اقترح أحد الأصدقاء أن نكتب رسالة في عيد الحب لكاتب، أو كتاب، أو صاحب مكتبة، تقول فيها إلى أي درجة أثر فينا أو ترك بصمته التي لم ولن تمحى في مسيرة حياتنا، وأنه لولا ذلك الكتاب أو الكاتب أو صاحب المكتبة لكانت أمواج حياتنا اليوم تتدحرج زبداً على شواطئ أخرى، ولما كانت كما هي اليوم! اخترت أن أوجه رسالتي لجدتي أولاً ولأول كتاب امتلكته في حياتي، يوم كنت في الصف الخامس الابتدائي، بدأت علاقتي بذلك الكتاب بغيرة طفولية وانتهت باتساع محيط، كان كتاباً صغيراً بين يدي زميلة لي في الفصل، رفضت أن تعيرني إيّاه لأقرأه، وكطفلة في العاشرة من عمري لم أفكر في أي شيء آخر سوى أن أمتلك الكتاب، وقد كان. بعد محاولات إلحاح على جدتي التي كنت أعيش عندها في تلك السنوات، أخذتني جدتي من يدي وركبنا معاً سيارة أجرة وذهبنا لمكتبة دار الحكمة بجوار البنك البريطاني في ميدان جمال عبدالناصر (بني ياس حالياً)، وهناك كاد يغمى علي حين شاهدت أرفف الكتب تصل إلى السقف، وكان الموظف يتسلق سلماً خشبياً ليصل إلى الرفوف العليا. كانت جدتي شابة صغيرة (شيء غريب أن تكون الجدة صغيرة) فاصلت البائع في السعر حتى اشترته لي، وحين خرجت معها كنت أمتلك كتاباً لأول مرة في حياتي، بغلاف مصقول يحمل صورة السيدة ماري كوري مكتشفة الراديوم وحائزة نوبل مرتين، يومها لم أفهم معنى نوبل ولا الراديوم بطبيعة الحال، لكنني كنت على يقين بأنني أمتلك كتاباً، ستظل صورة صاحبته ماثلة أمامي حتى بعد 30 عاماً حين دخلت أحد فنادق التشيك لأعرف أنها قضت فترة من حياتها في ذلك الفندق لإجراء تجاربها على عنصر الراديوم المشع. لقد بقي ذلك الكتاب من أكثر العلامات التي تركت بصماتها في مسيرة حياتي حتى هذه اللحظة.طباعةEmailفيسبوكتويترلينكدينPin InterestWhats App
مشاركة :