تناول الباحث أمجد محمد سعيد قصيدة "داخل الوقت" للشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي بالبحث والدراسة حيث يقول:" إن الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطي حجازي كان واضحا تماما أنه يعبر بشكل جلي ومنطقي وموضوعي، عن مدرسة واضحة المعالم في خريطة الشعر العربي المعاصر، وأنه في اختلافه مع الأصوات الشعرية الأخرى، يشكل أحد الينابيع الرائدة في بناء القصيدة العربية الحديثة، وأنه يتميز بخصوصية متفردة لها أبعادها الفكرية والفنية، ضمن المدرسة ذاتها، وأنه بالتالي يحظى بجمهور واسع من قراء الشعر الحديث ونقاده ومتابعيه، الذين وجدوا في شعره ذلك التواشج الداخلي بين التطلع إلى آفاق المستقبل في بناء قصيدة حديثة، دون التفريط المجاني بعصب ومفاصل القصيدة العربية التقليدية.متابعًا:"وظل حجازي في أشعاره اللاحقة كغيره من الشعراء الرواد الكبار، أمينا على القصيدة التي يكتبها، معمقا ومتسعا في مشهده الشعري الخاص، رغم أنه اعترف مرات عديدة، أنه كان مقلا في الكتابة لأسباب لم يعلن عنها، حتى فاجأنا في أول مايو 2009 بقصيدة له نشرتها صحيفة الأهرام في ملحقها ليوم الجمعة بعنوان "خارج الوقت"، كانت نوعا من تأكيد الحضور الشعري للشاعر، ورَدّا إبداعيا على من قال إنه توقف أو نضب، وكانت مناسبة لأن نراجع أشعار حجازي من جديد مراجعة جمالية.وأنه في قصيدته يحمل في إحالاته العديد من الإنزياحات المباشرة وغير المباشرة، وكلها في تقييم البعد الشعري لا تعطيك مفاتيح، بقدر ما تزيد في عدد الأبواب المغلقة التي عليك أن تجتازها.والخارج هنا في العنوان، هل يعني الخارج المادي، أم الخارج المعنوي، أم الخارج الفني، أم الخارج الفكري، وهل هذا الخارج إيجابي المظهر والمحتوى، أم أنه سلبي النتيجة والمآل.هل هو قيمة مقصودة، أم إشارة عفوية أتت في سياقها الطبيعي. وأخيرا هل هذا الخارج هو "خارج" فعلا، أم أنه والداخل متمازجان متداخلان في كون معرفي وفني واحد، وإذا افترض الشاعر أنه في المحيط الخارجي، هل لنا أن نأخذ افتراضه على محمل الجد، أم أن ذلك كان نوعا من الإيهام المقصود، يلعب الشاعر على أوتاره، ليحدد محيطه الخاص، إزاء المحيط العام الذي يعج بالأصوات في زمان ومكان واضحي المعالم والأبعاد.أما المستوى الثاني من بنية العنوان فهو كلمة "الوقت"، وتأتي هنا لتحدد على نحو جلي ومقصود، الوقت الشعري بشكل رئيس، ثم الوقت بمعناه الحياتي العام، أو تعنيهما سوية، وفي ثقل موضوعي واحد.وفي كل الأحوال فهي تختلف عن الزمن، مثلا، فللوقت حضور مادي أقرب إلى كينونة الشاعر، ووجوده الحاضر في المشهد الآني للأحداث، وللوقت أيضا ظلال أكثر نداوة وحميمية ونبضا وقربا للواقع اليومي الذي يهدف الشاعر إلى تصويره والتعليق عليه.على أننا لا نعدم أن نرى علاقات ممكنة تفترض الإشارة إلى الزمن العام والزمن الخاص، وما بينهما من برهات وفترات تأخذ أبعادا ذاتية مرة، ومرة أبعادا موضوعية شاملة.كأن الوقت الذي يعنيه الشاعر هنا أقرب إلى التجربة الذاتية الآنية القريبة من المشهد اليومي العام، وما يلقيه من ظلال على المشهد النفسي الإنساني الخاص في مقابلة الحياة والموت، والحضور والغياب.ويخلص الباحث أمجد محمد سعيد قصيدة "خارج الوقت" للشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي، واحدة من أهم قصائده التي عبرت فعليا عن طبيعة شعره وطبيعة تناوله لمقاصد موضوعاته، وأثبتت أنه لا يزال أمينا على لغته وإطار تجربته الشعرية والفنية العامة. وأثبت أنه متابع:"لا يزال يمتلك ناصية القصيدة ويوجهها إلى ما شاء من أنحاء المعنى، وفضاءات المبنى، ما زال حجازي يمثل تلك المدرسة الشعرية الفنية التي تهتم ببعض الثوابت التي تخدم قصيدته وتمثلها، وفي مقدمة تلك الثوابت لغته الواضحة المفهومة والتي لا تستعصي على القارئ المتخصص والعادي أيضا، اللغة السلسة بمفرداتها القريبة، ومعانيها المحددة التي اختارها الشاعر بدقة كبيرة، لكي تؤدي معناه المقصود. وهي لغة قريبة من النفس، ولكنها لا تخرج من حيزها إلى مواقع اعتباطية ضبابية.ومن ثوابت القصيدة هذه، وهي ثوابت حجازي، اهتمامه الكبير بموسيقى الشعر، وتأكيده على الالتزام بالتفعيلة، مع الاهتمام الواضح بالقافية التي تشد القصيدة من أولها إلى آخرها، والتي يعرف الشاعر، كيف يجعلها تُفعِّل تنويع الموسيقى العامة في القصيدة كلها.ومن ثوابت حجازي قدرته الهندسية الدقيقة في بناء القصيدة، وعلى تشكيل وتوظيف المسافات بين مقطع ومقطع، وبين جملة شعرية وأخرى، بحيث يعرف كيف يريح القارئ، ويترك له المجال لالتقاط أنفاسه، وحتى لترك مساحة زمنية للتأمل والتفكير. ناهيك عن توفير التوازن بين هذه الجمل والمقاطع.ولعلنا لا ننسى هنا أن الشاعر حجازي كان دائما يعبر عن المضمون السياسي والاجتماعي، في الكثير من نتاجه الشعري، معالجا قضايا وطنية وقومية وإنسانية، وهو هنا في هذه القصيدة، لا يبتعد عن ذلك، وإنما هو في صلب المواجهة الحادة مع أعداء الجماهير المطحونة، ولكن ليس من خلالها، ومن خلال معاناتها، بل من خلال معاناته هو شخصيا.حين نشر حجازي هذه القصيدة، كانت أولا خبرا سعيدا لان نستمتع بقراءة واحد من شعراء الحداثة العربية في نتاج شعري جديد، وكانت تأكيدا على أنه لم ينضب كما اعتقد البعض حيث كسر فترة طويلة من الصمت، مجيبا في القصيدة ذاتها عن سر صمته، وسر عودته، إلى فضاء الشعر الفسيح.وبعد فإن حجازي في الحقيقة ليس خارج الوقت، إنما هو موجود في صميمه وفي داخله، وما زال يتفاعل معه، سواء بالأساليب والصيغ الإنسانية المعروفة، أو بأساليب وصيغ تنبع من الحركة الدائمة المتطورة للحياة والفن والمجتمع.
مشاركة :