حتى وقت قريب، كان إيجاد حل لمعادلة الاستثمار والبيئة أمرا صعب المنال، في عالم رأسمالي أساسه السعي المستمر نحو مراكمة الأرباح والمكاسب، دون أدنى اعتبار لعناصر البيئة والاستدامة والتجدد. تم تدارك هذا الوضع، في العقود الأخيرة، مع تزايد منسوب الاهتمام بالمسألة البيئية. يزعم فصيل البيئيين "المتطرفين" أن فك تلك الشفرة يبقى حكرا على المستوى النظري فقط، لصعوبة إجراءاته وتنفيذه في الواقع العملي والميداني. يبقى واجبا على هؤلاء ومن في صفهم القيام بزيارة إلى السعودية للوقوف عند تطبيقات عدة لهذه الفكرة البهية، فبعد مضي أسابيع فقط على تدشين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مشروع مدينة صديقة للبيئة باسم "ذا لاين"، التي يقدم نظام العيش فيها صورا عن حياة المستقبل، يأتي إطلاق مشروع جديد، وفق المبادئ والمنطلقات نفسها، تحت اسم "كورال بلوم"، وترادف بلغة الضاد "ازدهار المرجان"، الذي تماهى مع البيئة الطبيعية للجزيرة، حيث ينفذ المشروع. تعدى الأمر حدود التماهي، بحسب الشركة القائمة على المشروع، إلى استلهام الرؤية من البيئة محل التنفيذ، فالفضل الأكبر في بلورة التصميم، يعزى إلى الحالة الطبيعية لجزيرة شريرة، حيث تم تعزيز معالمها الطبيعية، حتى بدت تصاميم الفنادق وكأنها أخشاب طافية جرفتها الأمواج إلى الشطآن لتستقر بين الكثبان الرملية. لقد تجاوز المشروع إذن، حدود المحافظة على البيئة نحو جعلها أساسا ملهما له، فالتصميم حافظ على روعة المناظر الطبيعية المحيطة بالمكان، دون أي معوق يحجب رؤيتها. نحن أمام مشروع من وحي الطبيعة، فالمشروع مستوحى من الشعب المرجانية المزدهرة والفريدة من نوعها التي تشتهر بها المنطقة، والتي تستحوذ على نحو 6.2 في المائة من جميع الشعاب المرجانية على مستوى العالم. تحظى المناظر الخلابة التي ترسمها هذه الثروة الطبيعية، باهتمام السياح من كل بقاع العالم، ما يؤهل المنطقة لتنافس على موقع ريادي، ضمن قائمة أفضل الوجهات السياحية عالميا. كما تشكل حقلا مخبريا للخبراء والعلماء في مجال البيئة والتغيرات المناخية، نظرا إلى دورها المحوري في ضمان توازن قاع البحر، فهي تشجع على نمو النباتات والأعشاب البحرية المختلفة وتكاثرها، ما يسهم في تقليل تأثير العواصف والأمواج على المدن الساحلية. الاستعانة بلغة الأرقام، سيفيد في تقريب الصورة أكثر حول المشروع السياحي الفريد من نوعه عالميا، بالنظر إلى موقعه على جزيرة، تعد رابع أكبر حيد بحري في العالم للشعب المرجانية الكثيفة والحيوانات المهددة بالانقراض. واحدة من بين 22 جزيرة اختيرت بعناية للتطوير مع ضمان المحافظة على 75 في المائة من جزر الوجهة. موقع استراتيجي بمقدور 250 مليون شخص الوصول إليه جوا، خلال ثلاث ساعات فقط. ولا يطلب بلوغه برا، بالنسبة إلى أزيد من 80 في المائة من سكان العالم، سوى ثمان ساعات فقط. حضرت الاستدامة والتجدد في مناحي " كورال بلوم" كافة، فإنشاء المنتجعات السياحية سيكون باستخدام مواد بناء خفيفة، ذات كتلة حرارية منخفضة، ومصنعة خارج الموقع، درءا لكل ما من شأنه أن يشكل تهديدا على الفضاء الطبيعي الخلاب. كما أن المشروع سيعمل بالاعتماد على البطاريات، فمن المتوقع أن تحتضن المنطقة أكبر نظام تخزين للبطارية في العالم، ما يسمح بتشغيل الموقع بأكمله بالطاقة المتجددة، على مدار 24 ساعة. ويشمل ذلك إنشاء محطات تبريد مناطق مركزية، لضمان راحة السياح والعملاء معا. هذا المعطى يؤهل "ازدهار المرجان" لتصبح أكبر وجهة سياحية في العالم، تعتمد بشكل كلي، 100 في المائة، على الطاقة المتجددة. وتعد جائحة كورونا أمرا طارئا على العالم، لا يزال يستخلص الدروس من عام كامل قضاها تحت رحمة الوباء. لكن الأوبئة بالنسبة إلى القائمين على المشروع خطر داهم، يستدعي دمج متطلبات الحماية منها ضمن تصاميم "كورال بلوم". وقد بدا ذلك واضحا من خلال الحرص على توفير مساحات أوسع بين الفنادق والممرات الداخلية. استحضر المشروع كذلك خطر التقلبات الجوية، بالعمل على رفع مستوى أرض الجزيرة، حتى توفر حاجزا للوقاية من خطر ارتفاع مستوى سطح البحر للمحافظة على معالم الجزيرة. تتوالى المشاريع والخطط تباعا، مبشرة بمملكة جديدة، ضمن "رؤية 2030"، لكن وتيرة العمل والإنجاز توحي بأن الموعد سيحين قبل هذا التاريخ بكثير. فخلال أقل من شهرين، شهدنا مشروعين نوعيين، في إطار مشروع البحر الأحمر، أحد أكبر المشاريع السعودية العملاقة في مجال السياحة، الذي يعمل على تطويع أحدث الابتكارات التقنية للمحافظة على الطبيعة والبيئة، وضمان الاستدامة ونقل إرث وكنوز الأجداد البرية والبحرية بمنطقة البحر الأحمر إلى الأجيال القادمة.
مشاركة :