إن قيام المسؤول بتشجيع الموظفين والعاملين، بحسب النظام، على التعاون مع الجهات الرقابية للحفاظ على المال والنظام العام يُشعرهم بأهمية الالتزام بالأنظمة والقوانين، ويُبعد عنهم القلق والخوف والرهبة غير المُبررة من الإبلاغ عن أي شبهات فساد، ويُعزز لديهم القدرة على التواصل المُباشر مع الجهات الرقابية التي كلفتها الدولة. "المملكة لا تقبل فساداً على أحد، ولا ترضاه لأحد، ولا تعطي أياً كان حصانة في قضايا فساد"؛ "يهمنا أن نكون في مقدمة الدول في مكافحة الفساد". عبارتان كريمتان تصدرتا الموقع الرسمي لهيئة الرقابة ومكافحة الفساد "نزاهة"، العبارة الأولى لقائد المملكة وإمام المسلمين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -أيده الله-، والعبارة الثانية لسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-. بهاتين العبارتين الكريمتين تتضح رؤية وتوجه القيادة الكريمة، وتتبين سياسة المملكة الصلبة والحازمة والحاسمة في مكافحة ومحاربة ومواجهة جميع أنواع الفساد، وفي نفس الوقت تتبين سياسة الدولة في محاسبة ومعاقبة وتوقيف كل شخص فاسد ومفسد مارس الفساد أو تورط في قضايا فساد. إذاً نحن أمام سياسة دولة مباشرة وواضحة ومعلنة وحازمة لا يمكن بعد ذلك ادعاء الجهل بها، أو التغافل عن تطبيقها، أو الالتفاف عليها مهما كانت الأسباب والمُسببات. إن سياسة الدولة الكريمة في محاربة الفساد والمفسدين نابعة ومستمدة في أساسها من المصادر الشرعية الرئيسة والمبادئ الإسلامية العظيمة التي تأسست عليها الدولة، ومن ذلك قول الله عزَّ وجل: "وَابتَغِ فيما آتاكَ اللهُ الدارَ الآخرةَ ولا تَنسَ نصيبكَ مِنَ الدُنيا وأحسِن كَمَا أحسَنَ اللهُ إليكَ ولا تَبغِ الفَسَادَ في الأرضِ إنَّ اللهَ لا يُحبُّ المُفسِدِينَ" (77) القصص. وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن رأى منكُم مُنكراً فليُغيِّرهُ بيدِه، فإنْ لم يستطِع فَبِلسانِهِ، فإنْ لم يَستطِع فَبِقلبهِ، وذلك أضعفُ الإيمانِ". رواه مُسلم. وعلى هذه الأسس والمبادئ الإسلامية العظيمة، وضعت الدولة الأنظمة والقوانين واللوائح، وأصدرت الأوامر والتوجيهات والقرارات والتعاميم، وأنشأت المؤسسات والهيئات والأجهزة الرقابية، ومنحتها السلطات والصلاحيات والموارد المالية والبشرية، لضمان التقيد والالتزام بسياسة الدولة، والمحافظة على الموارد العامة المالية والمادية والبشرية، والحرص على خدمة المصلحة العامة والعليا للدولة. وحرصاً من الدولة الكريمة على ضمان تقيد كبار مسؤولي وموظفي الدولة بسياسة الدولة العليا والتزامهم بالأنظمة والقوانين واللوائح المعتمدة، أوجبت الدولة عليهم جميعاً أداء القسم قبل مباشرتهم لأعمالهم. ومن ذلك ما تضمنته المادة الرابعة من نظام مجلس الوزراء الصادر في 3 ربيع الأول 1414هـ ونصها: "لا يباشر أعضاء مجلس الوزراء أعمالهم إلا بعد أداء اليمين الآتية: "أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصاً لديني، ثم لمليكي، وبلادي، وأن لا أبوح بسر من أسرار الدولة، وأن أحافظ على مصالحها وأنظمتها، وأن أؤدي أعمالي بالصدق والأمانة والإخلاص". وكذلك ما تضمنته المادة الحادية عشرة من نظام مجلس الشورى الصادر في 27 شعبان 1412هـ ونصها: "يؤدي رئيس مجلس الشورى، وأعضاء المجلس، والأمين العام، قبل أن يباشروا أعمالهم في المجلس، أمام الملك، القسم التالي: (أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصاً لديني، ثم لمليكي، وبلادي، وأن لا أبوح بسر من أسرار الدولة، وأن أحافظ على مصالحها وأنظمتها، وأن أؤدي أعمالي بالصدق والأمانة والإخلاص والعدل)." من هذه المنطلقات الشرعية والوطنية تنتظر الدولة مِمن أوكلت لهم خدمة المصلحة العامة، وكلفتهم بإدارة الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة، ومكَّنتهم بمنحهم السلطات والصلاحيات، أن يقوموا بواجباتهم الوظيفية بالشكل الذي أدوا فيه القسم أمام القيادة الكريمة، ومن تلك الواجبات الوظيفية تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد. وفي الوقت الذي يعتبر فيه باب تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد باباً واسعاً ويتطلب عملاً وجهوداً جبَّارة من المسؤولين لتحقيقه، إلا أن هناك وسائل عديدة تجعل من باب تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد باباً متاحاً للنزيهين، وضيقاً على الفاسدين والمفسدين، ويحفظ الوقت والموارد. وإذا كانت وسائل تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد عديدة، إلا أن من أهم تلك الوسائل التي قد تساعد المسؤول هو قيامه، وفق صلاحياته، بإصدار القرارات والتعاميم التي تُشجع جميع الموظفين والعاملين، في المؤسسة أو الهيئة العامة التي يرأسها، على التواصل المُباشر مع هيئة الرقابة ومكافحة الفساد "نزاهة"، للإبلاغ عن أي شبهات فساد مالي أو إداري، وذلك بصفتها الجهة المُختصة والمُخولة بتلقي البلاغات عن جرائم الرشوة وجميع أنواع الفساد المالي والإداري؛ وذلك حمايةً للمال العام والحفاظ عليه. إن هذه الوسيلة التي تُشجِع العمل الجماعي على تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد ستساهم مساهمة مباشرة في التقليل أو القضاء على الفساد وفضح المفسدين، لأنهم سوف يخشون أن يتم الإبلاغ عنهم من أي موظف اطلع على فسادهم المالي أو الإداري، مما يجعل هؤلاء المفسدين يرتدعون عن ممارسة الفساد خوفاً من أن تتم إحالتهم للجهات الرقابية، بحسب النظام. إن قيام المسؤول بتشجيع الموظفين والعاملين، بحسب النظام، على التعاون مع الجهات الرقابية للحفاظ على المال والنظام العام يُشعرهم بأهمية الالتزام بالأنظمة والقوانين، ويُبعد عنهم القلق والخوف والرهبة غير المُبررة من الإبلاغ عن أي شبهات فساد، ويُعزز لديهم القدرة على التواصل المُباشر مع الجهات الرقابية التي كلفتها الدولة. وبالإضافة إلى هذه الوسيلة المباشرة في تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد، هناك وسيلة أخرى من شأنها أن تساعد المسؤول في التقليل أو القضاء على الفساد والمفسدين، وهذه الوسيلة تتمثل في سياسة الباب المفتوح التي تنتهجها القيادة الكريمة -حفظها الله-. إن احتذاء المسؤول بنهج القيادة الكريمة سيُساهم مساهمة مباشرة في ردع الفاسدين خوفاً من أن يعلم المسؤول بفسادهم وتعطيلهم لمصالح الناس، وفي المقابل ستعمل سياسة الباب المفتوح على تشجيع الموظفين والعاملين والمراجعين على الإبلاغ عن الفاسدين في المؤسسة أو الهيئة العامة التي يرأسها. إن قيام المسؤول بتخصيص جزء من وقته خلال اليوم أو الأسبوع لمقابلة الموظفين والعاملين والمراجعين سيُساهم مساهمة مباشرة في تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد، وسيحفظ للناس أوقاتهم، وسيحقق رضا المواطنين والمراجعين. وفي الختام من الأهمية التأكيد بالقول بأن سياسة الدولة في تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد، التي أكد عليها سمو ولي العهد -وفقه الله- عندما قال: "لن ينجو أي شخص دخل في قضية فساد سواء وزيراً أو أميراً أياً كان"، تم تطبيقها بحزم على كل موظف ومسؤول فاسد ومفسد خان الأمانة وحنث بالقسم، وتم العمل بها بصلابة لا تلين حتى عاد لنظام الدولة هيبته، وللمؤسسات الرقابية احترامها، وللمال العام حرمته، وللمواطن حقوقه. نعم، إن حق المواطن قائم ومُصون ومكفول في الإبلاغ عن أي شبهات فساد، وتؤكد على هذه الحقوق النظامية بشكل دائم ومتواصل هيئة الرقابة ومكافحة الفساد "نزاهة" عبر مواقعها الرسمية، ومن خلال رسائلها النَّصية المستمرة الموجهة لجميع المواطنين والمقيمين حرصاً منها على تحقيق الغاية التي من أجلها أوجدتها الدولة ودعمتها القيادة الكريمة -حفظها الله-.
مشاركة :