مسرح توفيق الحكيم المقروء

  • 2/21/2021
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

عندما قرأت مسرحية "أهل الكهف" لأول مرة قبل عقدين لم أكن أدرك أنها فشلت فشلاً ذريعاً حينما عرضت على خشبة المسرح القومي في القاهرة في العام 1935م! رغم أن مخرجها هو رائد المسرح العربي "زكي طليمات"، والأهم أن كاتبها هو الأديب الكبير "توفيق الحكيم"! تفاجأ الوسط الأدبي بهذه الكبوة رغم العمق الفكري للمسرحية وتماسك قصتها الدرامية، غير أن "الحكيم" عزا ذلك إلى كونها كتبت بأسلوب مختلف يخاطب الفكر، وكان من الصعب تجسيدها على الخشبة كما المسرحيات الأخرى، الرائع في الأمر أن نشر المسرحية كانت إيذاناً بنشوء تيار مسرحي جديد في العالم العربي، هو المسرح الذهني، وما تبعه لاحقاً من مسرح "العبث". هذه العلاقة الخاصة بين "الحكيم" والمسرح بدأت مبكراً، منذ أن أرسله والده في بعثة حكومية إلى فرنسا لدراسة الدكتوراة في القانون، لكنه وخلال الثلاث سنوات التي قضاها في باريس انصرف إلى حضور الأوبرا والمتاحف، وبالتأكيد عشقه الأكبر لأبي الفنون: المسرح، ليعود دون الحصول على الشهادة، بل متشرباً لثقافة أدبية وفنية واسعة، ضاربة في أطناب الأدبين الفرنسي واليوناني العتيق. تدرجه في المناصب الإدارية لم يمنعه من الإنتاج الأدبي الغزير، الذي مكنه من تبوّؤ موقع ريادي في مسيرة الأدب العربي، والمسرح العالمي أيضاً، فهو لم يكن جريئاً في طرح قصص الموروث الديني ضمن أشكال أدبية معاصرة؛ بل استطاع المزج بين الواقعية والرمزية في مساحة من الخيال ذات عمق ووعي، فمن أسطورة "أوزوريس" إلى "شهرزاد" إلى "الملك أوديب" مرور بقصة أهل الكهف، تمكّن رائد المسرح الرمزي من معالجة قضايا معاصرة عبر استهام قصص ليست مجهولة من العصور الماضية، سواء كانت إسلامية أو قبطية أو حتى فرعونية! يكاد إبداع "الحكيم" المسرحي يتجاوز المئة مسرحية، منها عددٌ محدود يمكن تجسيده على خشبة المسرح، كونها عالم من الدلائل والرموز يصعب فك شفرتها واسقاطها على المحيط إلا بالقراءة وليس مشاهدتها كما المسرحيات التقليدية، كما هي مسرحية "أهل الكهف" التي ارتكزت على محاور القصة القرآنية، ومنها انطلقت لمداولة قضيتها وهي الصراع بين الإنسان والزمن، فأبطالها الثلاثة يبعثون إلى الحياة بعد ثلاثة قرون من النوم؛ ليجدوا أنفسهم في زمن غير زمنهم، وفي مجتمع غير مجتمعهم، لا يستطيعون العودة إلى علاقاتهم التي اندثرت ولا يتمكنون من الاندماج في المجتمع الغريب عنهم، فيصيبهم شعور الوحدة والغربة في هذا العالم الجديد، ومنه يفرّون سريعاً نحو كهفهم، مؤثرين الموت على الحياة! خلال العقود الماضية تراجع المسرح الذهني مع تراجع المسرح بشكلٍ عام، ولم يعد جاذباً لكتاب المسرح الشباب ناهيك عن جمهور القراء، رغم أنه فنٌ أدبي لافت، تستطيع من خلاله قول ما تريد ضمن مساحة حركية ورمزية قلما تجدها في فنون أدبية أخرى.

مشاركة :