قد يكون العنوان غريبا نوعا ما ولا يتسق مع المصطلحات والمفاهيم العلمية الثابته في علم الاجتماع، ولكن ومع تطور التكنولوجيا وتأثيرها المباشر على المجتمعات، بات من الضروري إسقاط مثل تلك المصطلحات على المجتمعات وتطبيقها. من المعروف اننا عندما يعطل جهازا إلكترونيا أن نقول بأنه يحتاج إعادة برمجة حتى يعود إلى العمل بشكل سليم أو أن يبرمج إلى العمل المحدد الذي ينبغي له القيام به. كذلك الإنسان، فإنه مكون من عدة عوامل أهمها العوامل الفسيولوجية والنفسية والتي عادة ما يصيبها بعض الخلل من مؤثرات مادية أو معنوية كحالة المرض مما يحدث خلل في التوازن الطبيعي للإنسان يحتاج لتدخل علاجي لإعادة التوازن وهو ما يمكن اعتباره وفقا للمصطلح الحديث "إعادة برمجة". تعرض المجتمع الكويتي للعديد من العوامل التي انعكست بشكل سلبي على تنشئة المواطن الكويتي وتعايشه مع مواطنيه. ففي السابق، كان يجمع بين الكويتيين عاملين أساسيين جعلتهم يتعايشون بشكل سلمي على الرغم من اختلاف أعراقهم وطوائفهم وصعوبة الحياة على أرض خالية من أبسط مقومات العيش كالماء، إلا أنهم وجدوا الأمان على أرض الكويت وتبادل المصالح المعيشية. فالتاجر يحتاج إلى السفن كي يتنقل في تجارتة بين العواصم التجارية كالبصرة والسواحل الخليجية والفارسية حتى وصلوا إلى الهند. لذلك كان يحتاج إلى الاستاذ الذي يهندس السفينة وينفذها القلاف الذي يوظف عنده عمال يساعدونه في قطع الأخشاب وتركيبها حتى تكتمل ويتم تدشينها ببحارة من أهل الكويت وما حولها من القرى والبوادي، فرحلات الغوص والسفر للتجارة التي برع فيها الكويتيون كان رجالها من الحضر والبادية وليس مقصورا العمل على الحاضرة أو الحضر فقط. وفي المدينة الكويت، كان هناك البناء والحداد والقطان وكل المهن البدائية التي تشكل مجتمع صناعي بدائي يتبادل أفراده المنفعة فيما بينهم، لذلك كان المجتمع الكويتي قديما يتعايش فيما بينه بطريقة تبادل المصلحة وينبذ كل من يثير حالة عدم الاستقرار. قبل ظهور النفط، بدأ البعض بالتأثر بمفاهيم من المجتمعات المتحضرة آنذاك، كون أن الكويتيين تعايشوا بشكل ودي، لذلك تطلب الأمر تنظيم الدولة. فجرت أحداث ١٩٣٨ والتي كانت الشرارة الأولى لتغيير نظام الدولة، ولعل ذلك قد أثار حفيظة بعض الفئات مما جعلها تستشعر الخطر على بقائها فسارعوا بالالتفاف حول بعضهم وشكلوا مجاميع ذات سمات وأعراف مختلفة هدفت إلى الدفاع عن بعضهم. والسؤال هو الذي سأطرحه فيما يخص ما بعد تلك الاحداث، و سيتكرر نفس السؤال لما سأسرده لاحقا بعد كل فقرة، كيف عالجت السلطة آنذاك الموقف؟. من الأشياء المهمة التي قامت بها الدولة بعد ظهور النفط والاستقلال، بأنها أعطت بالتساوي منافع وامتيازات للكويتيين كتعويض لسنوات الشقاء والتعب، فبنت الدولة البيوت ووزعتها بشكل متساوي للكل، وأصبح فئات المجتمع بمختلف أعراقهم ومذاهبهم متعايشين بمناطق حديثا جيرانا متحابين، واتذكر تماما تلك الفترة التي عشتها "بفريج" كنا نعتبر أنفسنا فيه عائلة واحدة. ومع بداية الثمانينات، وتغيير بعض الأنظمة الإقليمية، حدثت أحداث الثمانينات التي كان أخطرها وأهمها تفجير موكب الامير والمقاهي الشعبية. بل إن انتقلت الأعمال الإرهابية إلى الدول المجاورة ومست أمن الحجاج في الشهر الحرام. فأنقسم المجتمع بشكل طائفي مقيت، ومما زاد الأمر سوءا أن ساهمت الدولة آنذاك في ذلك ووضعت قيود أمنية على بعض الفئات وسلبت منهم حق التعايش السلمي بمنعهم من تقلد بعض الوظائف، فماذا كانت النتيجة؟ سأترك لكل فضاء الخيال عزيزي القارئ لتتخيل ماذا زرع في النفوس، واعيد نفس السؤال، كيف عالجت السلطة آنذاك الموقف؟ بعد التحرير من الغزو العراقي، ظنت الحكومة أن حالة الائتلاف والتكافل الذي نشأ بين الكويتيين إبان الاحتلال ستستمر تلقائيا، فأهملت في تعزيز تلك الروح، و نسيت أن هناك أنفس قد زرع بداخلها كره للآخر، ولم تقم بأي نوع من المعالجة، فأستفحلت تلك الروح وظهرت بشكل تآلف الفئات واتحادها لتشكيل كتل تخوض الانتخابات البرلمانية وتصل للسلطة وتنفذ ما تريده عبر أجندات خاصة وبذلك نسفت كل الصفات الطبيعية للمواطنة في المجتمعات الحديثة، وفي نهاية التسعينيات، بدأت الحرب على ما اصطلح على تسميته "بالارهاب"، وكان هناك مواطنين كويتيين ضالعين بأعمال اعتبرت ارهابية، فكيف عالجت السلطة آنذاك الموقف؟ سأكمل لكم... د. فوزي سلمان الخواري @dr_alkhawari
مشاركة :