تُعد مرحلة الطفولة من أفضل وأجمل المراحل التي يمر بها الإنسان في حياته، ففيها تتكون شخصية الطفل بمهاراته الأساسية التي يستطيع أن يكمل حياته بشكلها الطبيعي، لذا يجب أن تكون طبيعية وسعيدة لا ينتهكها أي عامل قد يلحق به الضرر مستقبلاً أو على المدى البعيد. اليوم نرى بعض الأطفال يتعرضون إلى انتهاكات في خصوصياتهم وحياتهم مما يخرجهم أمام المشاهد بصور وأوضاع غير لائقة ببراءتهم وطهارتهم، وهو ما قد يؤثر عليه سلبياً ويعرضهم للإيذاء البدني أو المعنوي أو استخدامها في الإساءة لهم ولأسرتهم أو التشهير بهم. سلوك عدواني وقال د. خالد الفاخري - الأمين العام للجمعية الوطنية لحقوق الإنسان والمستشار القانوني -: إن المشرع في المملكة حرص على توفير حماية للأطفال من أي ممارسات قد يتعرضون لها من الوالدين وغيرهم، وقد تتفاجأ الأسرة التي لديها سلوك عدواني أو ممارسات قد ينتج عنها انحراف للطفل أو تعريضه لخطر الانحراف بمساءلتها، حيث تقوم الجهات ذات العلاقة باتخاذ العديد من الإجراءات الكفيلة بالحفاظ على الطفل وحقوقه من التجاوزات التي قد يتعرض لها، والتي قد تصل إلى توفير أسرة بديلة ترعى الطفل إذا لم يجد الأمان في محيط الأسرة، أو توفير مكان آمن له في الأماكن المخصصة لدى وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية إذا كان ما يتعرض له قد يؤدي إلى انحرافه، مشيراً إلى أن حرية الأسرة وولي الأمر في التعامل مع أطفالهم مقيد بحدود ملتزمين بعدم تجاوزها، حيث إن سلطة ولي الأمر في التعامل وتربية أطفاله محصورة بالنافع منها له والتي تساهم في تربيته تربية صالحة تؤثر عليه بشكل إيجابي في المراحل الأولية من عمره، وبما تجعله عنصراً نافعا لوطنه ومجتمعه مستقبلاً. تنشئة سليمة وشدّد د. الفاخري على أهمية الحرص على تنشئة الأطفال التنشئة السليمة، والبُعد عن ما يؤدي إلى انحراف سلوكهم، داعياً الجميع بالتبليغ عن أي ممارسات يقفون عليها ويكون فيها إساءة أو تجاوز لحقوق الطفل، حيث حظر النظام الإفصاح عن معلومات المبلّغ عن حالات الإيذاء بشكل عام والأطفال بشكل خاص، ويمكن التبليغ من خلال الرقم الموحد لوحدات الحماية 1919، أو من خلال تقديم بلاغ حول المشاركة الإلكترونية التي فيها تجاوز للأنظمة في تطبيق أبشر، مؤكداً على أن حماية الأطفال والمجتمع من المخالفين هو دورنا جميعاً، ويجب على كل مشهور أن يكون منبرا إيجابيا للمجتمع من خلال ما يتم طرحه من محتوى، وأن لا يكون منبرا سلبيا يؤثر على حقوق أفراد المجتمع بشكل عام، لافتاً إلى أن النيابة العامة في المملكة تعتبر جزءا مهما لحماية حقوق الإنسان ودورها مهم في تحقيق العدالة وحماية الحقوق، وهي مختصة وفقاً للمادة الثالثة من نظامها بعدة اختصاصات من ضمنها التحقيق في الجرائم، بالإضافة إلى التصرف في التحقيق برفع الدعوى أو حفظها طبقاً لما تحدده اللوائح، وهو الأمر الذي يؤكد الدور المهم الذي يقوم به هذا الجهاز في رصد وضبط أي مخالف للأنظمة. وكشف أن متابعة النيابة العامة لما يطرح في مواقع التواصل الاجتماعي ساهم في ضبط مخالفي الأنظمة، بل وإلزامهم على احترام حقوق الأفراد وعدم تجاوز الأنظمة السارية من خلال ما تقوم به من إجراءات ساهمت في الحفاظ على أمن الفرد والمجتمع من أي استغلال أو تجاوز. إساءة واستغلال وتحدثت سمها الغامدي - عضو مجلس هيئة حقوق الإنسان سابقاً - قائلةً: إن أكبر الإشكالات هي تحول المربي من مصدر تعليم وتربية وتوجيه إلى مصدر إساءة واستغلال لسلطته الأبوية لتحقيق أهداف شخصية، ومن ذلك ما ظهر مؤخراً من نشر إحدى مشهورات وسائل التواصل مقاطع فيديو لطفلها بأسلوب استفز كل من اطلع عليه ممن يعلم معنى الوالدية المسؤولة، وهذا للأسف يدل على تدني فهمها وإساءتها له باستغلال لسلطتها كأم دون مراعاة لحقه الذي نصت عليه الأنظمة في الحفاظ عليه من كل ما قد يضر بمصلحته النفسية أو الجسدية، أو حتى تؤثر على تفكيره وعقليته، أو يدفعه للتوجه مستقبلًا لما يخالف السلوكيات الجيدة، نظراً لما بني في ذاته من سلوكيات سلبية سيبقى أثرها ولن يزول بسهولة، وهذا هو الأخطر والذي ينبغي معالجته مبكرًا، ذاكرةً أن نظام حماية الطفل يجرم كل انتهاك لخصوصيته أو استغلال أو إساءة له من خلال سلطته عليه، سواء كان أحد الوالدين أو أي شخص آخر، لذلك لا يعني كونها والدته أنه يحق لها ذلك التصرف بل سيؤدي الى محاسبتها، كما إنها انتهكت أيضاً نظام الجرائم المعلوماتية الذي يجرم في مادته الثالثة هذا السلوك، لنشرها ما يسيء لطفلها ويؤثر على المتلقي من أفراد المجتمع سلبياً، لافتةً إلى سرعة تجاوب النيابة العامة وتطبيق النظام في حقها سريعاً. صراعات نفسية وقال د. خالد الدوس - باحث أكاديمي ومتخصص في القضايا الاجتماعية والأسرية -: تعتبر قضية انتهاك حقوق الأطفال واستغلالهم التجاري، ومظاهر العنف ضدهم واحدة من أهم القضايا الاجتماعية والنفسية المعقدة التي تواجه كثيرا من المجتمعات الإنسانية المعاصرة ومنها مجتمعنا السعودي، لارتباطها المباشر بأساس المجتمع -الأسرة- ووظائفها الاجتماعية والتربوية والنفسية ولذلك يتعرض اليوم ملايين الأطفال في جميع أنحاء العالم من كافة الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية والفئات العمرية والثقافات لغول العنف وانتهاك حقوقهم والتعدي على خصوصياتهم واستغلالهم بمظاهر مختلفة، نتيجة للصراعات النفسية والمنازعات الأسرية والمشكلات الاجتماعية والدوافع الاقتصادية، الأمر الذي يضعف قدرتهم على التعلم البنائي والاندماج الاجتماعي، ويؤثر بالتالي على الصحة النفسية للأطفال واعتلالها، ولا شك أن مجتمعنا السعودي الفتي ليس بمعزل عن المجتمعات الأخرى التي تعاني من قضية استغلال الأطفال بهدف الترويج والتسويق من أجل التكسب المادي أو البحث عن زيادة المتابعين والشهرة، وانتهاك حقوقهم بعرضهم أمام الكاميرات الرقمية، وبث المقاطع عبر مواقع التواصل الاجتماعي من قبل أحد الوالدين أو أقاربهم، بطريقه تؤدي إلى فقدان براءتهم وانتهاك خصوصيتهم. تجريم وتفعيل وشدّد د. الدوس على أنه ينبغي أمام تزايد حالات انتهاك حقوق الأطفال واستغلالهم من أجل الشهرة والتكسب المادي سن قوانين تجّرم استغلال الأطفال واليافعين بأي شكل من الأشكال عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتفعيل نظام حماية الطفل من الإيذاء وتشديد العقوبات على الأطراف الذين يستغلون الأطفال في أي مجال من المجالات في العالم الافتراضي، وذلك من أجل الحفاظ على صحة الأطفال النفسية والعاطفية والاجتماعية، مع دعم الجهود الوطنية في مجال التصدي والوقاية من الجرائم والاستغلال عبر المواقع الإلكترونية، وكذلك لا بد من قيام مؤسسات التنشئة الاجتماعية ومنها المؤسسات الإعلامية والمؤسسات الثقافية والدينية والتعليمية بنشر ثقافة الوعي وتنوير المجتمع وأولياء الأمور بخطورة انتهاك حقوق الطفل واستغلاله التجاري وتأثيرها على صحة الطفل النفسية والاجتماعية والفكرية والعقلية. يوجد تهاون وأكدت نهى مشيط -محامية- على أنه يوجد تهاون من مشاهير التواصل الاجتماعي بنوعية المحتوى المقدم، وإقحام الأطفال في مشاهد ونشاطات مؤذية للطفل ويترتب عليها انتهاك لخصوصيته وذلك بعرض كافة تفاصيل حياته بما يؤثر سلباً وبلا شك في نموه النفسي والاجتماعي السليم، ونرى في كثير من الدول المتقدمة اهتماما كبيرا ومتزايدا بالطفل والطفولة وحقوق الطفل في الحياة الكريمة والصحة والتعليم، ومملكتنا الحبيبة لم تألُ جهداً في تحسين كل ما يتعلق بالطفل في مجال التعليم والصحة وحفظ حقوقه، وأحدثها تبني صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان مبادرتين دوليتين إحداهما لحماية الأطفال في العالم السيبراني، وكذلك وجود الأنظمة التي تحفظ للطفل حقوقه والعقوبات المترتبة على مخالفتها، حيث نصت المادة الأولى من نظام حماية الطفل على أن الطفل هو كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره، كما تنص المادة الثانية من نفس النظام على حماية الطفل من كل أشكال الإيذاء والإهمال ومظاهرهما التي قد يتعرض لها في البيئة المحيطة به (المنزل أو المدرسة أو الحي أو الأماكن العامة أو دور الرعاية والتربية أو الأسرة البديلة أو المؤسسات الحكومية والأهلية أو ما في حكمها)، سواء وقع ذلك من شخص له ولاية على الطفل، أو سلطة، أو مسؤولية، أو له علاقة بأي شكل كان أو من غيره، كذلك تنص في الفقرة الرابعة على نشر الوعي بحقوق الطفل وتعريفه بها، وبخاصة ما يرتبط بحمايته من الإيذاء والإهمال. عقوبات مترتبة وذكرت نهى مشيط أنه أعلنت هيئة حقوق الإنسان في المملكة عن العقوبات المترتبة على مخالفة نظام حماية حق الخصوصية للطفل في الأنظمة الوطنية وهي كالآتي: يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عام وبغرامة لا تزيد على خمس مئة ألف ريال، أو بإحدى العقوبتين كل من يمس بالحياة الخاصة عن طريق إساءة استخدام الهواتف النقالة المزودة بالكاميرا أو ما في حكمها عبر وسائل تقنيات المعلومات المختلفة، وأن لا تقل عقوبة السجن أو الغرامة عن نصف حدها الأعلى إذا اقترنت الجريمة بالتغرير بالقصر ومن في حكمهم واستغلالهم، وأنه للطفل الحق في حمايته من الاستغلال الاقتصادي ومن أداء أي عمل يرجح أن يكون خطيراً أو أن يمثل إعاقة لتعليمه، أو أن يكون ضاراً بصحته أو بنموه البدني أو العقلي، أو المعنوي، أو الاجتماعي، مبينةً أنه على الجهات ذات العلاقة اتخاذ جميع التدابير المناسبة الإدارية والاجتماعية والتربوية والتعليمية التي تكفل للطفل الحماية من الاستغلال سواء أكان في رعاية والديه أم أحدهما أم من في حكمهما أم كان في رعاية شخص آخر أو مؤسسة، وهنا يبقى الدور للمجتمع في الالتزام ونشر الوعي وعدم السماح لمثل هذه الممارسات أن تزيد من شهرة شخص غير مؤهل أن يكون مؤثراً. د. خالد الفاخري د. خالد الدوس خصوصية الأبناء حق لهم ويعاقب من يُخالف ذلك
مشاركة :