الذين أزعجهم أن يقول مسؤول أميركي، إن «القضاء على (داعش) قد يحتاج إلى عشرين سنة»، يجب ألا ينزعجوا، لأن المسؤول الأميركي الذي قال بهذا، علنًا، قد قالها استنادًا إلى مدد يراه موصولاً، لـ«داعش»، على المستوى المادي، ثم على المستوى الفكري معًا. وربما تكون هذه فرصة سانحة لأن أعيد التنبيه إلى واجب الإعلام العربي عمومًا، والإعلام المحلي من ورائه خصوصصا، في كل عاصمة عربية، وهو يتعرض لـ«داعش» من قريب أو من بعيد.. وهو واجب يتلخص في أن علينا ألا نقع في فخ تسميته تنظيم «الدولة الإسلامية»، ونحن نتناوله في أي وقت، لأنه تنظيم إرهابي، من الألف فيه إلى الياء، ولأنه ليس «دولة»، ولأن دولته، حتى وإن قامت نظريًا في نظر إرهابييه وفي عقولهم، فهي ليست بالقطع «إسلامية». أما حكاية العشرين سنة، ففي أيدينا أن نخيب ظن الذي أطلقها، وفي أيدينا أن نجعلها عامًا، وربما أقل، إذا قطعنا عن «داعش» مدده الفكري، وقبل ذلك ومعه مدده المادي. وسوف ينقطع مدده الأول، فكريًا، عندما ينشط إعلامنا في كل دولة عربية، ليبين لمشاهديه، أو قرائه، أو مستمعيه، أن هذه هي أفكار جماعة «الإخوان»، وأن تلك هي أفكار «داعش»، وأنه لا فرق بينهما، بل إنها بوصفها أفكارًا، تظل ذات طبيعة واحدة في الحالتين، لأن كل إنسان ينشأ في داخل الجماعة الإخوانية، سوف يكون مآله الطبيعي، إلى «داعش» في النهاية، ما لم يشمله ربه برحمته، وما لم يتدارك هو نفسه، أمره بيديه، فينقذ عقله من فكر جماعة، قال واحد من مرشديها ذات يوم، إن «كل عضو فيها، هو بين يدي المرشد العام كالجثة بين يدي الشخص الذي يغسلها.. إنْ يمينًا فيمين، وإنْ شمالاً فشمال، دون أدنى حركة، ودون أدنى اعتراض»! إن أبو بكر البغدادي ذاته، الذي يوصف بأنه زعيم تنظيم «داعش» الإرهابي، قد نشأ إخوانيًا في شبابه، بشهادة من يوسف القرضاوي شخصيًا، وهي شهادة كانت منشورة على صفحات «الشرق الأوسط» بالبنط العريض، يوم أدلى بها القرضاوي، ولم يحدث أن نفاها، ولا أن عاد عنها بعدها! مهمة الإعلام الوطني، إذن، هي أن يظل يشرح بالدليل، لا بالكلام المطلق، أن «داعش» هو «الإخوان»، وأن «الإخوان» من حيث المضمون، هم «داعش».. إلى أن يفيق عضو في «الجماعة» هنا، أو آخر فيها هناك، فينجو بنفسه، ويعلنها براءة منها، ومن أفكارها. وعندما يقوم الإعلام الوطني، بمهمة كهذه، على نحو ما يجب، فسوف تجري عملية فرز تلقائية، داخل كل مجتمع، فتصبح «الجماعة» بأعضائها في ركن، ويصبح المجتمع بأعضائه الطبيعيين في سائر الأركان. وإذا كان الوجود الأساسي للتنظيم الداعشي الإرهابي، منحصرًا بشكل أساسي، منذ نشأ وظهر، في غرب العراق، وفي شرق سوريا، فإن الكلام عن القضاء عليه في عشرين عامًا، أو حتى أربعين، دون قطع المدد المادي عنه، إنما هو نوع من العبث! وهو نوع من العبث، لأن غرب العراق وشرق سوريا، إذا كانا بصفتهما مربعًا صحراويًا في أغلبه هو المصب، فهناك منبع يمده ويجدد موارده من الدواعش كل يوم، وهذا المنبع يتمثل بشكل أدق في حدود تمتد لنحو 900 كيلومتر، اسمها الحدود التركية - السورية. إن العالم كله يعرف أن كل داعشي جديد، لا يلتحق بالتنظيم الإرهابي إلا عبر الحدود بين تركيا وسوريا، كما أن العالم كله يعرف أن كميات النفط التي استولى عليها التنظيم في أرض العراق، أو في أرض سوريا، باعها وتصرف فيها عن طريق تركيا، ثم إن العالم كله يعرف، للمرة الثالثة، أن تركيا رفضت الانضمام عضوًا إلى تحالف محاربة «داعش»، الذي انطلق ذات يوم من مدينة جدة السعودية.. ويعرف العالم نفسه، للمرة الرابعة، أن ضريح سليمان شاه العثماني، الموجود في شمال سوريا، لم يمس التنظيم الداعشي طوبة واحدة فيه، في وقت كان فيه التنظيم نفسه، ولا يزال، يدمر آثار سوريا في مدينة تدمر، وفي غير تدمر، ويذبح خبير آثارها الكبير خالد الأسعد، ويعلق جسده على عمود كهرباء! «داعش» تنظيم إرهابي، له أرض مصب يرتع فيها، كما أن له في المقابل أرض منبع يجري منها، ولا بد أن خداعنا طوال الوقت بما يفعله في أرض المصب دون وقف منبعه وتجفيفه من عند الأصل، إنما هو عبث أكبر!
مشاركة :