أثار انخراط مصر، في عدة تحالفات عربية وإقليمية في الفترة الأخيرة تساؤلات عديدة حول أسباب وجدوى هذه التحالفات بالنسبة للقاهرة. وأسست مصر، آلية للتعاون الثلاثي مع قبرص واليونان، وتحالفا رباعيا مع السعودية والإمارات والبحرين، وشكلت هذه الآلية وهذا التحالف نواة لـ "منتدى الصداقة"، الذي تم الإعلان عنه قبل أيام، وضم الدول الست إلى جانب فرنسا. كما شكلت مصر، آلية أخرى للتعاون الثلاثي مع الأردن والعراق، توصلت من خلالها إلى اتفاق "الإعمار مقابل النفط" لتنفيذ مشروعات بنية تحتية في العراق. كذلك دعت القاهرة إلى تأسيس تحالف بين دول شرق البحر المتوسط للتعاون في مجال الغاز الطبيعي، وتم بالفعل تأسيس "منتدى غاز شرق المتوسط"، ومقره العاصمة المصرية. ويضم هذا المنتدى كلا من مصر وقبرص واليونان وإسرائيل وإيطاليا والأردن وفلسطين، إلى جانب ممثلين عن الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي بصفة مراقب. ووقعت هذه الدول على ميثاق تحويل المنتدى لمنظمة إقليمية حكومية في سبتمبر الماضي، وسيدخل الميثاق حيز التنفيذ في مارس المقبل. وفي هذا الصدد، قال الدكتور إكرام بدر الدين أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن "سياسة مصر فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي تقوم على تأسيس شراكات وتحالفات لمواجهة الأزمات" في المنطقة. وأضاف بدر الدين، لوكالة أنباء (شينخوا)، أن "هذه التحالفات ليست موجهة إلى آخرين، لكنها تهدف إلى تعزيز التنسيق والتعاون إزاء قضايا معينة، خاصة أن السياسة الخارجية لمصر لا تميل إلى التدخل فى شؤون الآخرين، وتستهدف فقط الحفاظ على الأمن القومي المصري وزيادة المنافع المتبادلة". ورأى أن "مصر تشارك فى هذه التحالفات بحكم موقعها الجغرافي ودورها في المنطقة والإقليم وأيضا على المستوى الدولى.. لأن مصر ترتبط بالمنطقة العربية والقارة الأفريقية وأيضا بدول البحر المتوسط مثل إيطاليا وفرنسا وقبرص واليونان، ومن خلال هذه الدول ترتبط مصر بعلاقة طيبة بالاتحاد الأوروبي". وتابع أن "وجود مصر فى تحالفات مختلفة ومتعددة يأتى من خلال الثقل الإقليمي لمصر، ودورها على المستوى الدولى، ونشاط الدبلوماسية والسياسة الخارجية المصرية، بالإضافة إلى عوامل أخرى ترتبط بالأمن القومي المصري". ومن ضمن الأسباب أيضا، بحسب بدر الدين، "مواجهة الاستفزازات التي تحدث فى منطقة شرق البحر المتوسط، وهذه يفسر الارتباط مع قبرص واليونان فى هذا الإطار". وأردف أن "هذه التحالفات تعزز العلاقات الثنائية بين مصر والدول الأعضاء، فضلا عن تبادل الخبرات فى القضايا ذات الاهتمام المشترك، كما سيكون هناك مجال للتعاون فى الاقتصاد والبنية التحتية والاستغلال الأمثل لثروات البحر المتوسط". وتوقع أن "تعزز هذه التحالفات التعاون الإقليمي، وتحقق السلام والاستقرار" في المنطقة. أما الدكتور عاطف سعداوي الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، فرفض وصف ما يجري بالتحالفات. وقال سعداوي لـ(شينخوا)، "لا أريد تسمية ذلك بالتحالفات، لأن التحالف دائما ما يكون موجها ضد أحد، لكن يمكن أن نسميه شراكات، خاصة أن مصر تتحرك فى دوائر الصداقة، وتشارك الدول الأعضاء الرؤية والهدف وأيضا التهديد". وأضاف أن الدول الأعضاء في هذه الشراكات "تواجه تهديدات إقليمية واحدة، والذي يهدد مصر يهدد اليونان وقبرص، وهذا ما جعل الصيغة أقرب إلى أن تبدو تحالفا، لكنه ليس تحالفا بالشكل التقليدي الموجه إلى أحد، وإنما تحالف هدفه مصلحة الدول المشاركة فيه بغض النظر عن من هو الطرف الثاني". وشدد على أن هذه الشراكات "مهمة بالطبع"، وضرب مثلا بـ "منتدى غاز المتوسط"، الذي قال إنه "كفيل بتحقيق المصالح الوطنية لكافة الدول الأعضاء، على الرغم من الصراعات الكثيرة في الإقليم". وأردف أنه "دون شك، هذه الشراكات قادرة على تحجيم أدوار أية قوى إقليمية تحاول زعزعة استقرار المنطقة، لأنه حينما تتحرك فى إطار مجموعة أفضل من أن تتحرك بشكل فردي". وواصل أن "التحرك فى إطار مجموعة به دافع معنوي كبير، كما أن التحرك الجماعي يعطي دائما مصداقية ومشروعية للمطالب، فمثلا شراكة مصر مع اليونان وقبرص لن تكون قاصرة على الدولتين، لأنها تضمن دعم تكتل مهم وهو الاتحاد الأوروبي، وبالتالى التحرك الجماعى يكون أكثر فعالية وقوة فى تحقيق الأهداف". وشاطره الرأي الدكتور محمد صادق اسماعيل مدير المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، بوصفه هذه التحالفات بأنها "مهمة جدا.. وتخدم السياسة المصرية". وأضاف اسماعيل "اعتقد أن مصر نجحت إلى حد كبير فى تشكيل تحالفات استراتيجية مميزة مع بعض الدول، ونوع من الشراكة مع البعض الآخر". وأوضح أن "التحالف قوة.. ونحن فى عصر التحالفات"، مشيرا إلى أن تحالف مصر والأردن والعراق مهم جدا فيما يتعلق بالتعاون السياسي والاقتصادي ومكافحة الإرهاب، خاصة أن العراق تريد نقل تجربة مصر الناجحة في التنمية والبنية الأساسية. ولفت إلى أن كل هذه التحالفات تساهم في تعزيز العلاقات بين مصر والدول المتحالفة، وتزيد فاعلية سياستها الخارجية.
مشاركة :