بعد عدة أعوام من التعثر السياسي والاقتصادي، افتتحت مصر أمس الدورة 20 لمؤتمر «يوروموني - مصر» السنوي، تحت عنوان «بدائل تمويل المستقبل الاقتصادي لمصر»، بحضور عدد من الجهات الدولية البارزة، وسط تطلعات مصرية كبرى لتحقيق تنمية اقتصادية تخرج بالبلاد من كبوتها الاقتصادية، خاصة بعد التطورات الأخيرة التي شهدتها مصر خلال العام الأخير، والتي يرى خبراء اقتصاد محليون ودوليون أنها ستكون «فارقة» في مستقبل مصر. ويؤكد خبراء اقتصاد لـ«الشرق الأوسط» أن الخريطة الاقتصادية في مصر شهدت تحولا بارزا منذ عقد مؤتمر مصر الاقتصادي في مدينة شرم الشيخ في شهر مارس (آذار) الماضي، خاصة في ظل الدعم القوي الذي قامت به دول الخليج العربي وعلى رأسها السعودية والإمارات والكويت، وكذلك الترحيب الدولي بخطوات إصلاح الاقتصاد المصري ومشروعات التنمية الطموحة. وأمس، أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في مقال نشره بجريدة «دايلي نيوز - إيجيبت» بالتزامن مع عقد مؤتمر «يوروموني - مصر»، استمرار الإجراءات المصرية الإصلاحية للسياسات الاقتصادية، موضحا ما شملته من خطوات نحو ترشيد الدعم وتعديلات التشريعات الضريبية لتكون أكثر عدالة وتحفيزا للاستثمار. وطرح الرئيس السيسي عددا من التحديات التي واجهته في الفترة التي بدأت مع توليه الرئاسة، وكيف تم التعامل معها. كما استعرض السيسي رؤيته لمستقبل الاقتصاد المصري، وأهداف الحكومة وخططها لتحقيق النمو على صعيد الناتج المحلي الإجمالي، وخفض عجز الموازنة، وتخفيض مستويات الدين العام. وشرح السيسي الآثار التي ترتبت على قرارات اتخذتها الحكومة المصرية خلال الفترة الماضية، مثل تعديلات ضريبة الدخل وهيكلة دعم الطاقة التي أدت إلى زيادة مخصصات الإنفاق على التعليم والصحة في موازنة العام المالي الحالي، منوها إلى أنه بينما لا يزال الوقت مبكرا، إلا أن المردود الأولي لسياسات الاقتصاد الحكومية واعد، حيث بلغت تقديرات النمو 4.2 في المائة في موازنة 2014-2015. بعد عدة سنوات من نمو سنوي يدور حول نسبة 2 في المائة فقط. وقال الرئيس المصري إن الحكومة تستهدف الوصول بمعدلات الدين العام إلى مستويات بين 80 و85 في المائة في العام المالي 2018 - 2019. وتسعى للوصول بالنمو إلى 5 في المائة خلال العام المالي الحالي بفضل ارتفاع تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر. موضحا أن ما تخطط له الحكومة يستلزم على الأقل عملية إعادة هندسة ضخمة للنشاط الاقتصادي في مصر بالكامل. وأنه تجري إعادة هيكلة الاقتصاد بما فيه من موارده طبيعية وبشرية غير مستغلة لفترة طويلة جدا، فضلا عن تحديثه وتعديله بحيث يمكن أن يستفيد من إمكاناته بالكامل. وأشار السيسي إلى إمكانية الاستفادة من دروس فترة الازدهار الاقتصادي الأخيرة التي شهدتها مصر خلال منتصف العقد الأول من القرن الحالي: «للتأكد من أن هذه المرة سوف يستفيد كل المصريين من النمو؛ وليس مجرد عدد قليل. ولنضمن توزيع ثمار النمو بصورة عادلة، وأن يتحمل الإصلاح بصورة أكبر أولئك القادرون على تحمل آثاره؛ بينما الفئات الأكثر ضعفا تبقى محمية». ويرى خبراء اقتصاد محليون وغربيون أن حديث الرئيس المصري «يتسم بشفافية يحتاجها النمو الاقتصادي بشكل كبير خلال المرحلة المقبلة، سواء من حيث الطرح الصريح للمشكلات الموجودة على الساحة، أو مواجهة التحديات القائمة بخطوات حاسمة وشجاعة». وقال مسؤول حكومي لـ«الشرق الأوسط» إن «الإدارة المصرية انتهجت خلال الآونة الأخيرة منهج المكاشفة والمواجهة، لأنه لا توجد حلول حاسمة لمشكلات مصر الاقتصادية سوى باللجوء إلى ذلك، جنبا إلى جنب مع الخطط المدروسة للنمو.. ولدينا أمل كبير في حدوث طفرة كبيرة في المرحلة المقبلة». وأمس، افتتح وزير المالية المصري هاني قدري فعاليات الدورة الـ20 للمؤتمر السنوي «يوروموني - مصر»، بحضور عدد من المستثمرين والمسؤولين في القطاعات الاقتصادية في الدولة، في خطوة علق عليها المسؤول الحكومي بأنها تأتي ضمن خطط الإدارة المصرية لعرض فرص الاستثمار المتاحة، والاطلاع على رؤية المستثمرين المصريين والعرب والأجانب. وقال قدري خلال كلمته إن «مصر تتطلع إلى المزيد من النمو الاقتصادي، خصوصا مع الأحداث الاقتصادية الهامة التي شهدتها البلاد خلال الفترة الماضية، مثل المؤتمر الاقتصادي في شرم الشيخ وافتتاح قناة السويس الجديدة، والكثير من المناسبات التي يتم خلالها عرض الفرص الاستثمارية في مصر». ويبحث المؤتمر في دورته الحالية التي تستغرق يومين بدائل تمويل المستقبل الاقتصادي لمصر خلال الفترة المقبلة، سواء من خلال الاستثمار الأجنبي المباشر أو أدوات الدين الحكومية والقروض ومشاركة القطاع الخاص. وذلك بمشاركة عدد من الجهات الدولية، منها البنك الدولي، ومؤسسة التمويل الدولية، وبنك اليابان، والوكالة الأميركية للتنمية، فضلا عن شركات عالمية وإقليمية. ومن بين الموضوعات التي يطرحها المؤتمر للنقاش خلال ورشة عمل خاصة ملف قناة السويس الجديدة وسبل تمويل مشروعات التنمية بمنطقة المحور، والمناطق الصناعية المزمع إنشاؤها على جانبي القناة، بالإضافة إلى مناقشة قضايا الطاقة وكيفية تمويل مشروعاتها، والشراكة مع القطاع الخاص، والقطاع العقاري والإنشاءات والبنية التحتية. وخلال المؤتمر، أوضح وزير المالية أن الحكومة لديها برنامج لطرح سندات دولية في الأسواق العالمية بقيمة 10 مليارات دولار على مراحل زمنية مختلفة. وقال إن «الحكومة نجحت في طرح سندات دولية بقيمة 1.5 مليار دولار في يوليو (تموز) الماضي في السوق العالمي دفعة واحدة، ووجد هذا الطرح إقبالاً عالميًا غير مسبوق بما يؤكد الثقة في الاقتصاد المصري». وأضاف قدري أن برنامج السندات الدولية سيستخدم لسد الفجوة والعجز في الموازنة، جنبًا إلى جنب مع مساعي الحكومة لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية وتنشيط الاقتصاد من خلال خلق مناخ واعد للفرص الاستثمارية التي تتسم بها مصر. مشيرا إلى أن «مصر ستعتمد في المقام الأول على مواردها الاقتصادية الاعتيادية، وتسعى لزيادة تلك الموارد بشكل مطرد خلال هذا العام والأعوام المقبلة من خلال الإصلاحات الاقتصادية المتعددة والهامة التي قامت وتقوم بها»، مضيفا أن «مصر تسعى لخفض العجز إلى 8.8 في المائة خلال العام المالي الحالي، من 11.5 في المائة المحقق في العام المالي الماضي 2014 - 2015». كما أكد قدري أن مصر تسعى إلى تحسين مميزاتها التفضيلية لجذب المزيد من الاستثمارات عن طريق نظام ضريبي لا يلقي المزيد من الأعباء على المستثمرين بالإضافة إلى أن عائد هذه الضرائب سيعود مباشرة بالنفع على المستثمر. لافتا إلى توسع الحكومة في إنشاء المناطق الاقتصادية الخاصة، التي لها مميزات ضريبية تجعل مصر أكثر جاذبية وتنافسية. من جانبه، قال وزير الاستثمار أشرف سلمان إن الحكومة تحتاج إلى استثمارات تقدر بنحو 10 مليارات دولار من القطاع الخاص والأجنبي للوصول إلى معدل النمو المستهدف من 5 إلى 5.5 في المائة بنهاية العام المالي الحالي 2015 - 2016. موضحا أن الحكومة مستمرة في مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، رغم التحديات التي شهدتها في الفترة الماضية، متوقعا الانتهاء من مرحلتها الأولى خلال 7 سنوات. وأوضح سلمان أن كشف الغاز الأخير الذي أعلنت عنه شركة إيني الإيطالية يعد حدثا تاريخيا ليس على المستوى المحلي فحسب، ولكن على المستوى العالمي أيضا. كما أشار إلى أن هناك بعض المشكلات التي تواجه قطاع الصناعة والاستثمار في مصر، متعلقة بمنح التراخيص والأراضي والإجراءات المتعلقة بذلك، ويجري حل كافة المشكلات من هذه النوعية.
مشاركة :