توم هانكس يدخل «الويسترن» في فيلم «أخبار العالم»

  • 2/18/2021
  • 00:39
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

هل يمكن للفرد أن يختار موطنه، وما الذي يدفعه للعودة إلى الديار بعد أن يلف العالم من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه؟! أسئلة انبثقت بعد حضور فيلم "أخبار العالم" News Of The World للممثل توم هانكس، الذي اختار بعد أربعة عقود من مسيرته الفنية، أن يدخل عالم "الويسترن" وينافس كلا من جاري كوبر - ملك أفلام "الويسترن" وأول ممثل حقيقي لها - وجون واين وكلينت إستوود، وغيرهما من الذين اشتهروا بهذا النوع من الأفلام، وازدهرت في عصرهما شخصية الكاوبوي الخالدة، لكن، إلى أي مدى نجح هانكس في أداء فيلمه، الذي يعد أول تجربة له في هذا المجال؟!‬ ‬ مهمته قراءة الأحداث أواخر القرن الـ19، كان الغرب الأمريكي يعيش حياة قاسية، ما دفع بجيفرسون كايل كيد المحارب الكونفدرالي، يؤدي دوره الممثل المخضرم توم هانكس ‬الفائز بالأوسكار مرتين، إلى حمل عدد من الصحف والسفر عبر الولايات الأمريكية الجنوبية بعد فترة وجيزة من نهاية الحرب الأهلية، بهدف قراءة أحداث من الشمال الشرقي، ولم تنحصر مهمة جيفرسون في قراءة الأحداث والأخبار فقط، بل تعدتها إلى منح الجمهور في كل بلدة قليلا من المرح لإلهائهم عن حياتهم في الغرب المتوحش، بعيدا عن أي أجندة سياسية.‬‬ ‬ بداية الرحلة مع الفتاة أثناء رحلته يلتقي فتاة صغيرة تدعى جوهانا، تلعب دورها هيلينا زينجيل الطفلة الألمانية، اختطفت من قبل قبيلة كيوا التابعة للهنود الحمر قبل ستة أعوام، بعد غارة قتلت والديها عندما كانت في الرابعة من عمرها، وبعد أن يجدها جيفرسون بالصدفة، يُطلب منه من قبل شرطة البلدة أخذها إلى أقرب أقربائها الأحياء، فيتحمل مسؤوليتها ويمضي قدما، وهي برفقته. تبدأ الرحلة بين الاثنين، لكنها سرعان ما تتحول إلى ملحمة مليئة بالمخاطر المميتة، ‬فجوهانا الطفلة الشقراء الحزينة دائما، لا تتحدث الإنجليزية، ولديها شخصية عدائية بشكل مفرط، لأنها لا تعلم أنها اختطفت، وتنظر إلى رحلة إيصالها إلى خالتها على أنها اختطاف، لأنها لا تتذكر سوى حياتها عند قبيلة كيوا.‬ ‬ صداقة بعد عداوة خلال رحلتها مع كيد تتطور علاقتهما، ويعقدان هدنة شكلت مدماكا أساسيا لعملية التواصل، فيعلمها الإنجليزية وتعلمه لغة قبيلة كيوا، وعندما يتعرضان لأول مأزق في الرحلة نتيجة مطاردة ثلاثة مجرمين لهما بغية اختطاف جوهانا وبيعها، فإن الاثنين يتعاونان لأجل البقاء، ‬كما واجها عبر رحلتهما كثيرا من التحديات غير المتوقعة سواء بسبب قوى الطبيعة المتوحشة أو العنف البشري الهمجي، في الوقت عينه يعيد كل منهما تعريفه الشخصي الخاص للمكان الذي يستحق أن يمنحه لقب وطن.‬‬ حوار صامت يغيب الحوار عن فيلم "أخبار العالم"، الذي يمزج بين الحركة البدنية وما يوازيها في الداخل من أحاسيس، لأن الحدث عادة ما يؤثر في البدن وفي الروح، خاصة عند جوهانا، الطفلة المعجزة التي استطاعت أن تخاطب المشاهد بحركة عينيها، وأكمل حلقة الإبداع بول جرينجراس كاتب السيناريو والمخرج الذي أخرج فيلم هانكس "كابتن فيليبس" وترشح في 2014 لست جوائز أوسكار، وأربع جوائز جولدن جلوب، وحاز جائزة بافتا البريطانية من إجمالي تسعة ترشيحات.‬‬ ‬أكشن خفيف على الرغم من أن الفيلم للمخرج جرينجراس، الذي طور صنف الأكشن في هوليوود خلال الـ15 عاما الماضية من خلال أفلام جيسن بورن، إلا أنه لم يُظهر الأكشن في هذا الفيلم بطريقة مفرطة‬، فلقد استعمله في مشهدين، الأول: مشهد تبادل إطلاق النار بين جيفرسون والعصابة، الذي لجأ فيه كيد إلى تسلق جبل مجاور لتسهل عليه عملية القنص من الأعلى، وفي مشهد آخر: يسقط جيفرسون في أسر حاكم مدينة، لأنه لم يتقيد بقوانينه السخيفة وبسبب حسن نيته كذلك، لكنه ينجو بسبب تمرد بعض العناصر على الحاكم وبسبب تدخل جوهانا في الوقت المناسب. لقطات إبداعية أما التصوير فكان إبداعا حقيقيا، خاصة تلك المشاهد البعيدة التي التقطت من الجو باستخدام طائرات الدرونز، كذلك هناك مشهد زيارة كيد وجوهانا لمنزل والديها، يصوره جرينجراس من خلال نافذة، أي إطار المشهد مغلف بإطار النافذة، وهو مشهد أيقوني مقتبس من فيلم The Searchers الشهير من إخراج الأسطورة جون فورد عام 1956، عدا ذلك كانت هناك مشاهد معبرة جدا التقطت بالعدسة الواسعة لجوهانا، وهي تقف بمفردها في السهول الواسعة، كذلك مشهد جيفرسون على الحصان وهو عائد إلى جوهانا ليسترجعها من عائلتها، هي لقطة موفقة تم اقتباسها في المسلسل التركي أرطغرل، جميع تلك المشاهد وغيرها كثير شكلت لوحة إخراجية جميلة، رغم اقتباسها من أعمال سابقة، إلا أن تنسيقها يعود إلى براعة المخرج. موسيقى الويسترن تتميز أفلام الويسترن بموسيقى خاصة، ما زالت إلى يومنا هذا تصدح مدغدغة أحاسيسنا، وتعود بنا إلى ذكريات الطفولة عندما كنا نجتمع لمشاهدة الكاوبوي، ولقد جاءت في فيلم "أخبار العالم" مطابقة من حيث المستوى مع ما اعتدنا عليه، حيث إنها أضفت روحا حيوية على الفيلم وأعطته ثقلا يجعلك تنصهر في المشاهد، وليس مستغربا نجاح الموسيقى التصويرية في الفيلم، لأنها تعود إلى جيمس نيوتن هوارد الملحن والمنتج الموسيقي، الذي يعد أحد أشهر مؤلفي الموسيقى التصويرية في السينما، حتى إنه ترشح لثماني جوائز أوسكار، آخرها كان في 2009 عن فيلم المدافع، إضافة إلى ترشحه لعديد من جوائز جولدن جلوب وبافتا البريطانية، وفوزه بجائزة الإيمي.‬ مقتبس من رواية «الأخبار» لا يمكن لفيلم أن يحصد الإعجاب، إذا لم تكن عناصره كافة متكاملة، لذلك يعد فيلم "أخبار العالم" متكاملا لتقانته من جميع النواحي، خاصة الحبكة التي تعود بمتانتها إلى اقتباسها من رواية نشرت في 2016 بعنوان "الأخبار"، من تأليف بوليت جايلز الشاعرة والروائية الأمريكية، التي حققت نجاحا عاليا وقت صدورها، وتصدرت لفترة طويلة قوائم الكتب الأكثر مبيعا، وهي تتحدث عن جندي متجول يكسب رزقه الضئيل من قراءة مجموعة مختارة من المقالات الصحافية بصوت عال للجمهور، مقابل أجر قليل.‬ تاريخ الويسترن دراما الغرب الأمريكي أو "ويسترن" هي نوع من الروايات تمت كتابتها بشكل أساسي في النصف الأخير من القرن الـ19 في غرب الولايات المتحدة، وأطلق عليها اسم "الغرب القديم". تدور قصصها بشكل عام حول حياة راعي بقر أو مقاتل مسلح، وعادة ما تتخلل الأجواء مستويات موسيقى غربية، بما في ذلك الموسيقى الشعبية الأمريكية والإسبانية المكسيكية، مثل: موسيقى الريف وموسيقى الأمريكيين الأصليين، وكانت شعبية أفلام "الويسترن" هي سبب سيطرة هوليوود على سوق السينما العالمية، ويعود تاريخ هذه الأفلام إلى ما بين عامي 1850 و1890، وهي فترة شهدت تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية في الولايات المتحدة. وبالعودة إلى البدء، إن الموطن الأصلي للفرد، بحسب ما أظهر فيلم توم هانكس، لا يرتبط بأمور مادية ولا بمكان ولا جدران ولا تراب، إنما الموطن الأصلي هو العائلة، هو الإنسان الذي يأوي أخيه الإنسان، ليعيشا في حياة من تصميمهما تماما، كالحياة التي بدأ جيفرسون و"ابنته" جوهانا يعيشانها، حيث أصبحت مرافقته ومساعدته في جميع جولاته، وارتسمت الفرحة على وجهها بعد كل جولة، فكأنها وجدت عائلتها وموطنها والحضن الدافئ، الذي يمدها بعطفه.

مشاركة :