في عام 1918، كانت الشركة السينمائية الإيطالية تستعد لإنتاج أول فيلم روائي في مصر، مستوحى من قصص «ألف ليلة وليلة»، ويحمل اسم «قمر الزمان»، إلا أنها كسبًا للوقت وتقليلا للنفقات، قررت أن تقوم بتصوير فيلمين قصيرين في البداية، هما «شرف البدوي» و«الأزهار المميتة»، لا تزيد مدة عرضهما عن ثلاثة أرباع الساعة، وقد اشترك المخرج الراحل محمد كريم في تمثيل الفيلمين، ليصبح بذلك أول ممثل سينمائي مصري، بحسب كتاب قصة السينما في مصر، للناقد السينمائي سعدالدين توفيق. بدأ عشق محمد كريم للسينما عندما كان يتردد على سينما «أمبير» التي كانت من أوائل دور العرض السينمائي في القاهرة، خصوصا بعد أن شاهد فيلمي «أسرار نيويورك» و«فانتوماس»، حيث كانت تقوم بعرض الأفلام الأجنبية قبل دخول مصر في الصناعة وعالم الانتاج السينمائي. ومع زيادة تعلق «كريم» بالسينما، قرر أن يكتب خطابا إلى الشركة السينمائية الإيطالية في الإسكندرية، يوضح خلاله مدى اهتمامه بالتمثيل، ورغبته في ممارسة هذا الفن، مرفقا خطابه بـ 86 صورة فوتوغرافية له في مواقف تمثيلية متعددة. وبحسب صحيفة «الوقائع المصورة»، جاء لـ«كريم» الرد من الشركة بأنها ستبدأ أعمالا جديدة في أول يونيو 1918، وأنه يمكن أن يحضر إلى مقر الشركة بالإسكندرية على نفقته الخاصة لإجراء الامتحان اللازم قبل التعاقد، وبالفعل اتجه إلى هناك، حيث امتحنته الشركة، وقررت قبوله، ليصبح بذلك المصري الوحيد في الشركة. كان استوديو هذه الشركة مقاما على أرض فضاء بجوار حديقة النزهة بالإسكندرية، وكانت قاعة التصوير كلها من الزجاج، وجدرانها مغطاة بالستائر البيضاء أو السوداء، فلم تكن الأضواء الكهربائية تستعمل في التصوير السينمائي، بل كان تصوير الأفلام يعتمد على الشمس كمصدر للضوء، بحسب كتاب تاريخ السينما المصرية، تأليف إلهامي حسن. يحكي محمد كريم في الجزء الأول من مذكراته، كواليس إعداده لتمثيل الفيلمين، مشيرا إلى إن الاستوديو أعد له بذلة عسكري بوليس بيضاء لكي يظهر بها في فيلم «شرف البدوي»، إلا إنه عبر عن استيائه من تأدية دور عسكري، وأقنعه سنيور فرانشيسكو، المدير الفني للشركة، بأن يقوم بتأدية الدور بعد أن أضاف له شريطين يوضعان على الكتف كترقية بدلا من مجرد عسكري. وفي يوم السبت 20 يوليو عام 1918، تمام الساعة التاسعة و36 دقيقة، صباحا، دارت الكاميرا لتصوير أول لقطات محمد كريم في السينما، وبعد أسبوعين، انتهت الشركة من عمليات التصوير والتحميض والطباعة للفيلمين. عرض فيلم «شرف البدوي» في سينما شانتكلير بالإسكندرية، ابتداء من يوم الجمعة 2 أغسطس 1918، وتشير مجلة «سينما الشرق» في عدد مارس عام 1949، إلى أن فيلم «الأزهار المميتة» لم يعرض على الإطلاق، بعد أن منعته الرقابة «لأن القرآن يظهر مقلوبًا في بعض مناظره، ويظهر أن رقابة ذلك الزمان لم تكن لديها وسائل كفيلة بحذف المنظر المعترض عليه، وإطلاق سراح بقية الفيلم». لم يحقق فيلم «شرف البدوي» نجاحا يذكر، لرداءة مستواه الفني، ولم يرض «كريم» بما قام من تمثيل مع الشركة الإيطالية، لذلك قرر أن يوجه خطاباته التالية إلى شركات السينما في أمريكا وأوروبا، خاصة وأن الحرب العالمية الأولى كانت قد وضعت أوزارها في شهر نوفمبر 1918.
مشاركة :