عليها، علكم بقوة الله وبتعليمكم الصلب، تحصنون لا فقط كنيستنا الجبيلية بل قيام لبنان الجديد على غرار تلاميذ مارون

مشاركة :