استقر المؤشر الرئيسي للتضخم في الولايات المتحدة خلال يناير الماضي، للشهر الثاني على التوالي، اذ ارتفع معدل التضخم الأساسي (الذي يستثني العوامل المتقلبة مثل تكاليف المواد الغذائية والطاقة) بنسبة 1.4 في المئة مقارنة بمستويات العام السابق، على الرغم من أنه لم يتغير على أساس شهري، أما بالنسبة لمؤشر أسعار المستهلك الأوسع نطاقا فقد سجل نموا بنسبة 0.3 في المئة على أساس شهري، على خلفية ارتفاع أسعار البنزين. ويتزامن صدور تلك البيانات مع تصاعد حدة الجدل بين الاقتصاديين فيما يتعلق بمسار التضخم في المستقبل، وعلى الرغم من ضعف البيانات نسبيا أكثر مما كان متوقعا، فإنه من المتوقع أن يرتفع التضخم في الغالب خلال الأشهر المقبلة، إذ تشير التوقعات إلى قيام الكونغرس بإقرار حزمة تحفيز كبيرة أخرى، إلى جانب زيادة الطلب في ظل تزايد حملات التلقيح ضد فيروس كوفيد 19 بما يدعم هذه التوقعات. وحسب تقرير أسواق النقد الأسبوعي الصادر عن بنك الكويت الوطني، تتمحور المخاوف حول وتيرة ارتفاع التضخم، فإذا تم رفع معدلات الفائدة قريبا فسيؤدي ذلك إلى الإضرار بتقييمات الأسهم التي يتم تداولها حاليا بالقرب من أعلى مستوياتها القياسية نتيجة خروج عائدات السندات من حلبة المنافسة. والأهم من ذلك، سترتفع تكلفة الدين بشكل كبير في الوقت الذي وصلت الديون الأميركية وعلى الصعيد العالمي إلى مستويات قياسية غير مسبوقة. وازداد عجز الميزانية الأميركية (مدى ارتفاع الفارق بين ما تنفقه الحكومة مقارنة بالإيرادات السنوية) إلى 3.1 تريليونات دولار في عام 2020. ولوضع ذلك الرقم في منظوره الصحيح، قبل الجائحة، كان من المتوقع أن يصل العجز عام 2020 إلى 1.1 تريليون دولار. ويواصل المشرعون مناقشة حجم مشروع قانون التحفيز الطارئ لمواجهة تداعيات الجائحة، واقترح الرئيس جو بايدن خطة تحفيز بقيمة 1.9 تريليون دولار، مما يثير مخاوف الاقتصاديين ممن يحذرون من أنها قد تؤدي إلى ارتفاع التضخم. من جهة أخرى، يجادل آخرون بأن هناك متسعا كبيرا للحوافز المالية، وأن مخاوف زيادة ضغوط الأسعار لا تعتبر مصدرا للقلق. ومستقبليا، قد تظهر بيانات التضخم مشوشة نتيجة للركود الذي أدى إلى انخفاض مؤشر أسعار المستهلك خلال مارس وأبريل ومايو من عام 2020، وعند حساب الأرقام السنوية هذا العام، يبدو أن وتيرة التضخم تسارعت على أساس سنوي مقارنة بالمعدلات المسجلة خلال تلك الأشهر الثلاثة. باول: من المرجح أن يظل التضخم ضعيفاً صرح رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي جيروم باول بأن البنك المركزي سيواصل دعم الاقتصاد "حتى يكتمل الانتعاش". وفي حديثه إلى النادي الاقتصادي في نيويورك الأسبوع الماضي، قال باول: "يمكنك أن ترى نموا قويا في الإنفاق، وقد يكون هناك بعض الضغوط على الأسعار"، مضيفا: "أتوقع ألا تكون كبيرة ولا مستدامة. وستطور ديناميكيات التضخم، إلا أنه من الصعب إثبات سبب تطورها فجأة في هذا الوضع الحالي". كما أعرب الاحتياطي الفدرالي عن رغبته في ترك مستوى التضخم ليتجاوز المعدل المستهدف البالغ 2 في المئة لفترة من الوقت – فيما يعد مؤشرا على أن صانعي السياسة سيتركون أسعار الفائدة بالقرب من الصفر لفترة من الزمن. ويلعب سوق العمل المتعثر أيضا دورا هاما جدا في تلك الاحداث، حيث سيؤدي استمرار ارتفاع البطالة إلى الحد من درجة ارتفاع مؤشر أسعار المستهلك. سوق العمل: معدلات تسريح الموظفين لا تزال مرتفعة تستمر مطالبات البطالة في الانخفاض في ظل تراجع القيود المفروضة لاحتواء الجائحة وانتعاش النشاط الاقتصادي، إذ انخفضت بيانات مطالبات البطالة في الأسبوع الماضي بواقع 19 ألفا لتصل إلى 793 ألف طلب – لتواصل بذلك تراجعها على مدى 4 أسابيع متتالية، ودفع تحسن الأوضاع ببعض الولايات مثل كاليفورنيا ونيويورك إلى تخفيف القيود المفروضة سابقا على تناول الوجبات في المطاعم وغيرها من الأنشطة الداخلية الأخرى على وجه التحديد. إلا أنه لا تزال هناك بعض القطاعات الواقعة تحت الضغوط مثل الترفيه والضيافة، كما تستمر التحديات التي تهدد حوالي 10 ملايين أميركي تقريبا من العاطلين عن العمل، إذ كشف التقرير الأخير لوزارة العمل عن إضافة 49 ألف وظيفة فقط في يناير مما يعبر عن صورة قاتمة لما يمكن توقعه فيما يتعلق بوتيرة التعافي. وتتضمن حزمة الإغاثة التي اقترحها الرئيس جو بايدن تمديد مزايا البطالة الطارئة التي تم تقديمها في بداية الجائحة، والتي من المقرر أن تنتهي في مارس، وشدد جيروم باول على أهمية "الصبر حيال سياسة نقدية تيسيريه" لدعم سوق العمل المتعثر، مضيفا أنه "لن يكون من السهل" على الاقتصاد الوصول إلى التوظيف الكامل و"ما زلنا بعيدين جدا عن بلوغ سوق عمل قوي". ردة فعل الأسواق وأنهت الأسهم الأميركية أسبوعا إيجابيا آخر على نطاق واسع، حيث أنهى كل من مؤشري ستاندرد آند بورز 500 وداو جونز الصناعي تداولات الأسبوع على ارتفاع بنسبة 1.23 في المئة و1.00 في المئة على التوالي، وواصلت الأسهم ارتفاعاتها القياسية غير المسبوقة في ظل تشجيع حزم التحفيز القياسية للمستثمرين، إلى جانب آمال تحسن الانتعاش الاقتصادي بوتيرة أسرع في ظل برامج اللقاحات، وانخفض الدولار الأسبوع الماضي، وتخطى الجنيه الإسترليني أمام الدولار مستوى 1.38 وصولا إلى أعلى مستوياته المسجلة منذ أبريل 2018. وبالنظر إلى أصول الملاذ الآمن، واصل سعر الذهب تراجعه في ظل ارتفاع عائدات سندات الخزانة، إذ انخفض سعر معدن الملاذ الآمن بنسبة 2.4 في المئة حتى الآن في فبراير، بعد انخفاض بنسبة 2.7 في المئة في يناير، وقد ارتبط هذا التراجع بالارتفاع الكبير الذي شهدته عائدات سندات الخزانة طويلة الأجل، ووصلت فجوة الفرق بين عائدات سندات الخزانة لأجل 30 عاما ونظيرتها ذات الاستحقاق لأحل خمس سنوات إلى أوسع نطاق يصل له منذ عام 2015، بينما وصل فارق العائد بين سندات الخزانة لأجل عامين ولأجل عشر سنوات إلى أوسع نطاق منذ عام 2017.
مشاركة :