هل تختلف إدارة الجودة عن التخطيط الاستراتيجي في رفع كفاءة مؤسسات التعليم العالي؟

  • 2/25/2021
  • 01:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

ضمان الجودة هو نهج شامل يغطي عمليات التطوير في مؤسسة التعليم العالي لتحقيق معايير الجودة المتوقعة من أجل خدمة الطلاب وأصحاب المصلحة. يشمل ضمان الجودة معايير الإدارة الاستراتيجية وإدارة العمليات ونظام القياس والمراقبة التي تتفاعل مع بعضها بعضا لتمكين المؤسسات من تحسين عملياتها، ولإنتاج معلومات قابلة للتقييم حول نظام ضمان الجودة. في هذه المقالة، سأناقش الفرق بين معايير الإدارة الاستراتيجية المذكورة في أنظمة الجودة الوطنية والدولية وبين الإدارة الاستراتيجية. هل هما نهجان مختلفان أم أنهما نهج واحد؟ هل يحقق النهجان نجاح إدارة العمليات وأنظمة القياس والمراقبة بشكل متساو أم أنهما يحققان هدفين مختلفين. أحببت طرح هذا المقال لما وجدته من سوء فهم لتطبيق نظام الجودة وتحميله جميع أنواع التغييرات في المؤسسة ومنها التخطيط الاستراتيجي. إن كانت الجودة تؤكد وجود خطة استراتيجية بعناصرها المعروفة في التعلم والبحث العلمي وخدمة المجتمع، إلا أنها لا تفرض على المؤسسة الرؤية في تحقيق التأثير اللازم في سوق العمل أو الانتشار اللازم داخل أو خارج البلد. ودليل ذلك أن كل المؤسسات التعليمية المعتمدة في البحرين تتوافق مع أنظمة الجودة المعمول بها وطنياً، إلا أنها تختلف في خطتها الاستراتيجية وأهدافها وطموحاتها من حيث التأثير والانتشار. إن تحقيق معايير الجودة يحقق لها ضمان استمرارية النجاح وتطوره، ولكنها لا تعني بأي شكل من الأشكال أنها الأفضل بين المؤسسات التعليمية، كما لا يعني ذلك قدرتها على التنافس على المستوى العالمي.  سندعم هذه الفكرة من خلال مناقشة بعض الأطر المتخصصة في جودة التعليم العالي. بدءاً، إن معظم الاعتمادات الدولية للبرامج الأكاديمية (...CAEP, AACSB, NAAB,ABET) لا تلتفت إلى التخطيط الاستراتيجي بمعناه المعمق في بعد الرؤية وتحقيق اتجاهات وطنية أو دولية. وإذا نظرنا في أحد المراجع الدولية المعروفة باسم «عملية بولونيا» Bologna Process، والتي أسست مجموعة من المعايير لتكون مرجعاً لجودة التعليم العالي في الدول الأوروبية، فإنها تحث على وجود خطة استراتيجية ووجود مؤشرات لقياس مدى تحقق الخطة الاستراتيجية، ولكنها لا تحدد مستوى تلك المؤشرات ولا تذكر أي أمر عن بعدها الاستراتيجي. وإذا تكلمنا عن نموذج التميز الأوروبي EFQM أو نظام الأيزو ISO 9001، فإن أثرهم جلي على مستوى العمليات والإنتاج والتحسين المستمر، ولكن أثرهم غير واضح في دفع المؤسسة استراتيجيا بخطوات سريعة إلى الأمام. ولنأخذ مثالاً على ذلك. إن من المعايير الأساسية للجامعات هو مؤشر معدل التوظيف لدى خريجي الجامعة، أي ما هي نسبة الخريجين الذين يحصلون على وظيفة؟ هذا المؤشر جيد ومهم ولكن عدم تحديد فترات الانتظار حتى التوظيف ينقص من قوة المؤشر. فمثلاً، هناك فرق بين جامعتين تشيران إلى معدل توظيف بنسبة 60% ولكن في الأولى يتوظف الخريجون خلال ستة أشهر من وقت تخرجهم، والأخرى يتوظف الخريجون خلال سنة من وقت تخرجهم. أما إذا تكلمنا عن البعد الاستراتيجي، فوجب علينا تحديد الهدف الذي نرجو تحقيقه خلال فترة معينة. فمثلاً إذا أرادت الجامعة رفع نسبة التوظيف إلى 80% خلال ستة أشهر من وقت التخرج، سيلزمها ذلك العمل على رفع مستوى الخريجين وكفاءتهم، كما سيدفعها إلى بناء علاقات وطيدة مع المؤسسات المعنية لتوظيف الخريجين. كما قد يمتد عملها الاستراتيجي إلى تغيير المناهج مما يجعلها أكثر اتصالاً مع سوق العمل، وقد توظف الطلبة في سنتهم الدراسية الأخيرة في مشاريع حقيقية تابعة للمؤسسات المجتمعية مما يرفع من نسب توظيف الخريجين. قد لاحظتم أن تحقيق متطلبات الجودة تختلف تماماً عن تحقيق المؤشر الاستراتيجي، حتى وإن كان المؤشر الاستراتيجي أحد متطلبات الجودة. التطوير المستمر من أهم قيم الجودة، ولكنها لا تحدد ما هو مقدار التحسين أو البعد الاستراتيجي أو الاستشراف الأمثل لتحقيق الأهداف النوعية والتنافسية.  هناك مؤشر آخر مهم لكل الجامعات وهو معدل التخرج، أي عدد سنوات الدراسة التي يقضيها الطالب لاستكمال تخصص البكالوريوس، وهي في الغالب تعادل أربع سنوات. والسؤال هنا كم عدد الطلبة الذين يتخرجون خلال أربع سنوات حسب الخطة الدراسية؟ إذا قلت لكم إن النسبة 5%، أي خمسة أشخاص من كل مائة شخص، ستستنكرون ذلك. فمن غير المعقول أن يتخرج أكثر من 95% من طلبة الثانوية العامة خلال ثلاث سنوات حسب المخطط له، بينما يتخرج فقط 5% من طلاب الجامعة خلال أربع سنوات. أين الخلل؟ أعني أن المؤشر ذاته لا يكفي، ولكن بعده الاستراتيجي وتأثيره هو الأهم. فمعايير الجودة تطلب رفع النسبة من 5% إلى ما هو أكبر منه (مثلا: إلى 6%)، وتعينه بكل المعطيات والوسائل لتحقيق ذلك، ولكن النظرة الاستراتيجية لا تكتفي برفع النسبة ولكن إصلاح الوضع الراهن ورفع النسبة بشكل حقيقي إلى نسب تتوافق مع حاجاتنا في سوق العمل.  تؤكد أحد الأوراق العلمية بعنوان «التخطيط الاستراتيجي وضمان الجودة في عملية بولونيا» ضرورة تكامل العمل الاستراتيجي مع عمل الجودة، حيث يغطي التخطيط الاستراتيجي نطاقًا زمنيًا لعدة سنوات وقد يستلزم تغييرات أساسية لتعديل أنشطة المنظمة مع بيئتها. إن التخطيط الاستراتيجي له نظرة استشرافية، أما أنظمة الجودة تضمن استمرارية العمليات بشكل صحيح ودقيق. إن إدراج أنظمة الجودة والتطوير ضرورية ولكنها قد تكون بطيئة في دفع المؤسسة للأمام، أما التخطيط الاستراتيجي فهي تدفع المؤسسة بخطوات سريعة إلى الأمام ولكنها سرعان ما قد تفقد هذه الاستمرارية لعدم كفاءة عملياتها. لذا وجب العمل على النهجين في تطوير المؤسسة.  يصف هذان النهجان الإداريان جوانب مختلفة من التعليم العالي ويمكن دمجهما في عملية واحدة للمؤسسات التعليمية. قد عمدت الكثير من المؤسسات التعليمية إلى دمج وحدات الجودة ووحدات التخطيط الاستراتيجي تحت مظلة واحدة لضمان اكتمال عمليهما معاً. يجب تنفيذ ميزات التخطيط الاستراتيجي وضمان الجودة وتحديدها في خطط العمل والتنفيذ للمناهج والمقررات الدراسية. ضمان الجودة هو فحص لتحديد ما إذا كانت المؤسسة منظمة لتحقيق أهدافها.  ختاماً، يتمثل الاختلاف الرئيسي في النهج في أن الإدارة الاستراتيجية تتطلب رؤية تؤدي إلى اختراق للمألوف على المدى القريب والبعيد، بينما تضمن إدارة الجودة التحسين المستمر من خلال قوة الأنظمة والترتيبات الداخلية، ومن خلال تطبيق خطوات بسيطة مستمرة تحدث التغيير على المدى البعيد. وبالتالي فإن النهجين ضروريان ومكملان لبعضهما. ‭{‬ الخبير الدولي في  جودة التعليم العالي

مشاركة :