لقد حرم الله الظلم بجميع أنواعه، بل إن الله حرمه على نفسه، كما جاء في الحديث القدسي: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا». وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ}، وعن أبي هريرة رضي الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «..كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه» أخرجه مسلم. وعن أبي بكرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم النحر بمنى في حجة الوداع: «إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا، ألا هل بلغت، قلنا: نعم، قال: اللهم اشهد، فليبلغ الشاهد منكم الغائب» متفق عليه، والظلم يفسد الرضا في العقود كلها، والظلم في البيوع له صور متعددة منها: (الغبن، والغش، والنجش، والاحتكار، وبيع الرجل على بيع أخيه، وغيرها). 1- (الغبن) وهو: كون أحد البدلين في عقد المعاوضة لا يكافئ الآخر في قيمته. كما لو اشترى سلعة بألفين، وقيمتها في السوق بألف. أما الغبن اليسير لا تخلو منه معاملة، وقد جرى العرف على التسامح فيه، أما الغبن الفاحش فهو الذي منعه الشرع. 2- (الغش) وهو: مزج الشيء الرديء، مع الجيد منه. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على صبرة طعام، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللاً، فقال: «ما هذا يا صاحب الطعام؟، قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غش فليس مني»، قال ابن تيمية رحمه الله: «والغش يدخل في البيوع بكتمان العيوب، وتدليس السلع، مثل أن يكون ظاهر المبيع خيراً من باطنه». 3- (النجش) وهو: نوع من أنواع آفات اللسان، خاص بالبيع والشراء، وهو نوع من الخديعة، والمكر، وأكل أموال الناس بالباطل. قال الإمام الشافعي رحمه الله: «النجش أن يحضر الرجل السلعة تباع، فيعطي بها الشيء وهو لا يريد شراءها، ليقتدي به السوام، فيعطون بها أكثر كما كانوا يعطون لو لم يسمعوا سومه». 4- (الاحتكار) وهو: جمع الطعام ونحوه مما يؤكل، واحتباسه انتظار وقت الغلاء. قال ابن قدامة رحمه الله: «والاحتكار المحرم ما اجتمع فيه ثلاثة شروط: أحدها: أن يشتري، فلو جلب شيئاً، أو أدخل من غلته شيئاً فادخره، لم يكن محتكراً، والثني: أن يكون المشترى قوتاً، فأما الإدام، والحلو، والعسل، والزيت، وأعلاف البهائم، فليس احتماراً محرماً. والثالث: أن يضيق على الناس بشرائه، ولا يحصل ذلك إلا بأمرين: أحدهما: أن يكون في بلد يضيق بأهله الاحتكار، كالحرمين، والثغور، والثاني: أن يكون في حال الضيق، بأن تدخل البلد قافلة، فيبادر ذو الأموال فيشترونها، ويضيقون على الناس». 5- (البيع على بيع أخيك): يحرم على المسلم البيع على بيع أخيه، أو يسوم على سومه، لما روى البخاري ومسلم عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يبع بعضكم على بيع بعض»، قال النووي رحمه الله: «أما البيع على بيع أخيه، فمثاله أن يقول لمن اشترى شيئاً في مدة الخيار، افسخ هذا البيع، وأنا ابيعك مثله بأرخص من ثمنه، أو أجود من بثكنه، ونحو ذلك، وهذا حرام، ويحرم أيضاً الشراء على شراء أخيه، وهو أن يقول للبائع في مدة الخيار، أفسخ هذا البيع، وأنا اشتريه منك بأكثر من هذا الثمن ونحوه، وأما السوم على سوم أخيه، فهو أن يكون قد اتفق مالك السلعة، والراغب فيها على البيع، ولم يعقداه، فيقول الآخر للبائع: أنا اشتريه، وهذا حرام بعد استقرار الثمن.»، والراجح أن الحرمة شاملة لمدة الخيار، وهذا ما رجحه الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. ** ** - كاتب العدل والمستشار الشرعي في فقه المعاملات المالية الإسلامية
مشاركة :